قضايا وآراء

لم نتقدم خطوة واحدة الى الأمام، لا بل تراجعنا الى الخلف الكثير. العالم يتقدم بسرعة ويحقق المستحيل، ونحن مكانك راوح . وسط هذه المفاراقات القاتلة الكبيرة، ألم يحق لنا أن نتسائل، أين مصداقية الدعوة الأسلامية وسط هذا الهوس الديني الكبير؟ من الخلاف والأختلاف بين السُنة والشيعة وبقية الفِرق الأخرى ومن خزعبلات أصحاب الفِرِق الدينية وعمائم التهريج؟، فلا زال ابو سفيان بلحيته الحمراء يؤلب الذات القبلية ولا راد له من بين السلاطين.

نحن نؤمن بأن الرسالة المحمدية جاءت بعد رسالات سماوية عديدة محدودة النفع والتطوير، ابتدأت برسالة نوح رسالة التجريد، ومن بعده الانبياء موسى بتسع آيات بينات، والمسيحية بثلاث آيات بينان، لكن رسالة محمد جاءت بأكثر من ستة ألاف آية كلها بينات، يونس 15). ورسالة محمد. شملت العالم كله، الاسود والاصفر والأبيض من الجزيرة العربية الى الصين دون تفريق (الله ملك الناس). والرسائل الدينية الآيديولوجية تحمل أفكارا موحدة وأن اختلفت في مراميها . فكيف اذا كانت أيديولوجية الأسلام تحمل أفكار رب العالمين؟ والرسالة المحمدية كاملة التصديق، أختير لها منا مبشراً بالغ الرشد صادق أمين. لقوله تعالى :( ما كان محمدُ أبا احدٍ من رجالكم ولكن كان رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيءعليما، الأحزاب 40). ويقول تعالى:( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين، الأنبياء 107). أما كان يجب خلال كل هذه السنين أن نكون أحسن الموجودين. ولكن بعد سبعة قرون نسقط وتحتلنا المغول. ولا زال المغول يحتلون؟

أفلا يحق لنا من هذه الأيمانات ان نسأل: اين مصداقية هذه الرسالة، في مكة أم في بغداد أم في طوكيو أم في باريس، وليس في القرن السابع الميلادي فقط، بل في القرن الاول الهجري والعاشر أوالتسعين؟ وهل ما نسمعه في الخطب والاذاعات والفضائيات-وما أكثرها لغواً وتهريجاً- هو الاسلام في كينونته الذاتية. أم هو الأسلام التاريخي الذي ساهمت في تكوينه ظروف الخطأ التي عايشها في مجتمعات الخطأ التي لازالت كما هي دون تغيير. فأنطبع الأسلام بطابعها الأجتماعي تارة والسياسي تارة أخرى والمذهبي الطارىء عليه تارات وتارات. ولا زلنا نريد العودة للماضي السحيق( والعودة عبر الزمن مستحيلة). أما آن الآوان لأن نعرف القانون الذي يحكم الظاهرة الذي يفرض نفسه على ميلاد كل مجتمع. كما يفعل العالم الطبيعي اليوم.

فأذا قبلنا بالرأي الذي يقول ان الأسلام شيء وما نراه ونسمعه شيء أخر، أو ان الاسلام شيء والمسلمون شيء اخر، فهذا يعني ان الاسلام يعيش في لغة الناس وليس في واقعهم، أنه يعيش في فراغ قاتل بعيدا عن التطبيق. اما يحق لنا ان نجمع كتب التفسير والفِرق الأسلامية وما فيها من خلاف وأختلاف ونتلفها في بحر الظلمات الذي لا يرحم الغرقى والجاهلين. وهل سيكون علينا وزر الكافرين؟ لا بل ستنزل علينا رحمة رب العالمين لنتخلص من المنغلقين.

الجواب في التفتيش عن الاسلام يشكل أشكالية كبرى اليوم في عالم الاسلام والمسلمين، والتصدي لهذه الأشكالية هي الأكبر مادامت قيادات الامة تمنع الاسلام الحقيقي من التطبيق خوفا على امتيازاتها المسروقة من الاسلام والتي يرفضها الاسلام جملة وتفصيلا، والا من يصدق ان الاسلام في أفغانستان وطالبان والقاعدة والتكفيريين وغيرها هذا هو الاسلام. وستبقى أمة محمد أمة مهانة متخلفة لن يكتب لها التقدم، الى أبد الأبدين مادامت بأيدي المنتفعين المتسلطين الذين يزيدون الاسلام تراجعاً وتخلفاً عبر السنين. وها ترى الوطن الأسلامي اليوم يقوده الخانعين اللاهثين وراء السلطة والمال اللعين، خاضعين حتى للمستعمرين واصحاب خيبر وقريظة الناكثين بالعهد واليمين المعتدين.

