قضايا وآراء

أسلحة روسية تشعل الأزمة بين بغداد وكردستان / صائب خليل

إثر تراكمات وتطوارات في العديد من الملفات الحساسة بين الطرفين، والتي كانت مطروحة على طاولة الخلاف لفترة طويلة. وقد أشر انفجار التوتر تصريح شديد اللهجة أدلى به ياسين مجيد أحد قيادي ائتلاف دولة القانون، وشخصية قريبة من رئيس الحكومة نوري المالكي، إثر رفض التحالف الكردستاني التصويت على قانون البنى التحتية، والإعتراض الشديد على شراء أسلحة روسية. قال ياسين أن البرزاني يستهدف منع وجود اقتصاد قوي أو مؤسسة عسكرية قوية في العراق. وقال أنه "خطر حقيقي على اقتصاد العراق وأمنه القومي"، وأنه "يسعى إلى أن تكون كردستان أقوى من بغداد". (1)

وقد أثار هذا التصريح ردود أفعال شديدة من الجانب الكردستاني الذي دعا دولة القانون للوقوف ضد تصريحات ياسين مجيد "الاستفزازية" (2)

وتسببت مشادات كلامية بين نواب الجانبين في رفع جلسات البرلمان، (3) وشارك الرئيس طالباني في التصعيد فوصف تصريحات النائب بأنها "دعوة للحرب". وفضل إئتلاف دولة القانون أن ينحني للعاصفة الكردية، فتبرأ من تصريحات نائبه وقال أنها تمثله شخصياً. ولكن الحقيقة أن تلك التصريحات ليست بعيدة عن الموقف العام لكتلة دولة القانون. فقبل فترة وجيزة وصف نائب آخر من الكتلة تصويت النواب الكرد لصالح مشروع قانون العفو العام بأن الأكراد "يريدون إطلاق كلاب القاعدة كي تستمر المجازر بحق عرب العراق"، وقال أن "مسعود بارزاني وجماعته وقفوا منذ البداية مع زيادة الفرقة الطائفية في العراق، فهم يريدون بناء حكومتهم الخاصة على أنقاض الحكومة الاتحادية." (4)

 

ويستغرب المراقب أن تحتج كردستان بهذا العنف على استفزاز لفظي، في الوقت الذي لم يدخر فيه ساستها أي جهد لأستفزاز الجانب العربي لفظياً وعملياً. فهذا مثلاً أدهم البارزاني يقترح تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات ويقول أن المالكي يؤسس لدكتاتورية تدوم 70 سنة (5)

أما عملياً، فلم تخف حكومة كردستان سعيها للتسلح بمختلف المعدات بشكل أحرج الحكومة التي اعتبرتها مخالفة للدستور، وفتحت قنصليات وسيطرت على 16 وحدة إدارية من نينوى المجاورة للإقليم (6) ورفعت علم الإقليم على ما سيطرت عليه من أراضي (7) وقامت بالتنقيب عن النفط والمعادن فيها.

وكثرما طالبت نينوى بغداد والبرلمان بالتدخل لرفع تجاوزات الاقليم عن اراضيها (8) ، كذلك تمكنت كردستان من فرض حصة أكبر مرة ونصف من نسبة نفوسها في تقاسم الميزانية ومقاعد مجلس النواب، وتحتفظ بقوة عسكرية مسلحة بأسلحة الجيش العراقي التي استولت عليها في فوضى بداية الإحتلال الأمريكي. ومنعت البيشمركه الجيش العراقي الحالي من دخول مناطق "متنازع عليها"، كما قامت بطرد فرق وزارة النفط من تلك المناطق لتحل محلها فرق الشركات الأجنبية التي تعاقدت كردستان معها بعقود تعتبرها بغداد غير شرعية. وتساءل الكثيرون ماذا لو أرادت بقية المحافظات أن تفعل الشيء نفسه. (9)

كذلك فتح الإقليم أبوابه لكل لص أو مطارد من الحكومة العراقية، بل استقبل مجرمين عرب كبار مدانين من أمثال سمير جعجع، بطل مجزرة صبرا وشاتيلا والمدان بجرائم قتل سياسية أخرى، والذي استقبل بحفاوة غير معتادة ليزور المقدسات (10) ويحاضر في القضايا الطائفية (11) وينسق المؤامرات ضد سوريا مع ممثلي إسرائيل وحلف الناتو.

