قضايا وآراء

علي الوردي ..اوراق لم تنشر(2) / قاسم حسين صالح

 في العائلة العراقية أسماها (التجزؤ)..أي انقسام في أسلوب الحياة بين الرجل والمرأة والطفل..وأنه قلّ أن نجد في هذه الدنيا مجتمعا تجزأت فيه العائلة مثل هذا التجزؤ البليغ، حيث الطفل يذهب الى الزقاق يتسكع مع اقرانه، والمرأة مجالها البيت لا ينبغي أن تحيد عنه، والرجل مجاله في اوقات فراغه المقهى. ويضيف، أن العراق مشهور بمقاهيه، وهي على كثرة عددها تغص بالرجال. ويرى أن سبب هذه الظاهرة حجاب المرأة أولا، وتعالي الرجل عن المكوث معها في البيت ثانيا..لأنه نشأت عندنا قيم تجعل من المرأة جنسا أقلّ منزلة من الرجل وأضعف عقلا بحيث يشعر الرجل ازاءها بالتعالي والكبرياء. فاذا علم الناس برجل يكثر من المكوث في بيته مع امرأته وأولاده..أتهم بالتخنث، على حدّ وصفه.

  ويعزو الوردي هذه القيم الى البداوة..وأن المجتمع البدوي مجتمع غزو وحرب، والرجل وحده هو الذي يقوم بمهمة الحرب والنضال، اما المرأة فتعتبر مهمتها أخفض درجة من مهمة الرجل ولذا ينظراليها بعين الاستصغار والمهانة. وبسبب ذلك فقد تعودت المرأة أن تقبع في بيتها وأن تعتقد بفضل ذلك ودلالته على العفّة والشرف، فهي قد لقنّت منذ الطفولة على أن تكون محجبة لا تخرج من البيت الا عند الضرورة القصوى.

  وكان الوردي يرى أن هذا الانفصال الشديد بين عالم المرأة وعالم الرجل في المجتمع العراقي

(خمسينيات القرن الماضي) يؤدي في كثير من الأحيان الى الانحراف الجنسي .فقد ثبت علميا –يضيف- أن الانحراف الجنسي، في الغالب اكتسابي،  سببه انفصال المرأة عن الرجل كما هو الحال في الجنود الذين يظلون في ميدان الحرب مدة طويلة بعيدين عن النساء،  وكذلك البحّارة والسجناء.

  ويعزو الوردي سبب انتشار الانحراف الجنسي في العراق آنذاك الى هذا الانفصال الفضيع بين الرجل والمرأة. ويستشهد بأن أغانينا تخاطب الحبيب بلفظة المذّكر،  وأن أغلب أشعارانا الغزلية نؤاسية..أي هائمة بنفس الحب الذي هام به المنكوب أبو نؤاس. ولسوء حظنا أن العراق كان مهد الحجاب لأول انتشاره في الحضارة الأسلامية..وكذلك كان مهبط الوحي على أبي نؤاس..على حدّ وصفه.

                                                                                                 

***

س:

   الدكتور الوردي،  مع أن المجتمع العراقي شهد تطورا" كبيرا" في السبعينيات الا أنه لم يكن تطورا" متوازنا" فيما يخص الرجل والمرأة. فما سبب هذا الفرق بين الرجل والمرأة من الناحية الاجتماعية؟ وما مستقبل المرأة برأيك؟

ج:

   يجب أن نعلم قبل كل شيء أن المرأة تختلف عن الرجل في ناحيتين،  اولاهما انها اضعف بدنا" من الرجل،  والثانية انها تقضي كثيرا" من وقتها في شؤون الحمل والرضاع والاهتمام بالاطفال.

ان المرأة تختلف عن أنثى الحيوان في هاتين الناحيتين. فأنثى الحيوان لا تختلف اختلافا" كبيرا" من حيث قوتها البدنية عن الذكر،  وهي كذلك لا يشغلها الحمل والرضاع عن كسب العيش كمثل ما يشغل الأنثى البشرية.

ومن الظواهر التي لفتت انظار الباحثين هي أن الأباحية الجنسية موجودة في الحيوان،  ولكنها غير موجودة بالمجتمع البشري الا نادرا".

س:

     لماذا؟

ج:

    لأن انتشار الأباحية في أي مجتمع بشري يؤدي الى هلاكه بالنهاية.

س:

     وما الفرق بين أنثى الحيوان والأنثى البشرية؟

ج:

   الأنثى البشرية في فترات الحمل والرضاع تحتاج الى من يحميها ويعيلها هي واطفالها وهي اذن مضطره الى الارتباط برجل والى الأختصاص به لكي تستطيع البقاء في الحياة هي واطفالها. وهذا هو سبب نشوء نظام الزواج والعائلة في المجتمع البشري،  ولم يجد الباحثون مجتمعا" بشريا" خاليا" من هذا النظام على وجه من الوجوه.

