قضايا وآراء

هل يملك الأسلام مشروعاً لحكم الدولة.....؟ / عبد الجبار العبيدي

ابتداْ بمشروع الاخوان المسلمين، ومرورا بمشروع حزب التحرير، وليس أنتهاءً بمشروع حزب الدعوة العراقي بقيادة المغفور له سماحة السيد محمد باقر الصدر .كلها جاءت بدعوى تطبيق الشريعة الاسلامية وحكم القرآن في الناس لتحقيق العدالةوالقانون.ولكي ينجح المشروع الاسلامي اياً كان لابد من تغيير جذري في جوهر الطرح الموضوعي له، اي بحث في ظاهرة ميلاد المجتمع الجديد واكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة في التطبيق، لذا لابد من دراسة الظاهرة بأنقى اشكالها تحررا من اي تشويش خارجي، لينهض المشروع كعقيدة ومبدأ لا كمذاهب وفرق متعددة ومختلفة في الراي والتشريع، متقاتلة ومتناحرة كل واحد منهم يكفر الأخر.

 

ان العقيدة الاسلامية عقيدة واحدة غير قابلة للتجزئة، والاسلام خالً من المذهبية، وكل ما نقرؤه ونسمعه هو محظ أراء الفقهاء الشخصية ولا نصيب لها من التشريع، فلا الشيعة ولا السنُة بمنصوص عليها في التشريع، وانما هي اجتهادات فردية غير ملزمة التطبيق.واذا ما رجعنا الى مصادرها الاصلية تجدها أملاءات فقهية سلطانية بعيدة عن النص الديني المنزل تماما، سخرت الآيات القرآنية لها كل حسب رغبته في التفريق.وحتى تكون مقنعة للجميع متجددة في قيمها وتستمر مجتمعاتها ويقبلها الناس كعقيدة آيديولوجية يجب طرحها على المجتمعات الانسانية بحيادية الدين بلا اكراه مثل العقائد الاخرى، كالعقائد التي آمن بها أصحابها فبنوا منها دولا وأنشأوا مجتمعات متقدمة لشعوبها كآيديولوجيات ماركس ولنين وآدم سمث وماو سيتونغ في الصين. ولأن ما طرحه الفقه الاسلامي مجرد افكار لاهوتية لذا ظلت العقيدة مصدرا للفرقة والتشويش ليس لها من أصل في الدين والتطبيق..

 

 لماذا حققت تلك الآيديولوجيات النجاح والتقدم وبنت دولا وقوانين وحضارات، بينما تراجع المشروع الاسلامي وأنحسر حتى اصبح المسلم مقرونا أسمه بالارهاب والقتل والتدمير والتخلف؟ ولم يحقق تقدما قانونيا ولم يبني مؤسسات اجتماعية وسياسية حتى في أزهى عصور الحضارة الاسلامية.بل بقي يحكم بالشمولية والبهرجة المقدسة دون حقوق الناس على مستوى الرؤية التاريخية.

الدولة منذ البداية نشأت متعثرة، حين لم تستطع تحديدسلطة الخليفة في حكم الدولة في الادارة والمال والجيش عن حقوق الناس، وانما بقي الحال على ماكان عليه سابقا سوى صبغة الدين، فهي خلافة ناقصة على حد قول السنهوري، فلا فقه لها واضح مقبول، ولادستور ينظمها، ولا قانون نافذ فيها معتمد، فهي ليست دولة ولا نظام، مجرد مناداة بوحدة الامة الغير قابلة للتحقيق، بل مجرد أسر تحكم دون قانون.، فاذا كانت القبائل متخاصمة ومتباعدة فكيف تتحقق الوحدة في غياب الايمان بها، فهل يستطيع العرب اليوم على الاتفاق فيما بينهم بعد ان فشلوا منذ البداية، وها تراهم يتقاتلون فيما بينهم اليوم والشعوب ضحيتهم.فالشيعة يقولون لأهل البيت والسُنة يردونها لورثة السقيفة، ولا ندري ما الصحيح.الاسلام كدين وقيم؟ نعم، اما كدولة وقوانين؟ فلا. فهل يدرك اصحاب المشروع الاسلامي الخطأ لتنهض الأمة من جديد؟

 

وها هي حجة الوداع أقرؤها لتجدوا لها الف تفسير ورأي مختلف بعد ان اعلن الرسول (ص) في اخر ايامه بدأ مسار جديد للانسانية حقا وصدقا فيها فاستغلت للتفرقة بين المسلمين لا للوحدة بينهم اجمعين، لذا فكل ما نقرؤه من حضارة وتقدم عند هم فهو وهمَ خيال.

 

معضلة لابد من ان يعكف المختصون على دراستها واسباب بيانها للناس، لنعرف هل ان الاسلام جاء حاملا صفة التطور ام فاقداً لها. لاسيما وان النص الديني جاء يحمل صفة الثبات الخارجي وحركة المحتوى الداخلي بعيدا عن الترادف اللغوي، لان الغالبية العظمى من آياتة جاءت حدودية وليست حدية، وما نرى اليوم من تفاسير مختلفة من الفقهاء مطروحة على الساحة ماهي الا معوقات في قلب المشروع الاسلامي كما اعتقد . ناهيك من ان الفقهاء غير مخولين بالتفسير ووضع الحلول والفتاوى للناس. ان الزمن يتحداهم في وضع رؤية موحدة لواقع التحريك التاريخي في الدين.

 

لقد طرح المرحوم سماحة السيد محمد باقر الصدر في مشروعه الاسلامي ما سماه بمنطقة الفراغ في التشريع الاقتصادي والسياسي، حين نسب منطقة الفراغ في التشريع الاسلامي التي لم تملأ على عهد الرسالة المحمدية، وطالب بملؤها من قبل الناس حسب الظروف والمعطيات المستجدة في كل زمان ومكان والقرآن يطرح فكرة التغيير لقوله: (قل سيروا في الأرض وأنظروا كيف بدأ الخلق). وكان سماحته يقصد في ذلك مجال اقامة وتسيير نظم الحكم في الدولة بعيدا عن أي توجه مذهبي طارىء على الاسلام، حين أقر بأنتخاب ولي الأمر من الشعب وليس بالتعيين كما تعتقد الشيعة الأمامية ولا زالت، وهي نظرية متطورة لمبدأ الشورى بأعتبار ان الحرية السياسية عندنا قادرة على أستكمال دورتها الديمقراطية التامة دون تدخل، لكن رحيله جمد النظرية دون تطوير. لقد كان صدام حسين غبياً ومتهوراً حين قتل هذا الرجل الفذ وخسر بقتله فرصة العمر في تحديث الدولة العراقية بعيدا عن النص الديني . فهل سيستفيد اصحابه اليوم منه ليبنوا لهم دولة الحق والعدل والقانون؟ .

 

اما في الناحية الاقتصادية فتقوم منطقة الفراغ على اساس :ان الاسلام لايقدم مبادئه للحياة الاقتصادية والسياسية بوصفها علاجا مؤقتا أو تنظيماً مرحلياً بل فكرا ثابتا قابلا للتطوير والتغيير.لذا قال سماحته ان الزمن يلعب دورا في التغيير والناس، والحكومة العادلة هي التي تقوم بطرح الافكار الاقتصادية النافعة الملائمة لحركة التاريخ حسب معطيات العصر الحديث، اي لا شيء ثابت في التشريعات الأقتصادية، فالاسلام ليس ديناً منغلقا على نفسه بل دينا مدنيا يقبل كل رأي ونقاش لتجاوزحالة الجمود وعدم التجديد.

 

وقال ان الشريعة الاسلامية لم تترك فراغا مطلقا ً، بل حددت لمنطقة الفراغ احكاماً بمنح كل حادثة صفتها التشريعية الأصيلة مع ترك التفاصيل لمستقبل الاجيال القادمة، أنظر:علي كريم سعيد في كتابه الموسوم أصول الضعف ص190-191.

 

مع الاسف ان استشهاد هذا الفيلسوف العالم الكبير خلت الساحة الاسلامية الشيعية من المنظرين ولا زال حزب الدعوة الحاكم اليوم يعاني الكثيرلعدم الاحتفاظ بهذه المدرسة العلمية العالية لخلو كوادره من الفلاسفة والعلماء المنظرين النابهين، ولانهم ليسوا بمستواها في التفكير والتطبيق، لذا تراه يتخبط في التشريعات دون دليل.

 

نحن بحاجة اليوم الى فقه معاصر جديد، وفهم جديد للسُنة النبوية ايضا، لكن ذلك لا يمكن تنفيذه الا بعد صياغة نظرية أصيلة في المعرفة الانسانية انطلاقا من القرآن الكريم، ولا يمكن لهذا المشروع الضخم ان يتحقق الا اذا دعم من حكومة تؤمن به على طريقة دعم الخليفة المآمون للمعتزلة في العصر العباسي الاول.، لان المنطق الفلسفي ينتج عنه بالضرورة الحل الفقهي الجديد كما ارادته المعتزلة حين دعت ان القرآن نظرية لا تتعامل مع الفروض بل تتعامل مع الواقع. فهل ان قيادة حزب الدعوة الحالية فيها من المنظرين ما يمكنهم من طرح افكار التغيير؟

 

ان التوجه نحو مشروع اسلامي متطور يتماشى مع التطور الحضاري لابد من توفر المستلزمات له لتحديد المسار الصحيح الذي ارتكز عليه القرآن وأضاعه التفسير الفقهي. وتتمثل هذه المستلزمات بأستقلالية الفكر الحر ودراسة الظواهر الحياتية في أنقى اشكالها لأكتشاف الظاهرة التي تحكم القانون وفي اكثر اوضاعها تحررا من اي تشويش خارجي، كما يفعل العالم الطبيعي.لان طروحات القرآن طروحات علمية ينقصها التأويل .ساعتها سترى ان القوانين التي ستستحدث تكون حلا واقعيا لصالح التحريك التاريخي وأستمرارية الزمن وخاصة في معايير العدالة وعلاقة السلطة بالناس.هنا سيحق لنا ان نقول ان القرآن صالح لكل زمان ومكان.

 

وحين أستطاع الاوربيون التخلص من سيطرة الكنيسة ومعتمديها، ساعتها خرجت آوربا من عزلتها القاتلة لترى العالم غير العالم الذي حدده لها رجال الدين، فرمتهم خلف ظهرها وبدأت تعزل الكنيسة عن السياسة والقانون، وها ترى اوربا اليوم تتمتع بالحقوق والواجبات والعدل والحرية والقانون، وهنا احترم الدستور والقانون طواعية فساد الأمن على النفس والمال..من هنا بدأت نقطة التحول التاريخي حين استطاعوا ان يحولوا القانون الى عقيدة لا شعار، والمبادىء الى تشريعات لا أقوال، والحق الى قانون لا أدعاء، وحددوا سلطة الدولة عن حقوق الناس، فظهر علماء الفكروالحرية والتقدم كعناوين للدولة الجديدة، كماهو العكس في حكم الاسلاميين فأن احدا لم يضع للخلافة تشريعا يفهم منه اصول الحكم وحقوق الناس، بل بقي أوهاما تردد على ألسنةالمؤسسة الدينية الاسلامية دون تنفيذ .هذه المعاييرالتي طبقها الغرب هي في ذاتها اسلامية.أذن ما فائدة دين بلا حقوق، و قانون بلا تطبيق، كما هو اليوم عند الغالبية من دول المسلمين ؟ ألم يأتِ الدين من اجل الحق والقانون ؟ لقد جاء الاسلام من أجل ان يحيا الناس به لا من اجل ان يحيا هو بالناس .ام جاء من اجل المذهبية والفرقة والاقتتال بين الاخوة .ليتحكم فيهم من اهملوا الزمان والمكان واغتالوا التاريخ وأسقطوا العقل المبين.أنه الفكر السلفي الهارب من تحديات القرن الحادي والعشرين.