 

على هذه الخلفية جاء شراء الأسلحة الروسية ليفجر العلاقة بين الطرفين. وفي البداية سارعت التصريحات الرسمية لطمأنة أميركا. (12). ورغم أن النائب عباس البياتي برر العقود الروسية بالقول: "اننا نشعر ببطء الجانب الاميركي في الايفاء بتعهدات التجهيز"، فقد أكد إن العراق لن يفرط بتحالفه الاستراتيجي مع الولايات المتحدة"، مبينا: أن نحو 80% من التسليح العراقي ذو منشأ أميركي وغربي. وردت الخارجية الامريكية بأن التعاون العسكري مع العراق "واسع النطاق وعميق جدا!" (13)

ويفترض حسب الإتفاق أن يسلم العراق فى سبتمبر 2014 أول دفعة من المقاتلات الأمريكية إف–16

 

وقبل أن تهدئ بغداد التساؤلات عن علاقتها مع أميركا، ثارت عاصفة العلاقة مع كردستان. وعبر معظم قادة الكرد عن القلق من صفقة روسيا، وبطرق مثيرة للأستغراب أحياناً، فتساءل أحد النواب عن ضرورة شراء الطائرات والعراق لا يواجه تحدياً أوتهديداً عسكرياً خارجياً. (14)

وهذا التصريح يتناقض تماماً مع موقف كردستان السابق بتمديد بقاء القوات الأمريكية باعتبار أن الجيش العراقي لم يستكمل بناء قوة تكفي لمواجهة الأخطار المحيطة به!

 

وانتقد نائب رئيس كتلة التحالف الكردستاني محسن السعدون زيارة المالكي الى روسيا داعيا الى "ان يكون انفتاح العراق في الوقت الحاضر مع الدول الأوربية التي تعتمد أنظمة ديمقراطية" لا روسيا، التي وصفها السعدون بانها تعتمد النظام المركزي وتبيع السلاح لحكومات تقمع حركات الشعوب التحررية!(15) وقال حمه خليل "ان اي مجتمع لن يرى ابدا خيرا من الاسلحة الروسية"، لأنها تأتي من دون قيود او شروط. وهي نفس طروحات النائب حسن جهاد الذي قارنها مع حلف الناتو الذي يشترط ان تكون الاسلحة دفاعية والتعهد بعدم استخدامها داخلياً، حسب قوله.

ولم تختلف كتلة "التغيير" المعارضة في كردستان كثيراً، فقالت: "ان جمهورية روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي السابق تعتبر عدوة الشعوب والانظمة السياسية في المنطقة وان مصير اي نظام تقوم روسيا بدعمه تنتهي نهاية دموية وكارثية ".وأن "هدفها بيع السلاح والحصول على المال فقط" ! (16)

ويبدو أن مازال هناك بقية في العالم تعتقد أن أميركا تبيع السلاح من أجل المبادئ!

 

ومن جهته عبر رئيس الإقليم مسعود بارزاني عن اعتراضه بما يمكن اعتباره يفتقر إلى اللياقة، حين قال "يجب الا تصل طائرات اف 16 الى يد هذا الشخص". مضيفاً "اما العمل على منع وصولها اليه لينفذ ما يجول في ذهنه ضد الكرد، او يجب ان يكون خارج السلطة حال وصولها". (17)

ولم يخل التحالف الكردستاني من بعض الأصوات المخالفة المتفهمة للحكومة (18) بل انتقد النائب الكردي المستقل محمود عثمان تصريحات بارزاني ووصفها بـ" المتشنجة " رغم تأكيده المخاوف الكردية. (19)

 

وتأتي الأحداث على خلفية تشكيل "قيادة عمليات دجلة" (20) وربطها بكركوك وديالى المتنازع عليهما.

وقد طلبت وزارة البيشمركة رسمياً من بغداد سحب قواتها من كركوك وديالى ونينوى (21). وزاد الموقف من الأزمة السورية التوتر. فحين كان المالكي يؤكد موقفه الحيادي، لم يتردد وزير خارجيته الكردي من القول بالعكس، وبأن العراق "لا يقف موقف الحياد من الشعب السوري". وقامت كردستان بتدريب الآلاف من العناصر الكردية السورية لصالح المعارضة، وحولت كردستان إلى "ساحة حرب" حسب وصف بعض الجهات الكردية نفسها. وحين اشتكت سوريا من تدفق الأسلحة من العراق حاولت بغداد السيطرة على الحدود فحدث اصطدام كاد يؤدي إلى القتال بين الجيش والبيشمركه. (22)

 

بسبب كل هذا القى الكرد بثقلهم في محاولة إفشال عقود العراق للتسلح، وقدموا الشكوى للسفارة الأمريكية (!) التي خيبت أملهم لأنها "لم تحرك ساكناً"، حسب الأتروشي.

من جانبه حاول إتلاف دولة القانون الذي يرأسه المالكي التقليل من أهمية الصفقات الروسية والتأكيد على انها لا تتضمن سوى أسلحة "دفاعية ولن تستخم ضد أي شخص أو دولة" (23)

 

ويفسر الكرد سر حساسيتهم من الاسلحة الروسية بأنها استخدمت ضدهم في الماضي. لكن ما يشكك بهذا التبرير عدم وجود أثر لتلك "الحساسية" من سلاح بغداد الذي استخدم ضدهم بالفعل في الماضي قبل ان يستولوا عليه! والتفسير الأكثر منطقية لهذه "الحساسية" هو أن أميركا كانت قد طمأنت الكرد بأنها قد وضعت شروطاً على الحكومة بأن لا تستخدم أسلحتها ضدهم، رغم تأكيدات سابقة لسياسيين من كتلة المالكي بأنه لا توجد أية شروط على الأسلحة الأمريكية عندما كانوا يشترونها! وهذا الإحتمال يفسر أيضاً لجوء بغداد إلى موسكو لموازنة قوة كردستان العسكرية، بشكل أفضل من قصة مماطلة واشنطن تسليم أسلحة لم يكن قد حان موعد تسليمها بعد.

 

ما الذي يأمله  مسعود البرزاني من زيارته الموشكة إلى "عدوة شعوب المنطقة"؟ وهل سيطلب منها السلاح الذي انتقد بغداد لحصولها عليه، لأنه يوجه "لقمع حركات الشعوب التحررية "؟ هذا ما ستبينه الأيام القادمة، ولكن إن التزم بوتين بما قاله من أن "روسيا تصدر الأسلحة والمعدات العسكرية إلى سلطات شرعية " و "لدول مستقلة" فقط، فلا يجب أن يأمل مسعود بالكثير. (24)

 

تطورات بعد كتابة المقالة:

عضو التحالف محما خليل : "هناك ادلة تشير الى ان ضباطا بقيادة عمليات دجلة ايدهم ملطخة بدماء ضحايا الانفال". واضاف أن "تشكيل قيادة عمليات دجلة استهداف واضح للمكون الكردي في الانتخابات المقبلة والسعي للحصول على مكاسب وتأييد لمكون سياسي خلال الانتخابات".

 

نيچيرفان بارزاني: "في الايام الماضية قمت بزيارة منطقة گرميان التي لا تزال دماء هجمات الانفال تتقطر منها"...."سأسعى لتأسيس مجلس عالمي للتعريف بـ(جينوسايد) الكورد"..."يجب علينا جميعا العمل على عدم السماح لتكرار مثل هذه الجرائم لا في كوردستان ولا اي مكان آخر في العالم وان يتم تعويض الضحايا".

 

اوصت لجنة الأمن والدفاع النيابية رئاسة البرلمان بضرورة ايجاد حل جذري فيما يتعلق بتحرك قوات البيشمركة في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها. وقال نائب رئيس اللجنة اسكندر وتوت في تصريح صحفي أن" تحرك تلك القوات يخالف الدستور ويعد استفزازا للحكومة الاتحادية.

 

نفى التحالف الكردستاني اي وجود للبيشمركة في المناطق المتنازع عليها واكد ان قيادة عمليات دجلة غير دستورية ولا قانونية . وقال النائب عن التحالف الكردستاني حسن جهاد امين ان توقيت حديث رئيس الوزراء المالكي بشأن البيشمركة غير مناسب بعد عودة الوفد الكردي المشترك من بغداد التي زارها مؤخرا . وتابع " نحن نقول ايضا ان قيادة عمليات دجلة غير دستورية ولا قانونية لانه لايوجد في الدستور قيادة عمليات بل فرقة عسكرية كذلك فان قائد الفرقة يجب ان ينال ثقة البرلمان " .

 

هدد وزير البيشمركة في إقليم كردستان العراق، الجمعة، بمواجهة قوات عمليات دجلة عسكريا في حال لم تنسحب محافظة كركوك.  وقال وزير البيشمركة جعفر البرزاني "في حال استمرار تحركات قوات عمليات دجلة وانتشارها في محافظة كركوك سنضطر إلى مواجهتا عسكريا".

 

النائب عن القائمة العراقية محمد اقبال يشير إلى "اشكالية كبيرة في عقد صفقات الاسلحة مع روسيا من ناحية التمويل، لان اموال العراق مازالت في صندوق الـ[bfi] تحت طائلة البند السابع، وأن من المحتمل أن تفشل الولايات المتحدة الموضوع وتمنع تحويل الأموال إلى العراق. وقال أنها "صفقة كبيرة" يتوجب موافقة البرلمان عليها، ومتجاهلا ً بشكل يثير الإستغراب الصفقات الأمريكية الأكبر منها بكثير والتي عقدت في نفس الوقت. وقال مكرراً تصريحات كردستان "ان "التسليح خطير وحساس، خاصة اذا كانت الجهات المجهزة هي روسيا ودول شرق اوربية اخرى، لان هذه الجهات عادة لاتشترط على الجهات المستوردة  كيفية استخدامها للسلاح، بالاضافة الى ان سلاحها، لا ينافس الاسلحة التي تأتي من اوربا وامريكا".

 

نائب رئيس لجنة الامن والدفاع البرلمانية اسكندر وتوت: الاسلحة الروسية ستصل الى العراق مطلع السنة المقبلة

 

 

......................

 

(1) http://www.alalam.ir/news/1345144

(2) http://www.alrafedain.net/index.php?show=news&;action=article&id=85550

(3) http://www.chakooch.com/news.php?action=view&;id=833

(4) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=22976&start=0&page=1

(5) http://www.albadeeliraq.com/article21725.html

(6) http://www.alestiqama.com/news.php?cat=siasy&;id=3617

(7) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=17738

(8) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=19603

(9) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=19023

(10) http://www.youtube.com/watch?v=dEeCZwTGcIE

(11) http://www.youtube.com/watch?v=SDKppfZx0OY&;NR=1&feature=endscreen

(12) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=23300

(13) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=23205

(14) http://www.yanabeealiraq.com/0412/n07051210.html

(15) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=23094

(16) http://www.chakooch.com/news_view_862.html

(17) http://www.akhbaar.org/home/2012/04/129243.html

(18) http://www.alforatnews.com/index.php?option=com_content&;view=article&id=23888

(19) http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=16159

(20) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=18895

(21) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=19018

(22) http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&;id22=49448

(23) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&;id=23305

(24) http://www.uragency.net/2012-03-11-16-32-14/2012-03-11-16-35-00/11478-2012-10-18-05-54-41.html

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2259 الأثنين 29 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم