قضايا وآراء

سياسة المجتمع الكوردستاني في البحث عن جذور العنف من منظور سايكولوجي / سامان سوراني

التي يريد أن يكونها، لذا يمكننا القول بأن الماهية لاحقة للوجود، لأنه لكي نختار لابد أولاً من أن نكون "موجودين".

والوجود يعني حمل المسؤولية والأمانة لإعادة البناء بالتفكير والتصرف كبشر، بإستخدام الطاقة الفكرية والقوة الذهنية للفهم والتشخيص أو للتعقل والتدبير في النطاق الكوردستاني وعل? المستو? العالمي، لأن من ينجح في إصلاح نفسه ويعيد بناء ذاته، إنما ينفع نفسه بقدر ما يفيد غيره.

ومن الواضح بأن العنف يبدأ في الرؤوس قبل إستخدام الفؤوس، هذا ما علّمنا المنظّر وعالم النفس السلوكي بوروس فريدريك سْكِنر (1904- 1990). وهناك حقيقة سيكولوجية تقول، بأن ما وراء الإرهاب هو فكر الإرهاب ومايحصل للمجتمع هو من صناعته، لذا علينا أن نكف عن الحديث بعقلية التهمة والمؤامرة والإدانة وأن نعمل بكسر ثنائية الداخل والخارج، لأنه لا إنفصال بين الأنا والآخر، كما لا إنفصال بعد الآن بين المحلي والكوني، بدليل أن ما يعني الغير يقع في صلب إهتمامنا، وأن ما يهمنا يستأثر بأهتمام العالم الأكبر. العنف هو سلوك بعيد عن التحضر والتمدن تستثمر فيه الدوافع والطاقات العدوانية إستثماراً بدائياً لإكراه الخصم وقهره. وللعنف اتجاهه‌ الإجتماعي والمادي الجدلي والوظيفي والتفاعلي الرمزي وقد يختلف كل اتجاه في تفسيره للعنف انطلاقاً من الأرضية التي يعتمدها في تفسيره. وهناك إتجاه سوسيولوجي يفسر العنف ?حالة اختلال التوازن التي قد تصيب المجتمع أو الجماعة حيث تتحطم المعايير وتسود الفوضى فيندفع الأفراد نحو العنف. ويمكن أن نر? في جوهر القيم الروحية والمادية المستخدمة في الحرب مثلاً ، بما فيها الأشعار والقصائد الحربية والتماثيل واللوحات والرقصات كنسيج فكري ومادي متكامل، العنف والتدمير. ولايمكن أن نضع العنف تحت مفهوم ومصطلح الثقافة، لأن الثقافة تبق? دوماً عل? خلاف تام مع الغرائز العدوانية التدميرية. لكن هناك من يفسر العنف بنسيج ثقافي سلبي عظيم الحيلة والمهارة والمقدرة على التكييف والابتكار والتجدد بديناميكية مبدعة وعالية في صناعة ذاته وإنتاجه وترقية فاعليته على نحو يجعل اللاعنف عاجزاً ومرتجفاً كطفل خائف. لكننا نحصرالثقافة في الجانب الإيجابي، في الحياة، في اللاعنف، رافضين كل النوازع التدميرية والعدوانية ولاندعم أفكار الفلاسفة المسلمون القدام?، الذين وقفوا أمام هذه المعضلة حائرين وأرجعوا مسألة صدوره‌ ال? الخير المطلق وخلقوا ثنائية ماورائية شبيهة بإزدواج الشخصية أو الإزدواج الثقافي، بإعتبار العنف موجود عرضيّ، يؤدّي وظيفة ما في خدمة اللاعنف وهذا ما لا يقبله اللوغوس أو المنطق. 

في مراسلة كتابية بين العالم النفساني الشهير سيغموند فرويد (1856-1939) ال? الفيزيائي البارع البرت أينشتاين (1879-1955) نستطيع أن نحصل عل? بعض التأملات، التي يمكن وصفها بفرضيات أو مباد?ء أولية حول ظاهرة العنف ير? فرويد بأن لجوء البعض ال? إستخدام العنف يهدف ال? حل النزاع بين الأطراف المتنازعة حول مصالح معينة. اليوم وبعد التفوق الفكري عل? القوة العضلية البهيمية، نر? إستخدام القدرات العسكرية المتطورة لحل النزاعات وسيادة عنف الجماعات عل? الأفراد. وبالمقابل بإمكان الأفراد الضعفاء صنع القوة عن طريق الوحدة وبناء وقوة الجماعة للوصول ال? الحق، الذي ينظر اليه كعدالة طالما هناك شرط سايكولوجي، ألا وهو ثبات ودوام وحدة الأكثرية. وإن الجدلية القائمة بين التحريض والكبح تثمر العدوان وبالتالي العنف. فالعنف إذن وللأسف هو قدر البشر، يجسد غريزة العدوان ومنطق التفاضل أو إرادة التسلط وعقلية الإقصاء والإستئصال والساحة العالمية يشهد بأن العنف يزداد ويتصاعد كمّاً ونوعاً، كما تفاجئنا المنظمات الإرهابية والسلطات القمعية، بأعمالها الهمجية في غير عاصمة ومكان.

فتزايد الأصولية الدينية بمناهجها الايديولوجية السلبية القاطنة بين أنياب الإيمان الأعم? وجحيم الحلول القصو? يزيد من القوقعة العقائدية بتناسب طردي ولا يسمح للفرد الكوردستاني أن يعمل عل? تكوين ذاته أو إعادة بناء الثقة واليقين بـمعناه المعرفي مع سواه في عالم دائم التحول.

نحن نعلم بأن الدين هو في أعل? السُلم من منظومات القيم، لكن لا ينبغي أن ننخدع بهذا‌ التزايد. ففي الماضي تم ممارسة الدين كحدٍ أو رادعٍ، أو كتق? أو تحريم أو تسليم، لكننا نر? اليوم بأن الأصولية الدينية تمارس عنفاً فاحشاً تنتهك كل الحرمات والحدود والقيم، كما تشهد حروب الآلهة والنصوص بجنونها وفظائعها. يكفي أن يشاهد مؤمن متدين تقي إنساناً يذبح من عل? شاشة التلفاز أو عل? شريط اليوتيوب بإسم الدين، أو التمييز ضد المرأة وتدمير روحها وجسدها وقتلها وإستباحة الأطفال باسم الدين، حت? تنهار ثقته بالأديان، كمرجع للمعن?. عل? المجتمع الكوردستاني العمل عل? عدم عودة الأصولية لتمارس بعقول ملغمة ومُسَلمات عمياء وتوجهات مقلوبة ذرورة العدمية أو الهمجية، ولا يفسح المجال لدعاته وحماته ليمارسوا التأله أو لكي يصبحو عبيداً لنزواتهم أو أهوائهم وأحلامهم المجنونة أو خططهم الجهنمية.

ومن الواضح بأن تدبر الشأن البشري اليوم بحاجة ماسة ال? إستراتيجية فكرية جديدة في إدارة الهويات والقضايا والدول والعلاقات، بالإستعصاء عل? القولبة والمصادرة والتجسد في القدرة الفائقة عل? الفهم الخارق والتخيل الخلاق والعمل المثمر، بصورة تؤدي ال? تغيير في مرجعيات المعن? وصيغ العقلنة أو في قواعد المعاملة ونماذج التنمية، فلنبدأ في بناء هذه الإستراتيجية العصرية.

وختاماً يقول مارتن لوثر كنج جونيور (1929-1968): "لم يعد الأمر اختياراً بين العنف واللاعنف في هذا العالم؛ بل بين اللاعنف واللاوجود."

 

الدكتور سامان سوراني  

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2263 الجمعة 02 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم