قضايا وآراء

خرافات دينية (1): وقوف الشمس / محيي هادي

في الواقع أنه لا يهمني إن كان عمرو الجاهل أو زيد الأمي يؤمنان بالخرافة. وأتقبل أن تكون جدتي الأمية الراحلة أن تكون قد اقتنعت بهذه الخرافة أو تلك على أنهما حقيقتان وقعتا أراد لهما الله أن يكونا هكذا، كما تقول الكليشة الدينية المعروفة: كن فيكون. ولكن الذي يحزنني أن أرى شخصا قد أكمل مرحلته الجامعية وهو يصدق بالخرافات لا لشيء إلا لأن رجل الدين ذاك أو هذا قد قالا بها، أو أن الكتب الدينية قد ذكرت الخرافة.

و يؤلمني جدا أن يكون بين مصدقي الخرافات شخص أعزه وأقدره، خاصة إذا كان هذا من المتعلمين.

**

 

كنت في يوم أتحدث مع شخصين لي معرفة قوية بهما، قد أكملا دراستهما الجامعية، ولهما نوعا ما من "التفكير" العلمي ولكن الاثنان هما من حاملي الفكر الديني. والظريف أن أحدهما قال أن "عالم" الدين الفلاني كان قد ختم القرآن مرات عديدة (كثيرة) وفي ليلة واحدة فقط. من حسن حظي أن المتدين الثاني لم يوافقه على عدد الختمات التي أتمها هذا "العالِم" سائلا صاحبنا: وكيف يمكن قراءة القرآن عدة مرات، وبهذا العدد، والليلة هي ساعات معينة معدودة؟ لا يمكن ذلك! أجابه القائل بالخرافة: وكيف لا وأن الله قادر على كل شيء وهو قادر على تطويل ساعات الليل ومطها.

ضحكت وضحك معي صاحبنا الثاني، ولكنني بعد ثوان حزنت لهذه العقلية التي وصل اليها صاحبنا الجامعي. في البداية ضحكت لأن شر البلية ما يضحك. ومجتمعنا غارق في بلية الخرافات وفي النهاية حزنت على ما أوصلنا اليه العقل الديني الخرافي....

إن صاحبي قد غير الطبيعة لكي يؤكد خرافة رجل دينه تماما مثلما قال مسلمون في الماضي، ويقولون اليوم، أن الشمس قد توقفت عن حركتها اجلالا للنبي، لكي يستطيع هذا النبي أن يصلي صلاته بدون قضاء. وإذا كانت الشمس قد توقفت مرة واحدة عند بعض المسلمين من أجل أن يصلي النبي محمد صلاته بدون قضاء فإنها قد توقفت بقول خرافيين آخرين مرتين من أجل أن لا يقضي إمامهم، الامام علي، صلاته.

 

وفي سفر يشوع (13/10) من العهد القديم نجد خرافة مشابهة، ولربما تكون الخرافة الاسلامية مقتبسة من التوراة كالعديد من غيرها من الخرافات :

(فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من اعدائه اليس هذا مكتوبا في سفر ياشر فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل)

وقد يأتي لي ملتح إسلامي أو مسيحي أو يهودي ليقول: أنك فهمت خطأ هذه الجملة وأنها تعني غير ما يُعتقد بها.

لقد ذكر الشيخ الشيعي أحمد الوائلي في كتابه (هوية التشيع) خرافة كتبها الشيخ ابراهيم العبيدي المالكي في كتابه (عمدة التحقيق)، أراد العبيدي فيها تقديس أبي بكر الصديق، خرافيا، راويا أن النبي محمد قال يوما لعائشة:
"إن الله لما خلق الشمس خلقها من لؤلوة بيضاء بقدر الدنيا مائة مرة وأربعين مرة، وجعلها على عجلة وخلق للعجلة ثمانمائة عروة وستين عروة، وجعل في كل عروة سلسلة من الياقوت الأحمر، وأمر ستين ألفا من الملائكة المقربين أن يجروها بتلك السلاسل مع قوتهم التي اختصهم الله بها، والشمس مثل الفلك على تلك العجلة وهي تجول في القبة الخضراء وتجلو جمالها على أهل الغبراء. وفي كل يوم تقف على خط الاستواء فوق الكعبة لأنها مركز الأرض، وتقول: يا ملائكة ربي إني لأستحيي من الله عز وجل إذا وصلت إلى محاذاة الكعبة التي هي قبلة المسلمين أن أجوز عليها والملائكة تجر الشمس لتعبر على الكعبة، بكل قوتها فلا تقبل منهم وتعجز الملائكة عتها فالله تعالى يوحي إلى الملائكة ومن الالهام فينادون: أيتها الشمس بحرمة الرجل الذي اسمه منقوش على وجهك المنير ألا رجعت إلى ماكنت فيه من السير ، فإذا سمعت ذلك تحركت بقدرة المالك.
فقالت عائشة: يارسول الله من الرجل الذي اسمه منقوش عليها؟
قال" هو أبو بكر الصديق يا عائشة. قبل أن يُخلق الله العالم علم بعلمه القديم أنه يخلق الهواء ويخلق على الهواء هذه السماء ويخلق بحرا من الماء ويخلق عليه عجلة مركبا للشمس المشرقة على الدنيا وإن الشمس تتمرد على الملائكة إذا وصلت إلى الاستواء وإن الله قدر أن يخلق في آخر الزمان نبيا مفضلا على الأنبياء وهوبعلك يا عائشة على رغم الأعداء ونقش على وجه الشمس اسم وزيره ، أعني أبا بكر صديق المصطفى فإذا أقدمت الملائكة عليها به زالت الشمس وعادت إلى سيرها بقدرة المولى وكذلك إذا مر العاصي من أمتي على نار جهنم وأرادت النار أن تهجم على المؤمن فلحرمة محبة الله في قلبه ونقش اسمه على لسانه ترجع النار إلى ورائها هاربة".

و قد وضع الوائلي على هذه الخرافة ملاحظتين بسيطتين هما:
الملاحظة الأولى: أن الشمس كما يقول الفلكيون مليون وثلاثمائة ألف مرة ، تقريبا، أكبر من حجم الأرض.

الملاحظة الثانية: أن خط الاستواء ليس فوق الكعبة.

 

ولا أعرف بعد هل يصدق الوائلي القول عن وقوف الشمس لكي يصلي النبي محمد والامام علي، دون قضاء صلاتهما، أم لا؟ ومع الأسف أن هذا الشيخ قد رحل ولكن قبل رحيله كان قد قال أقوالا متعقلة لم تعجب خرافيي مذهبه الشيعي.

 

و إذا كان العبيدي يعطي لصاحبة أبا بكر قدسية إلهية فإن الحائري في كتابه (إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب) يعطي لأئمته خرافات إلهية أخرى ويضيف: أنه لولا الأئمة فلم يكن الله قد خلق الأرض ولا السموات ولا الشجر ولا الحجر ولا......

 

و ما دمنا نتكلم عن الشمس فإن كمال الدين الدميري في كتابه (حياة الحيوان الكبرى) كتب:

"إن الناس حضروا جنازة داود، فجلسوا في الشمس، في يوم صائف، وكان قد شيع جنازته يومئذ أربعون ألف راهب، عليهم البرانس سوى غيرهم من الناس، فآذاهم الحر فنادوا سليمان أن يعمل وقاية عليهم، لما أصابهم من الحر، فخرج سليمان فنادى الطير، فأجابت فأمرها أن تظل الناس فتراص بعضها إلى بعض من كل وجه، حتى استمسكت الريح، فكاد الناس أن يهلكوا غما، فصاحوا على سليمان من الغم، فخرج سليمان فنادى الطير أن أظلّي الناس من ناحية الشمس وتنحي عن ناحية الريح، ففعلت فكان الناس في ظل، وتهب عليهم الرياح. فكان ذلك أول ما رأوه من مُلك سليمان."

 

و للعلم أن هناك من لا يعتقد بوجود النبي داود وبالتالي عدم وجود ابنه المزعوم سليمان، ومن هؤلاء برتنارد رسل.

 

**

 

قد يشفي الدواء علل الأبناء. ولكن أي دواء يشفي ذلك الطفل من الخرافات التي تشبّع بها والتي زرعها جهل أبيه في رحم أمه؟ تلك الأم الجاهلة الذليلة المنكسرة!! ... أليست الام المسلمة جاهلة وذليلة ومنكسرة؟ إن هذا الطفل لا يمكن أن يكون إلا خَـرِفاً كأبيه وعبداً ذليلا لرجل الدين كأمه.

إن الجنين الذي يحمل خرافاته، وهي أسباب شقائه، لا يمكن أن يكون حراً وقويا وقادراً على أن يفهم الحياة ويتمتع بطبيعتها وبالعظمة الكامنة فيها.