والخلافة وسلطة الحكم ستبقى هي الامتياز لهم وعلى الناس كل الواجبات بلا حقوق غير مؤَمَنين، وقديماً قيل "ما سُل سيف في الأسلام مثلما سٌل على الخلافة". أمر محزن هذا الذي نعيشه دون تغيير. لاندري بعد هذا الزمن الطويل اين نبحث عن الاسلام، وفي أي زمن نريد؟في مكة او الزيتونة او النجف الأشرف أوالقدس، وهل نبقى نجري وراء الفقهاء مجتمعين، أم بعيوننا نحن اليوم نبحث عن اليقين؟ وهل نلتمس الاسلام في الكتب السماوية او الموضوعة أم في الواقع المرير؟ وفي أي واقع نعني؟القرن السابع الميلادي أم في واقع القرن الحادي والعشرين.

أذا أردنا ان نبحث عن الاسلام الحقيقي اليوم علينا أن ننطلق من القرآن والتآويل كما أمرنا رب العالمين، الآية 7 من سورة آل عمران). قرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن من يسمح لنا في التفسير والتأويل وعصا السلطان والخنجر الباكستاني وحبل المشنقة الأيراني فوق الرؤوس في كل حين. وملايين من كتب التراث المسمومة تطبع في كل سنة لتُميت عقول اليافعين، هم لا يريدوننا الا موتى بظنين، وما دروا أنهم هم الموتى من حيث لا يشعرون.

هم ونحن نؤمن ان القرآن منزل من الله، ومحمد رسول الله، وهو خاتم الانبياء ورسالته مصدقة من رب العالمين، ولكن هم لا يسمحون بأي فهم لكتاب الله خارج عما فهمه الطبري والسيوطي وأبن كثير، ولا يقرون، لا بل لايسمحون لأي رأي أو اجتهاد لم يرد في كتب التراث القديم. فعلينا ان نبقى مع القديم على قدمه دون أعتراض او تفكير.

هم يؤمنون بصدق قوله: (كنتم خيرَ أمةٍ أخرجت للناس، آل عمران 110). لكنهم لا يؤمنون الا بكلمة كنتم للماضي فقط وان الامة هي امة الماضي لا الحاضر والمستقبل، وليس لأمة بعدها ان ترى أو أن تفهم أو أن تجتهد وتحلل وتقول. . . ؟.

هم ضد التغيير والتطوير، هم مع عربة الحصان، فهو حصان الله كما كانوا يسمونه الأندلسيون، لا السيارة او الطيارة او الانترنيت كما عند اليهود والمسيحيين، يطالبون لتحقيق صلاحية الرسالة، ولكن بأعادة عجلة التاريخ الى الوراء، ناسين أن سيرورة التاريخ متطورة لا تتوقف، فما بالهم بأعادتها الى الخلف وهذا من سُنن الله الكونية، ولن تجد لسنة الله تبديلا.

قلنا ان الاجابة على ما طرحناه من أسئلة اشكالية كبيرة جداً، وان التصدي لها اشكالية أكبر، والتصدي لا يمكن ان يثمر الا اذا وضعنا اليد على مفاتيح هذه المشكلة، ولعل أبرز المفاتيح هو مسألة الكينونة والسيرورة والصيرورة، فهل أحد منكم يريد معرفتها، نعم ألكل يرغب، والى لقاء اخر معها. لنريكم كنهها ومعناها. ونرجو ان نكون مع الله من الصادقين.

على ضوء هذه المفاهيم (الكينونة (هي بدء الوجود المادي) والسيرورة (حركة سير الزمن) والصيرورة (هي متطلبات نهاية الوجود، عند الكون والانسان) . من هذا المنطلق فلا بد من ان نقترح مفهوماً جديدا ًللسُنة النبوية قائمة على الفصل بين التكليف الآلهي للرسول، الرسالة والتبليغ)، والافعال الشخصية الخاصة به.، لقد أمات ابن هشام سيرة أبن أسحاق الصحيحة وأستبدلها بأخرى كتبها بناًْ على ما أملته عليه السلاطين، وأقترح أصولا جديدة للفقه الأسلامي ينطلق من مبدأ التلازم بين الأستقامة والحنيفية (التطور) لمعاجة موضوع المرأة في الأسلام معالجة واقعية انسانية وقانونية، لا معالجة فقهية ناقصة، ولأدلة الأستنتاج، أنطلاقاً من أن النبي (ص) قام بنفسه بالصيرورة الأنسانية الأولى للتنزيل.

علينا ان نطبق ما وصل ألينا من أصول، على فقه المرأة وآيات المواريث، فنتج لديه علم جديد للمواريث، يختلف عن السائد الآن في علم الفرائض، وأتضح عندنا أن التنزيل الحكيم لم يسوِ في الأرث بين الذكر والأنثى كأفراد، بل سوى بين الذكور والأناث كمجموعات. وهذا طرح جديد بحاجة الى تعريف.

لقد أفردنا أبوابا متقنة وواضحة ورائعة للوصية والقوامة والتعددية في الأزواج ولباس المرأة وحقوقها مستنداً على الآيات القرآنية الكريمة، وسنحاول ما أمكننا من جهد من عرض هذه الموضوعات للقارىء الكريم لعله يقتنع ان الأسلام المطبق اليوم هو غير أسلام محمد (ص)، فهل سننتبه ام نبقى في عالم التيه والضياع غرقى بين الغارقين.

د. عبد الجبار العبيدي

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2073 الاربعاء 28 / 03 / 2012)