س:

    وما الذي احدثته الحضارة الحديثة في تقليص الفرق بين الرجل والمرأة؟

ج:

   ان الفرق الذي ذكرناه بين المرأة والرجل ادى الى أن يكون الرجل مسيطرا" على المرأة ويفرض عليها الطاعة لأمره. وقد ظلت المرأة خاضعة للرجل منذ بداية ظهور البشر على وجه الأرض حتى عهد قريب. والواقع أن الحضارة الحديثة احدثت تغيرا" جذريا" في ظروف المرأة مما جعلها تتمرد على سلطة الرجل وتطالب بالمساواة معه.. وصار في مقدور المرأة بالعصر الحديث أن تكسب الرزق وتحترف كثيرا" من المهن التي كان الرجل يحتكرها لنفسه،  كما صار في مقدورها أن تضبط نسلها بحيث لا تكون في معظم اوقاتها مشغولة بالحمل والرضاع على نحو ما كانت عليه المرأة القديمة. اضف الى ذلك أن القوة البدنية لم تبق لها تلك الأهمية التي كانت لها في العصور القديمة. ان السيف بطل استعماله وحل محله السلاح الذي لا يحتاج الى القوة البدنية التي كان السيف يحتاج اليها.

 

ان هذا التطور الذي حدث في الحضارة الحديثة جعل في مقدور المرأة أن تكون حرّة في اختيار زوجها، أو أن تكون حرّة في الامتناع عن الزواج. وهذا هو الذي جعل ظاهرة الأطفال غير الشرعيين واسعة الانتشار في المجتمعات المتقدمة. ففي السويد مثلا" تشير الاحصاءات الى أن نسبة الاطفال غير الشرعيين فيها هي ثلث مجموع الاطفال أو اكثر. وقد اضطرت حكومة السويد من جراء ذلك الى تسجيل الاطفال جميعا" بأسماء امهاتهم بدلا" من التسجيل بأسماء الأباء حسب الطريقة التي اعتاد البشر عليها منذ قديم الزمان.

 

س:

    والى اين ستفضي هذه الظاهرة برأيك؟.

 

ج:

يتنبأ بعض علماء الاجتماع بأن هذه الظاهرة ستزداد نموا" جيلا" بعد جيل من جراء تحرر المرأة وانطلاقها. وربما جاء زمن يضعف فيه نظام الزواج والعائلة ويكون الاتصال الجنسي امرا" عاديا" من بعض الوجوه. وعندها سوف تتولى الحكومة أمر العناية بالاطفال وتربيتهم، أو هي قد تتولى بالاضافة الى ذلك أمر تنمية الاجّنة في الانابيب بدلا" من بطون الأمهات.

 

س:

     وان صحت هذه النبوءه؟

ج:

    اذا صحت هذا النبوءه فان الخطر من ذلك على البشر قد لا يقل عن الخطر الناشيء من تلوث البيئة أو ازدياد الاشعاع الذري أو اضمحلال طبقة الاوزون أو غيرها من مساويء الحضارة الحديثة.

 

س:

   وكيف ستكون شخصية الطفل برأيك؟

ج:

   ان الطفل الذي ينشأ في مؤسسة حكومية لا تنمو شخصيته كمثل ما تنمو في احضان العائلة. فان حنان الأبوين وجو العائلة لا يمكن الاستعاضه عنهما بأية مؤسسة حكومية مهما كانت متقنة.

***

تساؤلات.

         في خاتم هذه الحلقة نطرح تساؤلين لأبداء الرأي والمناقشة،  

الأول: من المعلوم أن الشذوذ الجنسي كان منتشرا" في المجتمع العراقي في خمسينيات القرن الماضي..فكيف هو الآن؟ واذا كانت نسبته انخفضت فهل يعود ذلك الى زوال الانفصال بين عالمي المراة والرجل بالدرجة الأولى؟

والثاني: في سبعينيات القرن الماضي تراجعت نسبة الحجاب بين العراقيات الى درجة كبيرة،  وكانت نسبة السفور بين الطالبات الجامعيات في العاصمة بغداد اكثر من 80% فيما حصل العكس في الألفية الثالثة. فهل تعود "روح" السبب الى ما ذكره الوردي،  وان الاسلام السياسي ليس سوى وسيلة نفخ فيها لاحيائها؟.

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1606 الثلاثاء 14 /12 /2010)

 

 

 

في المثقف اليوم