قضايا وآراء

نظرية المعرفة بين العقل المطلق ونقد العقل الخالص / قاسم خضير عباس

خصوصاً وأنه يُستخدم اليوم كـ (أداة قذرة) للسيطرة على الشعوب وسرقتها مواردها، بلحاظ أن (العولمة) بإطارها السلبي وليس الايجابي تعد إحدى مصاديق هذا (الخراب الإنساني)، الذي لفت أنظار بعض (المثقفين الغربيين) واصفين إياه بأنه يمثل بحق: (أعلى درجات الجشع الغربي لاستنزاف موارد وطاقات وخيرات العالم).

لهذا نقول: إنّ العلم إذا لم يكن أخلاقياً ولّد العديد من الأزمات الإنسانية، وأتخطر في هذا المجال أن (ابن العربي) دعا في (آداب المريدين) إلى: تطهير النفس، وعلاج دواخل الإنسان وخلجاته من الأمراض النفسية، واقترابه من الأخلاق الفاضلة قبل اكتساب العلم وتعليمه.

على أية حال... بدأ الغرب جهوده الحثيثة لفصل العلم عن الأخلاق، فذهب (كونت) إلى وضع (مراحل عقلية) ابتدأت بالدين فالفلسفة ثم انتهت بالعلم!! وهو تدرج غير ناهض بسبب إفراطه الشديد في (الأحكام المطلقة)، حيث لم يكن العالم يوماً (دينياً صرفاً)، ولا (فلسفياً أو علمياً صرفاً)، إضافة إلى أن (النظريات الاجتماعية) الحديثة أثبتت أهمية الدين والأخلاق بالنسبة للمجتمعات المتقدمة للحفاظ على تماسكها وتوازنها. لهذا واجه التصنيف الذي وضعه (كونت) مأزقاً حرجاً، ولم يصمد طويلاً أمام النقد، خصوصاً وانّه جعل (العقل البشري) كمركز من مراكز (الفهم المطلق) للكون والحياة، في حين أن العقل لا يستطيع الإحاطة بحقائق الكون لمحدوديته، فكلما اتسعت مدارك الإنسان، وتطورت العلوم، اكتُشفت حقائق جديدة كان يعتبرها (العقل البشري) غير علمية.

ما توصل إليه (كوبرنيك) و(كبلر) في القرن السابع عشر عن ثبوت الشمس وتحرك الكواكب الأخرى، كان يعتبر اكتشافاً علمياً مذهلاً، لأنه استند إلى التجربة وعلوم الرياضيات، ولكن بعد تقدم العلوم الرياضية، بما فيها الميكانيك الرياضي، عُلم قبل حوالي 50 عاماً، أن الشمس مع كواكبها تسير في الفضاء على شكل لولبي أو حلزوني، متجهة نحو نجمة تسمى بالنسر الواقع، بسرعة قدرها في الساعة حوالي 70 ألف كيلومتر. وقد ثبت علمياً قول الله تعالى، حين يقول: "والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم".

المسألة إذن ليست كما وصفها (كونت) في مراحله نحو العلم، بل في ارتباط هذا العلم بالمعرفة الصحيحة، واقترانه بالأخلاق والخير والفضيلة. لقد وقف (العلم الحديث) مذهولاً أمام (إنسان المايا)، الذي فهم بطريقته البدائية الترابط بين الزمان والمكان، أو بتعبير أوضح بين الزمان والفضاء، دون أن يمر بمراحل (كونت)، التي أسماها بـ(العقلية).

إنّ هذه الحقائق استرعت انتباه بعض (العلماء الغربيين)، وجعلتهم يندفعون لانتقاد فكرة (العقل المطلق) لتخليص الفكر والمعرفة من بعض الأوهام، التي وصفها (بيكون) بأوهام العقل في كتابه (الأورجانون الجديد)، الذي ظهر عام 1620م باللاتينية بإسم (العلامات الصادقة لتأويل الطبيعة).

بلحاظ أن الفيلسوف (كانت) قد وضع كتاباً عام 1794م أسماه (الدين في حدود العقل وحده)، أوضح فيه أهمية الدين باعتباره يقوم على (التصورات الأخلاقية المثالية البعيدة عن التزمّت)، ومن المعروف أن هذا الكتاب قد أثار رجال الدين المسيحيين والملك (فردريك)، لأن (كانت) اتجه فيه إلى تحليل العقل ونقده، وليس تحليل الظواهر العقلية ذاتها، لهذا قال (الفلاسفة الغربيين): إن من يريد أن يبحث في (نظرية المعرفة) لابد أن يبدأ بكتاب (لوك): (مبحث العقل البشري)، ثم يتجه إلى كتاب (كانت): (نقد العقل الخالص).

إنّ الاتجاه نحو (نقد العقل الخالص) أدى إلى ظهور آفاق معرفية جديدة، بحيث لم تسلم حتى (نظرية أنشتاين) من الانتقاد، بسبب تأثرها بـ(نظريات ديكارت) القائلة بـ(هيمنة العقل المطلق)، على الرغم من المكانة العلمية المرموقة، التي يحتلها (أنشتاين) ونظريته (النسبية).

وعلى إثر (الاكتشافات العلمية الحديثة) بالنسبة للصفات الوراثية، وتطور (علم الأحياء)، و(علم الآثار)، تم انتقاد ونسف (نظرية دارون: النشوء والارتقاء). أما (نظرية نيوتن) الفيزياوية، التي استند العلم الحديث إليها طويلاً، فقد تعرّضت للانتقاد الشديد بعد اكتشاف (مبادئ الفيزياء الحديثة). وكذلك تعرضت (نظريات فرويد) للمساءلة والنقد بعد تطور (النظريات البيولوجية الحديثة)، التي أثبتت أن: (فرويد) لم يفهم الطبيعة النفسية للإنسان بصورة صحيحة وعلمية.

لهذا فإن (النظريات) هي إسقاطات فكرية إبداعية، لكنها ليست الحقيقة العلمية المطلقة، لأنها لا تعتبر بديهيات ثابتة. كما أن العلم هو وسيلة من وسائل المعرفة لإدراك الظواهر وتفسيرها، لكنه في الغرب اتخذ أبعاداً أكبر من حجمه، فأصبح مصدراً وحيداً للتشريع كدين جديد لا يعترف بالأخلاق، وتم استخدامه بخبث لإرهاب الشعوب الأخرى، وإركاعها لإرادة (النظام الدولي الجديد)، بقيادة (الولايات المتحدة الأميركية).

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2176 الأثنين 09/ 07 / 2012)

في المثقف اليوم