 

وحتى نكون مثل الاوربيين ولو بعد حين لابد من ان التوجهات يجب ان ترتبط بالمنطلقات بغية تحديد المسار، وهذا ما خلت عنه المشاريع الاسلامية السابقة سوى ما كتبه المرحوم الصدر في كتابيه اقتصادنا وفلسفتنا اللذين لم يريا النور بعد استشهاده على عهد صدام حسين.ولم يجدا من يروج لهما وفق عقيدة الامامية البعيدة عن المذهبية التي ألصقت بها لصقاً.ان من يدعي ان العقيدة الامامية مذهبا فهو عدو لها جاهلا بأصولها، هي آيديولوجيةعقيدية لكل الناس وليس لبعضهم، وتسمية جماعة أهل البيت تسمية حصرا بذرية الامام علي(ع) خاطئة يجب العمل بكل جدٍ على تصحيحها، فأهل البيت هم النبوة والائمة والصحابة وزوجات الرسول فهم لكل الناس لا لبعضهم يقول الحق :(وقرن في بيوتكن ولاتبرجن تبرج الجاهلية الاولى......وأطعن الله ورسوله، انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا، الاحزاب 33) الاية الكريمة واضحة ولا تحتاج الى تفسير أو تاويل، .وما وجدت المذاهب الاخرى الا لتختصر هذا الاتجاه الموسع المنفتح تحت راية تعدد المذاهب والفِرق لخدمة الحاكم لا لخدمة الاسلام ووعاظ السلاطين، فهل منا من يعي ويصحى على الحقيقة المرة لدرء الخطر الدائم الذي وقعت فيه العقيدة الدينية الأسلامية اليوم.

 

 لو ان القرآن خضع منذ البداية للتأويل العلمي لا التفسير اللغوي الترادفي القاصر عن الفهم الحقيقي للمعاني القرآنية العظيمة، على يد علماء التخصص مجتمعين، لا على ايدي المفسرين متفرقين، لكان المشروع الاسلامي اليوم مشروعا سياسيا معاصرا قابلا للفعل في ظروف العصر الحديث، فكيف الامر الى ذلك؟

 

هنا يكمن سر التوقف وسر التقدم معاً. التوقف حين يفلسف رجال الدين القرآن وفق نظرية الحلال والحرام بدلا من نظرية النواهي والاوامر التي جاء بها القرآن والمؤيدة من الرسول، والاعتراف بالاخر كند، عندها نكون قد أوجدنا نظرية الاخلاق التي يطرحها القرآن مبدءً وتطبيقاً، ودون هذه المكونات والمحددات للاطار المطروح قرآنيا لا فقهيا، لا يمكن ان نُكونَ عقلا او فكرا منتج لمشروع اسلامي مقبول، لا احد من رجال الدين يتحكم فيه ولا مرجعيات دينية تحكم وتوجه سوى ان رأيها يبقى استشاريا للدولة محدداً بالمسائل الشرعية التي تدخل ضمن أختصاصهم الديني لا غيركما هو في الفاتيكان اليوم.، وسر التقدم ان يبقى الحاكم هو الاساس وفق التنظير القانوني محددا بالدستور والقانون، هكذا تقدمت الشعوب حين اتخذت من القانون وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية فيها وحفظت الدين واصوله معاً.

