قضايا وآراء

رأي في اقوال الأئمة علماء الشريعة / عبد الجبار العبيدي

رأيي صواب يحتمل الخطأ.... ورأي غيري خطأُ يحتمل الصواب. اقوال وان اختلفت صياغتها، لكنها تتفق في فلسفتها ومعناها. ولا ننا لم ندرس اقوال وفلسفة علماؤنا بشمولية الرأي وصدق النية، فقد خلقنا الاختلافات بيننا وسمينا الاسلام فرقاً لا فرقة واحدة، وهنا كان مقتلنا، ولا زال الى يومنا هذا،  واذا لم نصحوا ونُعدل في الرأي والفكر والفلسفة، فلن تقوم لنا قائمة ابداً.

لا احد يشك ان الاسلام بحاجة الى تجديد، والاسلام يحمل في نصوصه التجديد، فالنص القرآني ثابت لكنه في المحتوى متغيير يقبل التجديد،  فلسفة ادركتها العقول النابهة من امثال جمال الدين الافغاني  ورشيد رضا، وكان من نتيجتها قيام حركات الاصلاح السياسي على اساس الخلافة والدولة، وحركات قومية على اساس الاستقلال. لكن الخطأ الذي وقع به الاسلاميون تجسد في ان ما فعله الصحابة بعد وفاة الرسول (ص) هو في أساسيات الاسلام، متجاهلين او متعمدين بأنه فكر انساني بحت لا علاقة له بالنص التراثي المتروك، فتجاهلوا اصول الفقه والتشريع ووضع اصول جديدة تتماشي والتغير الزمني فكانت نتيجة اعمالهم قتل التوجه الانساني في النص الديني.وهنا ينطبق عليهم قول الحق:( بل قالوا انا وجدنا أباءنا على أمةٍ وانا على اثارهم مهتدون، الزخرف 22 ).

هذا التوجه القاصر في فهم النص الديني  مكنهم من ربط الاسلام بالاشخاص فلم يتم تحويله الى مؤسسات، فظل الحاكم هو الاساس لا التشريع، وبقي يتراكم في عقولنا حتى اصبح الخطأ حقيقة، فكيف العودة للصحيح الاكيد. لقد ادرك الخليفة عمر بن الخطاب (رض) هذه المزية منذ القرن الاول الهجري حين فصل القضاء عن الولاة، فاصبح القاضي مستقلا عن الوالي حاكم الولاية واستمر الى نهاية حكم الامام عل ي(ع). فكانت بداية مؤسسة القضاء في الاسلام.لكن عهد الخلافتين الاموية والعباسية قد اضاعت هذا التوجه بجعل الخليفة حاكا وقاضيا بنفس الوقت رغم وجود مؤسسة القضاء عندهم.

هنا وباستمراية الحكم الاموي والعباسي ضاعت لدينا حرية الرأي والرأي الاخر، فضعفت المعارضة في الاسلام بعد ان اصبح السيف والنطع هما البديل لحرية الرأي.هنا اضعنا الجزء الاكبر من التشريع هو الفقه الدستوري الذي ينظم بنية الدولة وشرعيتها.وفقدان الفقه الدستوري ادى الى ربط الاسلام بالحاكم وغياب المؤسسة في حكم الدولة.فنتج عن كل هذا مؤسسة جديدة اسمها مؤسسة الاستبداد السياسي التي لا زالت تحكم بأسم الدين، وهي منه على طرفي نقيض.

واذا كان التشريع الاسلامي سلسلة حلقات مترابطة مع بعضها، فقد بدأت مؤسسة الاستبداد تنحو نحو تعريف القضاء والقدر لتبرير شرعية الدولة، خاصة عندما اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي. متمسكين بقول الحق:(وما تشاؤون الا ان يشاء الله) متناسين تكملة الاية وايات اخرى تؤكد حرية الانسان في مجال السعي الانساني الحر كما في قوله:( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفرانا اعتدنا للظالمين نارا، الكهف29). فوجدوا للقضاء والقدر تعريفات جعلت المسلم في اطار الاستسلام لكل ما هو مكتوب عليه سلفا دون تفكير فكان  التعريف للقضاء والقدر هو بداية الاستبداد السياسي حين قالوا:(ان القضاء هو علم الله الآزلي، والقدر هو نفاذ هذا العلم في عالم الواقع). وهذا التعريف وضع المؤمن في اطار الاستسلام لكل شيء،  فلم يبقِ عند الناس حاجة الى الاحتجاج على تصرفات الحاكم، من هنا حلت الكارثة المميتة فينا ولازالت، فهل لنا من نخوة تخرج الدولة من سيطرت رجال الدين؟.

هنا سخر الحاكم بعض الفقهاء لايجاد نظريات التبرير السياسي والكتل الساكتة في الاسلام، وحين نجحوا في ذلك شجعوا فكرة أيقاف الاجتهاد وتقريب علماء الجبر وتشجيع فكرة القدر، تمهيدا لغلق الفكر العربي الاسلامي نحو المطالب الشرعية في حكم الناس.قكانت فكرة الارجاء والجبرية لاماتت المطالب الشعبية الشرعية للناس.ويبدو انهم وفقوا في بعضٍ من اصحاب فكر الطاعة كالماوردي والغزالي وغيرهم كثير.

لقد كان من نتيجة هذا التوجه الاستبدادي في حكم الناس هو الخلط بين المعاملات والاحوال الشخصية والعبادات والاخلاق بجعلها أمراً واحداًيضم الفروع الثلا ثة. فتوسعوا فيه متناسين تماما الفقه الدستوري في الاسلام الذي ينص على شراكة الحاكم والمحكوم في السلطة، اي في الحقوق والواجبات. ولان  نظرية الاستبداد كانت بحاجة الى آيديولوجية تقف من ورائها فكان السند لها هو الحديث النبوي الذي ادخلوه مرحلة التزييف. وكأن الرسول(ص)  كان يدرك بعلمه  هذا التوجه حين قال:( أيها الناس خلوا بيني  وبين الناس ولا تنقلوا عني غير القرآن، صحيح مسلم ج18 ص229). 

لكن المعضلة قد ازدادت تعقيداً حين فرضت الاية الكريمة : (اطيعوا الله والرسول واولي الامر منكم).لينتج منها ان طاعة الله واولي الامر واحدة. لكنهم نسوا ان اولوا الامر جمع لا مفرد له من جنسه،  والوا  ليس جمعا لولي  ولا من مادته، فجمع ولي هو اولياء  وهم المقدمون من الجماعة، هنا اختلط الامر على الفقهاء فراحوا يفسرون ويفلسفون الاية لخدمة السلطان فنتج عنه ما نسمية بالولاء المطلق للحاكم، او الحاكم الدكتاتورحسب التسمية اليوم.

 ولا نريد ان نبحث قي تزييف الاحاديث فذاك موضوع اخر. من هنا طهرت مدرسة الاحاد التي جرت الى التفسيراللغوي الترادفي الخاطىء، وبانتصار مدرسة الترادف توقف التأويل العلمي للقرآن والذي جاء بنص الاية (7) من سورة آل عمران (وما يعلم ُ تأويله الا الله والراسخون في العلم) فالتأويل جمعي وليس فردي كما يدعي الفقهاء .وهكذا كان منذ البداية  أن البعض قد أخذوا بالتأويل واختلاف الرأي .

ان المواطن العربي والمسلم اليوم هو اسير نظريات الحاكم في الطائفية والعنصرية التي يدفعون الناس اليها دفعا محرماً لا شرعياًالى ان يستبد بهم الضعف فيخضعون لسياسة الامر الواقع المهزومة امام التحدي الفكري الصحيح .ان همهم ان يجعلون من الغنيمة بديلا َ للسيف ومن المناورة بديلاًللسياسة، ومن التبعية بديلاً عن المشاركة.فهل نحن سنعي ما يصنعون؟

 

د.عبد الجبار العبيدي    

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2015الاحد 29 / 01 / 2012)

في المثقف اليوم