قضايا وآراء

فخرية (هاي لايف) عرض مسرحي يفتقر لأبسط قواعد اللعبة المسرحية / قاسم ماضي

الواقع على الميل الخامس عشر، لاشك أن العالم يتغير وفق قوانين معينة تساهم في إعادة صيرورة الأشياء على نحو يتسق مع إيقاع الحياة الذي نعيش والمسرح بوصفه أحد حقول الثقافة والمعرفة فضلا ً عن كونه فنا ً خالصا ً لا يمكن فصله عن حركة التاريخ والتطور الذي نعيشه تفاصيله المنعكسة في شتى مجالات الحياة ولم يكن المسرح بمعزل عن المتغيرات الاجتماعية والسياسية التي شهدها المجتمع عبر فضاء الزمن وبما أننا بصدد الحديث عن مسرحية (واقعية كوميدية) فلابد من التذكير بأن التيار الواقعي في المسرح يعد أحد إفرازات ثورة غيرت (سلبا ً أو إيجابا ً) في شكل ووجدان أمة بأسرها وبالتالي لم يكن الفن بعيدا ً عن ذلك التأثر بل أن المرء حينما يبحر فيما حملت الأعمال الواقعية من أحلام حينا ً وآلام حينا ً آخر يؤمن أن الفن قد يكون أكثر من مجرد مرآة للمجتمع ، وفي سياق الأسئلة التي يمكن إطلاق في إطار تقييم (العرض المسرحي فخرية هاي لايف) هل نجح العرض المسرحي في إنتاج خطاب فني ينطوي على قيمة جمالية وفكرية من شأنها الإرتقاء بذائقة المتلقي المهجري الذي عملت الفرق المسرحية المهجرية المتعاقبة على قولبة ذائقته على نمط كوميدي فج غير آبه بإثارة الأسئلة المهمة في ذهن المتلقي،  والمتتبع لفضاء العرض منذ اللحظة الأولى يمكنه تلمس عناصر الضعف الواضحة على جسد العرض بدء ً من فكرة العرض التي تعد تقليدية للغاية وسبق وأن تم طرحها هنا  على خشبات مسارح المهجر ومرورا ً بالشكل الفني، فضلا ً عن طريقة أداء الممثل الذي يعد بؤرة الإستقطاب في الصورة فهو العنصر الحي فيها، لأن النص أدب، والعناصر الأخرى هي تقنية تنتمي إلى فنون أخرى، ومهمة المخرج هنا بناء علاقة الجدل بين تلك العناصر وتشكيل نسق متكامل يتكون من خلاله النظام الدلالي للعرض، وفي (مسرحية فخرية هاي لايف) إنعدم وجود تلك المفاهيم فلا وجود لأنساق متكاملة توفر أنظمة دلالية إشارية حركية، فكل ما تم التعاطي معه سوى مناظر واقعية جامدة عكست بيئتين مكانيتين هما (البيت، مكتب إدارة الشركة) ولم تفعل هذه الأشكال لإيجاد فضاء لشغل مسرحي يطلق العنان لإنتاج حالات تأويل وتفسير جديدة،  ويمكن القول أن العرض لم يكن سوى ثمة حوارات ضعيفة وطويلة تبعث على الملل، ولم يأخذ الممثلون على عاتقهم مهمة تفعيل الأداء على النحو الذي يخلق إيقاعا ً من شأنه شد المتلقي وجعله يترقب ما سيسفر عنه من مفاجآت لاسيما أن العرض أخذ سمة الكوميديا، والمعروف أن الكوميديا تعد من أصعب أنواع التعبير الفني الدرامي، ومن أبرز الملاحظات التي يمكن تسجيلها على العرض المذكور أنه إفتقد إلى عناصر مهمة وأساسية،  وفيما يتعلق بالمكان لم يوضح المخرج البيئة المكانية للعرض هي أن حدثه يدور في العراق مثلا ً وتحديدا ً بين بغداد والريف أم هنا في المهجر فمن خلال سياق الحوار بين الشخصيات نستنتج أن الحدث يدور في العراق وليس ثمة علاقة بين المهجر وموضوع العرض، في حين أن مخرج العرض يذكر أن عرضه هو رسالة للمغتربين للتمسك بالعادات والتقاليد، وأعتقد أن تلك الفكرة لطالما طرحت في مسرحيات سابقة وبمعالجات مشابهة من قبل  بعض المشتغلين في المسرح المهجري  هنا في ميشيغن، لذلك تبرز الحاجة اليوم للبحث عن قضايا معاصرة جديدة تهم العراقي المغترب سواء فيما يتعلق بالحياة المهجرية التي يعيش والمشكلات التي يواجهها الشباب فضلا ً القضايا المهمة التي يشهدها الواقع الواقع العراقي في الداخلي وإنعكاساتها على عراقيي الخارج، والكثير من القضايا الانسانية المعاصرة الأخرى التي يمكن التصدي لها على خشبة المسرح ولكن بلغة وآليات المسرح الحديث لا بالطريقة التي شاهدناها في العرض المذكور الذي إفتقد لأبسط قواعد اللعبة المسرحية شكلا ً ومضمونا ً .

                                                        قاسم ماضي - ديترويت  

في المثقف اليوم