قضايا وآراء

المعقول واللامعقول بين نظرية العقل المطلق واتجاهات المدرستين الانفعالية والاتصالية / قاسم خضير عباس

ـ ومنهم (ديكارت) ـ يؤمنون بـ(عظمة وهيمنة العقل بصورة مطلقة)، فتولدت نتيجة ذلك (إشكالية معرفة) تتمحور في تقييد الفهم داخل أبعاد مادية لا تعترف بالروح، واغتيال الأخلاق في المجتمع لإدخال أنماط سلوكية جديدة إلى الناس، مشبعة بالأنانية والجشع والنفعية.

كما أن (الفلسفة الغربية) قد اتجهت في بعض انعطافاتها إلى تقديس العقل وإعطائه صفة الألوهية، بالرغم من أنه يقف حيادياً في كثير من القضايا المطروحة، لهذا ظهرت اتجاهات فلسفية متشددة في أوروبا تدعو إلى (العقل الخالص)، وعدم الاعتراف بمحدوديته وأوهامه وعيوبه. علماً أن المدرستين (الانفعالية والاتصالية) ظلتا إلى زمن طويل في جدل، دون أن تتوصلا إلى نتيجة واضحة حول (المادة هل لها فراغ أم لا؟!)، ولم يحسم الأمر بصورة علمية، لأن المدرستين لم تعترفا بأهمية التجربة في ترشيد العقل.

هذه القضايا وغيرها الكثير أدّت إلى ظهور (تيار فلسفي) معارض، دعا إلى (التجربة كأساس للمعرفة) للسيطرة على اندفاعات (العقل الخاطئة)، لكنه كسابقه وقع في الخطأ نفسه عندما وقف موقفاً هجومياً من مسألة الروح والأخلاق، الأمر الذي أدى إلى كثير من الإحباطات العلمية، التي تناول (كانت) بعضاً منها في كتابه (الدين في حدود العقل وحده).

وهكذا يجب أن نفرّق بين اكتشاف الحقيقة العلمية ـ المبنيّة على التجربة والملاحظة ـ وبين العمل في ضوئها على إسعاد المجتمع، وقد أوضح المفكر الإسلامي محمد باقر الصدر ذلك في كتابه (اقتصادنا) بقوله: (العلم إنما يكشف الحقيقة بدرجة ما وليس هو الذي يطورها) .

فدور العلم هو كشف الحقائق وتفسير الظواهر، ثم يأتي دور العمل في ضوء ذلك على وضع الحلول الصحيحة، وعلاج الخلل، والسيطرة على الأخطاء.

ومن المفيد ذكره أن الحقائق العلمية تكون مستندة إلى علوم الرياضيات الثابتة، لا إلى تفكير عقلي ظني غير معصوم عن الخطأ، فحتى في مجال (علم المحسوس) الذي نظر له (كلود ليفي شتراوس) فإن العقل يمكن أن يخطئ في تنظيم الأشياء والمواضيع وإدارتها وتميزها، إذا استند إلى قضايا غير موضوعية، واستنتاجات جاهزة تخضع لأهواء بشرية، لهذا اعترف (شتراوس) نفسه بأن : (الثقافة والفكر الغربيين) يتسمان بالتسلط والفوقية، لأنهما استندا إلى تنظير خاطئ، يصور (الغرب) حقيقة علمية مطلقة.

وقد ذهب إلى ذلك أيضاً (لاتوش)، عندما تحدّث عن (العولمة) واصفاً إياها بأنها: نتاج (الثقافة الأوروبية) المتسلطة، لاقتناص ثقافات (العالم الثالث)، وقتل خصوصيتها الفكرية عبر اختراق وزعزعة الثوابت، والمعتقدات، واتهام (العقل الآخر) بالعجز وعدم مواكبة تطور العصر!!

وهكذا فإن اقتناص ثقافات الآخرين بدأ بـ(تنظير ظني) استند إلى نظريات غير علمية، كنظرية (دارون: النشوء والارتقاء)، التي اقتبسها (سبنسر)، ليستنتج منها قوانينه حول تطور الأخلاق، وتطور قيم المجتمع وسلوكياته وتبدلها حسب الظروف.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2179 الخميس 12/ 07 / 2012)


في المثقف اليوم