 

 .فالتقدم هو فعالية الانسان بابعاد الزمان والمكان، والاسلام جاء متقدما زمنيا لكنه اصبح متاخرا زمنياً ومكانيا، لان التربة الصالحة لانباته تبدلت بتربة سبخة غير قابلة للأنبات ومغايرة لواقع التحريك التاريخي، فتوقف الفعل عن ادراك النتيجة، بعد ان وفرت السماء المنطلق والتوجه بتحقيق التقوى والتزكي للنفس الانسانية ليكون الفلاح للجميع لا للحاكم المطاع.هنا كانت شخصية محمد (ص) مُمَثلة تماما لهذا التوجه الصحيح، لكن الفقهاء لم يفهموا الرسالة المحمدية ولم يفهموا القرآن تأويلاً فعجزوا عن التطبيق، فجاؤا بما أوحت لهم تصوراتهم وتفسيراتهم من محدودية التفكيرفي عهد التدوين المتأخر(150 للهجرة)، فاصبح صحيحي مسلم والبخاري وبحار الانوارللمجلسي وكأنها الحد الفاصل والحجة القاطعة في معرفة الاسلام كدين.

 

 حين انتقل الرسول(ص) الى الرفيق الأعلى مات التوجه ليستبدل بتوجه اخرمغايرا لما كان سائراً عليه ولا يزال وسيبقى التخلف يلاحقنا الى ان نزيل العلة ونأتي بالبرهان والدليل. فهل من حاكم شجاع يُقدم على التغيير.

 

 ولان السماء هي اهتمام المطلق ونحن اهتمام المحدد، فقد تصادمت النظريتان وتوقف الوعي التاريخي للامة وان بقي العقل الانساني يدركهما متى عرضا عليه، فالعقل مضطر لقبول الحق على ما قاله الشافعي حقاً وصدقاً. لذا فان المشروع القرآني لا يعني التمسك بالسلف واعادة انتاج لنفس الفترة وبكامل مواصفاتها لاننا هنا نحن نلغي الزمن ودوره في عملية التغيير، كما لايمكننا ان نلغي مفهوم المتغير الاجتماعي من وجهة نظر جدلية تاريخية .هذا المفهوم يلغي النظرية السلفية القائلة بالغاء نظرية الزمن والتاريخ.

 

القرآن لم يطرح نظرية الفرض الفكري بل الاختيار والحرية(لكم دينكم ولي دين) والاية 29 من سورة الكهف تبين ذلك تماماً)، والقانون والعدالة الاجتماعية بدلا من الرأي والكيفية(أعدلوا ولوكان ذا قربى، والاية حدية التنفيذ)، بدلا من الحاكمية الدينية التي لم يفهموا مقصدها وفق( الاية 258 من سورة البقرة)، فعدوها مطلقة، كمطلقية لا اله الا الله؟ هنا فالعودة عبر الزمن مستحيلة، فالقرآن يعطينا الحرية في التصرف في الغاء ما يمكن الغاؤه من النص لورود النسبية فيه حسب مقتضيات الحال باستخدام القانون في التغيير لا التصرف الكيفي في حقوق الناس كما اصبحت آيات وما ملكت أيمانهم من التاريخ، وسيظل التطبيق الرسولي هو الاسوة الحسنة في التعامل مع نظرية التطور المجتمعي(ولكم في رسول الله اسوةً حسنة).هذا الذي لم يدركه من جاء بعد محمد (ص)، ولم يطبق حتى في عهد الخلفاء الراشدين (رض) لأضطراب الحالة السياسة وحصول الردة. يجب علينا فحص الثوابت التي عدوها ثابتة في عهدهم دون تردد لانها ليست هي خاتمة المطاف في الاسلام ولانهم ليسوا من المعصومين الذي لا يخترقهم الخطأ، ولانها ليست مقدسة بمعنى التقديس المطروح بتفسير السر المقدس والقرآن يقف موقف المغاير لهذا التوجه(انظر الاية 174 من سورة البقرة).

