قضايا وآراء

سيكولوجيا حرب الملفّات / قاسم حسين صالح

ولك أن تتأكد بنفسك حين تستذكر ما قلته وسمعته في أمسك ويومك. والسبب الرئيس في ذلك أن تفكير العقل العراقي يشغّله في أوقات الأزمات مصدران: العشيرة والطائفة.

والذي لا ينتبه له كثيرون أن الانشغال بالماضي حالة سيكولوجية تلازم الانسان الكئيب والمأزوم نفسيا، ومن يصاب بالعجز المتعلم..وهي حالة سيكولوجية يصاب بها من يحاول ويفشل ويحاول ويفشل..ولا يجد مخرجا من الحال البائس الذي هو فيه.والواقع ان اغلب العراقيين هم من هذا النوع الذي يجتر فواجعه..ليس فقط لما فيها من تراجيديا من نوع اللامعقول، بل ولأن آمالهم تحولت الى خيبات متتالية وصاروا كلما منّوا النفس بأن الأمور ستفرج..ازدادت تعقيدا.وما ينجم عن هذا ان من ينعدم لديه الأمل يتبرمج دماغه تلقائيا على تشغيل خزين خبراته وما مرّ به من أحداث مأساوية..يقيم لها في ذاته مأتما يتأسى به على حاله ويصبح مدمنا عليها وينعدم لديه التفكير بالمستقبل.

والكارثة، أن هذه الأعاقة الفكرية  النفسية تتحكم بالكثير من القادة السياسيين والمسؤولين عن أمور البلاد والعباد.فلو عملت مسحا لما يتحدثون به وحللت مضمونه بطريقة علمية،  لوجدت أن ما يخص  بعد ( المستقبل) يكاد يكون معدوما،  مع أن الهدف الرئيس لكل حكومة هو التخطيط لمستقبل أفضل. وتخريج المواطن لحالهم هذا أن قادتخ هؤلاء لا يفكرون به ولا بالوطن انما بمصالحهم الشخصية والفئوية وتأمين بقائهم في السلطة..ويبدو أنهم (السياسييون) ما عادوا يكترثون بذلك لأن الشعب ما عاد يشكل مصدر خطر عليهم ولأنهم (محمين) بقوة خارجية كبيرة.

وما لا ينتبه له السياسييون أن انشغالهم بالماضي يفضي الى حتمية سيكولوجية هي تشغيل مركز العدوان في الدماغ، الذي يستبعد بطبيعته الايجابيات ويفعّل السلبيات بما فيها مشاعر الحيف التي تلغي ايجابيات الآخر وترى فيه أنه مغتصب لحق او ناكث لأتفاق ..ويجري تفسير النوايا بطريقة (بارانوية): افتراض النوايا السيئة بالآخر وتضخيمها والتحوط لها..وهذا هو السبب الرئيس الذي يتحكم بأكبر كتلتين سياسيتين:دولة القانون والعراقية..دفعت بالطرفين الى حرب الملفات.. كلّ يريد أدانة الطرف الآخر على ما (كان) قد فعل. لأنهم – ثانية- منشغلون بالماضي الذي من طبيعته اثارة الاختلافات والانفعالات السلبية،  مع أنه لا يوجد في العملية السياسية فريق سياسي خال تماما من الأخطاء وفريق آخر هو سبب كل المشاكل.ولنا أن نتذكر مقولة للسيد المسيح: (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر).الكل مخطئون وان تباين حجم هذا الخطأ .وأكبر اخطائهم أنهم اوصلوا الناس الى حد الجزع من وطن كان يمكن ان يكون جنة الله في الأرض، الى آخر اخطائهم انهم افسدوا على العراقيين فرحة جلاء قوات الاحتلال.

ان الحكمة تقضي ايقاف حرب الملفات او تأجيلها الى حين ليس فقط كي تخفت حمى البارنويا، بل ولأن هنالك تحولات كبيرة (سورية- عراقية-ايرانية – فلسطينية – اسرائلية)، وأن العراق، كما يقول مصطفى الكاظمي، مدعو في هذه اللحظة الى تحصين ساحته الداخلية اكثر من أي وقت مضى.

اننا ان فعلنا ذلك فان العقل  سيغادر الانشغال بالماضي ويخف تشغيل مركز العدوان في الدماغ وينشغل بالمستقبل الذي يفعّل مراكز الانفعالات السارّة لبناء وطن ضخم بثرواته متنوع بناسه هم من الطف البشر لو توفر لهم الأمان فقط.

نأمل ان يفعلها السياسييون ويوقفوا حرب الملفات، فان لم يفعلوها فهذا يعني أن بينهم من هو مريض نفسيا، لأن الذي لا يؤلمه ضميره حين يرى فواجع الناس..وحين يصر على موقفه ويعرف أنه يجر الى كارثة، فان أقل ما يقال عنه انه سيكوباثي..اي شخصية تحب الحاق الأذى بالمجتمع وتسعد حين ترى الناس يقتلون!.

 

أ.د.قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1998 الأربعاء 11 / 01 / 2012)

 

 

في المثقف اليوم