من المهد وإلى اللحد يتلقى المتدين كلمات ومفاهيم، وحكايات وأساطير وخيالات وطرق تعامل مع الأشياء وكأنها حقائق أزلية لا مجال فيها لاستعمال العقل والتفكير، لأن مهمة المنطق الديني وعقل المتدين حُصرت في التذكير (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) وليس في الاستكشاف أومحاولة الفهم.

والقرطبي في تفسيره لـ" " فذكر " يقول أي فعظهم يا محمد وخوفهم.

ولا أعرف ما الربط بل الوعظ والتخويف!؟

إن الخوف هو اللازمة المستمرة والقوية في قلب المتدين ولهذا ما زال الكثير من المتدينين يخافون البحث في أمور الدين الذي يعتبرونه موضوعا مثاليا مُعطى أو منزل من عند الله يحوطه التقديس ولا يمكن دراسة معتقداته وتاريخه ونقدهما، حتى ولو كان الأمر يتعلق بأفكار وأشخاص تاريخيين وفي فترات متقطعة ومتباعدة وكأن مجرد التعرض لآراء هؤلاء ولو في شؤون الحياة من مأكل وملبس وزواج واقتصاد إلخ...هو تقويض لبنيان المجتمع وخيانة عظمى توجب الإعدام.

**

 

لن استغرب إذا رأيت متدينا فرحا ومصدقا بالخرافات التي يسمعها من "أستاذه" هذا و"مرجع"ـه الديني أو شيخه ذلك.

و كيف لا يكون سعيدا؟

إن كون المؤمن أكثر سعادة من الشاك ليس أصدق من حقيقة كون السكران أكثر سعادة من الصاحي. وسعادة الإيمان الساذج بالدين وخرافاته هو من الفضائل الرخيصة والخطرة، وهي ليست ضرورة من ضرورات الحياة مطلقاً.

و قد نرى متدينا لا يوافق على خرافة دينية معينة إلا أنه يقع في خرافة أخرى عندما يعتقد أنها منزلة من الله أو أيدت بأحد أنبيائه أو أوليائه أو أئمته.

و مثل هذا نراه في عبد العزيز الثعالبي في رسالته (روح التحرر في القرآن) إذ دعا فيها إلى تخليص العقيدة الاسلامية مما علق من خرافات وأوهام وما اختلطت بها من بدع لا تمت إلى القرآن بأية صلة، مثل التوسل إلى الله بواسطة الأولياء والصالحين وعبادة الزوايا والخضوع لأصحاب الكرامات.

و هكذا فإن هناك من يصدق بالخرافات إذا كانت موجودة في القرآن ولها صلة به، كالثعالبي، ولكنه لا يصدقها إن أتت من خارج القرآن أو من خارج الاحاديث المنسوبة إلى النبي.

و لكن الحقيقة أليس القرآن والكتب الدينية الأخرى، الإسلامية أو غير الاسلامية، تحتوي على كمٍ هائل من الخرافات؟؟

**                                      

و إذ أنا أكتب هذه الكلمات لا بد لي أن أشير إلى كلمات الكاتب العربي الجزيري عبدالله القصيمي:

...................

"كل الامم عرضت تاريخها الى النقد الا بني يعرب.

كل الامم نزعت القداسة عن تراثها الا بني يعرب .

كل الامم تتطلع الى مستقبل يقطع مع مساوئ ماضيها الا بني يعرب يرون مستقبلهم في عودة الماضي.

كل الامم ترى ان الدين لله والوطن للجميع الا بني يعرب .

كل الامم تجاوزت الفصل بين السياسة والدين الا بني يعرب

كل الامم تعشق الفنون والثقافة وتحترم المراة الا بني يعرب يؤسسون ثقافة القبور وغسل الموتى وتغليف المراة.

كل الشعوب تلد أجيالا جديدة، إلا نحن نلد آباءنا وأجدادنا، وذلك بغرس طبائع آبائنا وأجدادنا بهم وحثهم ومطالبتهم بالتمسك بها والحفاظ عليها؛ ولذلك فشعوب العالم تتطور ونحن نتخلف." ...

.................

و على الرغم من ان الكاتب عبد الله يذكر اسم يعرب فإن يعرب لم يكن له وجود، بل هو شخصية اسطورية اختلقها عربي ما. هذا ما يذكره المؤرخ العراقي علي جواد في كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام)

و بدل من (بني يعرب) كان من الأفضل القول (بني الاديان)

 

محيي هادي – أسبانيا

26/06/2012

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2165 الخميس 28/ 06 / 2012) 

 

في المثقف اليوم