 

بعد اختتام الرسالة كان المشروع الذي قدم للبشرية قد اكتمل ولم يبقَ منه الا التطبيق العملي لدخوله مرحلى التطبيق العقلي لا الديني فلم يعد المشروع الاسلامي له علاقة الا بالعدل والاستقامة وذكر الله بعد ان صار العقل حرا وان الانسانية قد بلغت سن الرشد ومرحلة تحمل الاعباء، هذا ما عرضه محمد على الناس ولا غير ابدا حين قال عند دخوله مكة محرراً:(خلوا بيني وبين الناس ولا تنقلوا عني غير القرآن، انظر الواقدي) لان الرسول كان مكلفاً بنقل الرسالة للناس وليس بصانعها(يا أيها الرسول بلغ ما أنزل أليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس، المائدة 67). ويبقى حجر الاساس علاقة الانسان بربه لتحريره من العبودية الفرعونية، اي الدكتاتورية المطلقة، فلا حزب اسلامي ولا مجلس اسلامي ولا حكومة اسلامية ابدا، بل توجه مدني قانوني بثوب اخلاقي مستمد من الاسلام وفق التنظير التأويلي الصحيح.وبذلك يصبح كل الناس متساوون في الحقوق والواجبات.فلا حاكم ولا محكوم الا بالعدل والقانون.هذا ما طبقته أوربا بعد ان فصلت الكنيسة عن القانون وحقوق الناس فأصبحت شعوبا تحكم في دول تحكمها قوة القانون، لا دول تتحكم بها قوانين القوة دون رادع من ضمير.

 

لقد صاغ الاسلام مستقبل البشرية بالأنسانية المطلقة في الحقوق وبأختيار أنساني، يحفظ الماضي ويوافق أشراقة الحاضر، ويكون بخطه وبرشد عقلي، وبمنهجية علمية.هنا تكون الانسانية اسرة واحدة ويكون الله (آله الناس) فالأنبياء والرسل فيه أخوة وليس هناك من هو أشرفهم، وان الدين واحدا، فلا يكون التنوع الا من أجل الوحدة، فلا الشعب المختار ولا العنصرية البغيضة، ولا تفرقة بين الانبياء والرسل ولا أكراه في الدين لان الاديان كلها واحدة ومن مصدر واحد، وان نزولها المتعدد ما هو الا تدرج في الوعي الانساني المختلف.

 

لذا لابد من نظام أجتماعي عماده الأخوة والتعاون، فلا استبداد بالراي دون الاخرين، ولا استعبا د للمستضعفين، ولا استغلال في الحكم ، وانما الشورى والتكافل والتضامن وهذا لايتم الا بقانون مكتوب منفذ. لذا عمد محمد(ص) الى كتابة الدستور المدون بمواده العصماء والمغيب اليوم عند كل المسلمين.

 

اما وجهة نظر الاسلام المستقبلية فعمادها السلام والعدل وتحرير المستضعفين وأصلاح وفوز للناس وحماية اموالهم وارواحهم اجمعين، مع التشديد على تحرير العقل دون الخرافات والتقليد وتحديده بالديمقراطية لا بدكتاتورية السلطة والاحزاب والكيانات الباطلة، مع ابعاد الهوى أو طالبي شهوة السلطان والفاسدين والمفسدين، وذلك بأستغلال العقل والسيادة للشرع والسلطة للأمة وترشيح أهل الرأي لمن هم اهلا للاعمال والسلطان.هؤلاء لم يطأطئوا رؤوسهم الا للحق والعدل ويقفلوا على كل خطأ، ليبقى الأتصال ربانيا دون تغيير.

 

.هذا هو المشروع الاسلامي الذي طرحته السماء للارض والذي نقله الرسول الكريم (ص) للناس أجمعين، فهل كان بمقدور الفقهاء طرحه وهم يجهلون كل تفاصيله بطرحهم ترادفية النص والتفضيل، ففاقد الشيء لا يعطيه؟ فهل سنقرأ ونعي ما طالبتنا به السماء ام نبقى نفلسف رايها حسب ما نريد؟. أمر بحاجة الى تحقيق وتفصيل.

 

د.عبد الجبار العبيدي

  

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2079 الثلاثاء 03 / 04 / 2012)

في المثقف اليوم