قضايا وآراء

اطلالة نقدية: قصيدة (بوابة الظّل الأخير) للشاعر جلال جاف/ هيام مصطفى قبلان

أنا أمام نص يحمل كلّ مقومات قصيدة النثر وبعيدا عن المسميات،، لأنني هنا أقرأ شعرا .
قبل ابحاري في القصيدة وقبل الغرق لفت انتباهي العنوان (بوابة الظل الأخير)*،، وقد قلت مرة في أحد التشريحات الأدبية أننا حين نتكلم عن (الشعر) كصناعة أو عن صناعة الشعر فعلينا أن نبحث عن مفاتن القصيدة من بديع الكلام، الصور الشعرية،، والتناغم،، التنافر والتقارب،، وهنا في العنوان يأبى الشاعر الاّ أن يسمو الى لحظة التوهّج الحقيقية بحياكة اللغة فتعربد الكلمة وتعتلي ظهر الظل لتفتح لنا آفاق ندخلها من بوابة لظلّ أخير، والبوابة بدلالتها ترمز الى مفتاح الدخول وأيضا الخروج وان فتشنا عن هذا المفتاح نجد أنّ شاعرنا اختار لها أن تكون بوابة الظل وليس بوابة السفر،، أما الظل فقد نعته بالأخير، هذا التنافر بالمعنى بين البوابة رمز المدخل وموطىء القدم وبين الأخير أي نهاية المطاف يجعلنا نخرج معه من دائرة النمطية والانطلاق نحو الجنون في لحظة من اللحظات نفقد فيها المعنى العادي للظل، يقول ميشال فوكو: " انّ الجنون يعدّ أحد أشكال العقل، حين يندمج فيه صانعا احدى قواه الخفية، أو لحظة من لحظات التجلّي وبشكل متناقض"،، والعنوان فيه من المتناقضات والانزياحات اللغوية التي تسرّبت الى داخل النص وفي معظم أبيات القصيدة، الفعل الدال على الحال وقد أكثر منه شاعرنا : " التفتي / أنثري / أحسني /تشتتي /أحرقي / اقتسمي / امطري /وتقاسمي " وفي الأفعال حثّ لدخولها هي " جمرة الأقحوان" كي تتخطى مسافات من الاحتراق لتقتسم معه" حق المدى في الدم" حق الدم في ( حقن الموت) الأفعال تتنافر وتلتقي عند بوابة الدخول لتصل الى الظل الأخير وهو مبتغى الشاعر،، فالماء لديه أبهى،، والدم هناك أنقى، والله أنقى .
كلّ الأفعال التي وظّفها كي تساعدها على العبور لن تنجيها ( منها) فهو المخلّص اذن هو (مجنون الحرير)،، وأتساءل هل الحرير له علاقة بالأنثى وملمس الحرير ؟ أم له علاقة بشرنقة خارجة من يراعة لتصنع له الحرير وهو المجنون به، ملمسه، رائحته،، و... أشياء أخرى ؟
يحثها على المطر " أمطري هجير الرغبة" " أحرقي شاطىء الملتقى المدجّج" ويضيف بالصلصال والريحان ..! المدجّج البعيد عن صوت الرصاص بل هو الملتقى المدجج بالريحان..
في النص انزياحات لغوية مدهشة وتبهر القارىء،،صور مبتكرة: " جمرة من أقحوان الصلاة / صهيل الغصن / كبحر النار/ خمر الغيب/ شيطان الوقت الأخرس/ الوهم بريق/ عرس الريح / " جميعها وظّفت بشكل مؤثث وتلاحم التصق به الملمس الحريري والجنون الذي سابق الريح ليطلق العنان للشعر وللقمر في الغابة وليثبت أن لا حدود للانزياح فهو بذلك يصل الى الأمل، الحلم، الى خاتم عرس، وعرس الرياح التي خرجت من شقائها ومن خمر الغيب..!
وتبقى " بوابة الظل الأخير" المكان الأعدل لميزان القرار،، هل يخيّرها شاعرنا بعد " صهيل الغصن" وبعد " احتراق الملتقى" ؟وبمائه الأبهى تقتسم معه " شيطان الوقت الأخرس، نبيا عاريا" ؟ وهنا أتوقف لأن بعد هذه اللحظة لن أضيف حتى لا أخدش هذا الجمال وأشوّه وجهه،، يا الله الشاعر هنا يتجلّى فلندعه يراقب التفاتة الجمرة المتوهجة من أقحوان الصلاة، قد تكون التفاتتها الأخيرة اليه ..! أحييك أنت شاعررررررررررر..!!

من بوابة الظّل الأخير / جلال جاف

 

التفتي اليّ جَمرة من اقحوان الصلاة.

لا تيأسي من شقاء الريح المسافرة غربا كخمر الغَيب،

السَّفرِ الجليلِ في صَهيل الغُصن.

لمُدُن القيظ مُتسعٌ من فيض وجهكِ المرآة.

أحسني الظن بفيروز القدوم ..إبتهلي..

أنثري مواجعَ الأسوار.

من بوابة الظل الأخير؛

أمطري هجيرَ الرَّغبة الأم،

تشتتي كبحر النار،

احرقي شاطيئ الملتقى المُدجج

بالصلصال ووجه الريحان وخذي الريح.

لن ينجيك "منك" إلا انا "مجنونُ الحرير".

العُشبُ روحُ العشق حينَ يكتشفك الماء.

لن تنجيكِ كسرةُ مرآة من رذاذ المَرارة.

اقتسمي شيطانَ الوقتِ الأخرسِ بيننا، نبيا عاريا.

من بوابة الظل الاخير؛

تقاسمي حق المَدى في الدم،

حق الدم في حَقن الموت.

مَقالعُ الليل كفَنٌ يَلبَسُك في السّرير،

لِحلمكِ المُرابط مُتسعٌ لموتكِ النحاسي؛

الحلمُ معادنٌ، فلزاتٌ والوهمُ بريق.

لن تنجيكِ كسرةُ قبلة في كسرة مرآة:

الهواءُ أجملٌ خارجَ السِّربِ،

حزينتي.. الفرِحة بملح الموج،

والماءُ أبهى، الدم أنقى،ألله أنقى.

من بوابةِ الظلّ الأخير؛

يحتكمُ ميزانُ القرار؛ لا ظلَّ يُرهقُ الشمس،

القمر طليقٌ في الغابة الكبرى،

الشَّعرُ طليقٌ، لا حدودَ للإنزياح،

خاتَمُ عُرسٍ في عُرس الرياح.....

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2114الثلاثاء  08 / 05 / 2012)

في المثقف اليوم