قضايا وآراء

الفلسفة السياسية للرئيس باراك أوباما و تحقيق الحلم الأمريكي / سامان سوراني

الذي تحدث عنه الزعيم التاريخي لحركة الحقوق المدنية الأمريكية والحائز على جائزة نوبل للسلام مارتن لوثر كينج (1929-1968).

لقد أثبت بذلك بأن الناخب الأمريكي لا يمكن إخضاعه وكسب صوته إلا بالإقناع الفعلي وتطبيق الوعود الإنتخابية. فالولايات المتحدة الأمريكية، التي يعتبرها البعض "الشيطان الأكبر"، هي بلد التعدد الأول من حيث تنوع الأعراق والألوان والأديان واللغات وهي التي اخترعت أصلاً مفهوم التعددية من أجل تشخيص الظاهرة والسيطرة عليها أو الإفادة منها وحسن توظيفها. فالذي يتعامل مع التعدد بعقل تداولي وفكر تركيبي ومنهج وسطي، يستطيع أن يجعل منه مصدر تنوعٍ وغن?، بعد أفول العصر الايديولوجي بعقائده ومدارسه وخططه‌ وإستراتيجياته وأحزابه‌ ومؤتمراته.

إنتخاب شخصية من أصول أفريقية للبيت الأبيض كرئيس وللمرة الثانية على أساس شخصيته وكفاءته ورسالته يثبت أيضاً إفلاس العدة القديمة والمنظومة الأيديولوجية، التي تبن? عل? أساس الفكر الأحادي العنصري والسجن العقلي والتصنيف البربري. 

والذي نعرفه عن السياسة الخارجية بأنها مجموعة من الأهداف السياسية لبلد ما تحدد كيفية تواصل هذا البلد مع البلدان الأخرى في العالم، ساعياً عبر تلك السياسة حماية مصالحه الوطنية وأمنه الداخلي وأهدافه الفكرية الأيديولوجية وإزدهاره الاقتصادي. أما فيما يخص حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية، فإنها تسير في سياستها الخارجية عل? خطوط إستراتيجية مدروسة لا تتغير بتغير الرئيس، وهذا ما يع?س قوة أمريكا السياسية في العالم.

هذا الرئيس الناشط والحاصل عل? جائزة نوبل للسلام، العامل بتواضعه الوجودي عل? إستلهام وإستثمار مقولات الفلاسفة وأساطين حقوق الإنسان في السلم والحرية والديمقراطية عل? نحو جديد، تمكّن من كسب النخبة من الطبقة المتوسطة والبسيطة وإنتشالهم من شبح البطالة والكارثة الإقتصادية التي واجهت الولايات المتحدة ال? الفضاء الوظيفي وقيادتهم بعد الإنتعاش الإقتصادي نحو الأحسن. فله‌ يعود الفضل أيضاً في تنفيذ قرارات حاسمة ومصيرية تصب في مصلحة الداخل وذلك بتنفيذ قوانين تحمل بصمته لاصلاح الرعاية الصحية والقطاع المالي وقد يؤدي إصلاحه ال? زيادة الضرائب على الأثرياء في إطار الجهود الرامية لتقليص العجز. وكان له‌ الدور الأول في إنجاح العملية الجراحية لتعديل ما قام به الجمهوريون من سياسات خاطئة لسنين عديدة في كل من أفغانستان والعراق، بالطبع من منظور أمريكي. لعل هذا ما جعله يفوز بفارق كبير من الأصوات قبل أن تعلن النتائج النهائية للإنتخابات.

أوباما واصل مكافحة تنظيم القاعدة، دون عنونة تلك الوظيفة بالحرب على الإرهاب وركز في الوقت نفسه على تحسين علاقة بلده بالعالم الإسلامي، إذ قام بتنشيط الدور الأمريكي في عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين والاستجابة للربيع العربي بأشكال متنوعة، منها قيادة الجهد العسكري الدولي ضد الطاغي المقبور "معمر" قذافي وسع? في إقناع كل من سوريا وإيران بتغيير سلوكهما وكان ال? حدٍ ما ماهراً في حشد الضغوط الدولية على إيران، متفادياً التورّط في تدخل عسكري في سوريا وفيما يخص اليمن فأكتف? هو بالمساعدة في نقل السلطة فيه.

أما إعادة النشاط لمجموعة الدول العشرين واستخدامها للإفلات من ركود اقتصادي محدق في عام  2009 وإنفتاحه عل? آسيا وإجتذابه للصين للتعاون في القضايا الإقليمية والعالمية وضبط علاقاته مع روسيا فتلك الخطوات كانت نقاط إيجابية أخر? تمكَّـن هو من خلالها إقناع الرأي العام الأمريكي بأنه قادر على إدارة دفّـة السياسة الخارجية الأمريكية بجدية ومعقولية أو أنه‌ مساهم فعّال في تجديد شبكات الفهم وصيغ العقلنة وبفلسفته السياسية يستطيع أن يكون منقذاً لأمريكا من جرثومة التضاد ومنطق الصدام وحامياً جيداً للمصالح الأمريكية.

صحيح بأن لفظة التغيير تحمل في طياتها سحر وبديع خادع يخلب ويستأثر ولايدع مجالاً للخيار، لذا ينطلق أكثرية الساسة من هذه اللفظة باعتبارها أفعل الألفاظ توظيفاً في كسب المعارك وبلوغ ذروة السلطة، لكن هل يسع? أوباما ال? إعطاء هذه اللفظة معن? عالٍ وهو الذي يتفكر في معطيات الواقع ويقيس إمكانية التغيير بأهلية التغيير؟  

إن توليه مقاليد السلطة في أمريكا للمرة الثانية يمثل فتح آخر لأولئك الذين يتوسمون بإنتهاج واشنطن نمط سياسات مغايراً لذلك الذي كان، فهم يرغبون في إحتواء كيمياء السياسة الأميركية عل? الكثير من عناصر القوة الناعمة، والتي تتجسد في اللعبة الدبلوماسية بدلاً عن القوة الصلبة التي تنبع من الثقل العسكري. فالعسكرية والحروب ماعادت تنتج اليوم سو? الدمار المتبادل وتواطؤ الضد مع الضد.

سياسة أوباما تعمل لمصلحة البُنيات المفتوحة واللغات المطعّمة والوحدات المركبة والهويات الهجينة والتحوّلات المستمرة والعلاقات الأفقية وسياسة الإعتراف المتبادل، بعيداً عن العدة القديمة والمتقادمة أو الصدئة والمفلسة وبعيداً عن السياسة، التي يتعامل أصحابها مع الحاكم بصفته النبي المخلّص أو البطل المحرر أو الأب القائد أو الزعيم الأوحد.

وختاماً:  عل? المكفلين بإدارة دفة الحكم في العراق أن يبتعبدوا عن القوة الغاشمة والطغيان والتسلط ويحتذوا بسياسة أوباما في الحكم وأن يقفوا موقف الإعتراف والإحترام والرعاية والحماية إزاء كل مواطن وكل كائن. إذ لكل شيء حقيقته وقسطه ومشروعيته ولكل كائن قوّته وجماله وأثره. من غير ذلك ترد عليهم نرجسيتهم ومر?زيتهم البشرية، لكي تنتقم منهم الأشياء والكائنات ومن لا يعترف بنا، الآخر المختلف، فكيف ينتظر منّا، الآخر المختلف، أن نعترف به؟    


الدكتور سامان سوراني 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2272 الأحد 11 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم