قضايا وآراء

إتجاهات إقليم كوردستان نحو العلاقات الدولية وسيادة الدولة

saman soraniبما أن السياسة الخارجية هي جزء مهم من النشاط الحكومي نحو الخارج وجزء من السياسة الوطنية الناتجة من قرارات وأفعال صادرة من أصحاب القرار لمعالجة مشاکل تطرح ماوراء الحدود بهدف تحقيق أهداف بعيدة أو قريبة المدی يمكن القول بأن السياسة الخارجية هي المفتاح الرئیسي في العملية التي تترجم بها الدولة أهدافها ومصالحها بعد أختيار ماينبغي علیها أن تقوم بە فيما يخص الشٶون الدولية وفي إطار حدود قوتها وواقع بیئتها الخارجية.

والعلاقات الدولية هي تفاعل بين وحدات المجتمع الدولي لدفع الدولة حتی تصبح فاعل نشيط علی المسرح الدولي. أما السيادة كرمز لوجود الدولة وهیبتها فهي تعني بأن للدولة الكلمة العليا واليد الطولي على إقليمها وعلى ما يوجد فوقه أو فيه، أي إستقلاليته وهذا يجعلها تسمو على الجميع وتفرض نفسها عليهم باعتبارها سلطة آمرة عليا ومنبع للسل0طات الأخری، أي مِسبارٌ لە حق الشرعية في الحكم وفرض السيطرة أو السلطة الشرعية على السكان أو الشعب.

إن الثورة في وسائل الإتصال والتطور المُذهل في وسائل الاعلام صَغؔر من حجم العالم وجعله قزماً يمكن مشاهدته من فوق رأسە وإن معرفة خصائص ودور الوحدات المعنية في العلاقات الدولية ودور الأخلاق والقانون والأيديولوجية والقوة وكذلك معرفة العلاقة بين الأهداف الآنية والمتوسطة المدی، التي من الواجب الحفاظ علیها، أمر ضروري جداً. فصانع القرار يجب أن يكون علی دراية وعمق واسع بالمعرفة والمهارة العالية في صياغة وتنفيذ سياسة الدولة الخارجية ليتمکن من إنتقاء الخيار الملائم من بين البدائل المختلفة في سبيل تحقيق وحماية الأهداف الوطنية النبيلة.

فيما يخص اقليم كوردستان فهناك أحزاب سياسية، هي بمثابة العمود الفقري للنظام السياسي الديمقراطي وأداة ربط المواطنين بالحكومة، تمارس عملها بحرية كاملة وتمتلك الی درجة الصوت في تكوين السياسات الخارجية. نحن نری بأن الخلافات يجب أن تكون متواجدة أو قائمة بين الأحزاب المختلفة حول قضايا داخلية مع إحترام المنهج الديمقراطي لكن السياسة الخارجية الفعؔالة تطلب أن یكون الشعب متحد حول سياسة خارجية متحدة وصانع القرار يجب أن يعمل علی حل الخلافات الداخلية قبل الدخول في المسرح الدولي. السياسة الخارجية يجب أن تعبر عن الإرادة الشعبية، فهذا يثير مسألة الديمقراطية والمساهمة الشعبية في صنع القرارات.

بالرغم من أن التناقضات والتساؤلات وعدم اليقين أصبحت ميزة المسرح الدولي "الوليد" وأن التمييز بين الداخل والخارج أصبح نسبياً، إلا أننا نری أنه من حق الإقليم أن تبرم علی الصعيد الدولي معاهدات في سبيل تطوير وتطور الإقليم وتقوم بعملية تبادل التمثيل الدبلوماسي للغرض نفسه وإثارة المسؤولية الدولية للمطالبة بالتعويض عن الأضرار التي أصابتها إبان حكم الأنظمة الدكتاتورية المتتالية في العراق والتي سعت بسياساتها الفاشية والقوموية وأعمالها الإجرامية وبدعم من بعض البلدان لها لوجستیاً إبادة الشعب الكوردستاني من علی الخارطة الكونية. على المستوى الداخلي فللإقليم حق التصرف في مواردها الأولية وثرواتها الطبيعية، كما يمكنها اتخاذ التدابير التي تراها مناسبة حيال الأشخاص المتواجدين على إقليمها بغض النظر عن صفتهم كمواطنين أو أجانب.

رغم أن مرحلة نمو الاعتماد المتبادل الشامل والتي معها برزت التدفقات العبر- قومية المعرؔف من قبل النظام الدولي الراهن بظاهرة العولمة تنزع معها رويداً رويداً سيادة الدولة الوطنية لصالح كيانات جديدة فوق وطنية أو تقوم بتفكيكها إلى كيانات إثنية عصبوية دون وطنية ورغم تفقد الدولة في ظلها طابعها كممثل حقيقي للقوى الاجتماعية المتجددة، إلا أن الحقيقة تكشف لنا بأن قیام الدولة الكوردستانية بات من ضروريات هذا العصر وخاصة بعد أن بدأت حكومة إقليم كوردستان تأخذ بسبب سیاستها العصرية والمتزنة وتزايد نمو الإقتصادي السريع للإقليم تلعب دوراً سیاسياً فعالاً لا فقط علی المسرح الإقليمي بل العالمي أيضاً. وما إحتضان وإيواء حكومة الإقليم لربع ملیون لاجئ سوري وتعاملها المتحضر والنبيل معم إلا مثال بسيط لما تظهرها من الإحتراف في التشخيص لركوب الإمكانيات وإجتراح الوسائل لتحسين الأوضاع أو لحل المشكلات، حيث تدار الشٶون بعقل مركب يجمع بين التقليد الديني والتحديث الاقتصادي أو بين الهوية القومية والبعد العالمي.

حکومة إقليم كوردستان تۆمن بالإستراتيجية القائمة علی أساس التعايش المشترك بعيداً عن المبادیء المطلقة والإرادات الفوقية المتعالية، التي تدفع البشرية في غير مكان ثمن مصائبها وكوراثها وإن تأمين المصالح وصنع المصائر هو صناعة مشتركة يساهم فيها كل مواطن كوردستاني من موقعه وحقل عمله. فالقوة يصنعها القادرون علی خلق ما تحتاج اليه من مشاريع النهوض والإصلاح والتحديث والتنمية والسلم من اجتراح المعادلات والصيغ والأطر والشبكات والأسواق والأدوات.

علينا أن نقرأ الواقع الكوني الجديد، فالتجارب المريرة والأزمات المتلاحقة في العراق أثبتت بأن القوة والهيمة والإحتكار والصدام والغزو والعقلانيات القاصرة والفاشيات القومية لم تجلب أمناً لهذا البلد ولم تصنع سلاماً ولم تصن هوية بل سحقت في سعيها وراء الأحلام المستحيلة الشعوب ودمرت المجتمعات. فلا توجد شراكة حقيقية علی هذه السكينة من غير الإعتراف الكامل بالآخر المختلف.

وختاماً: إن الإصرار علی الفضاء العالمي، الذي هو مدی حيوي لإقليم كوردستان وإتقان فن التعايش والتبادل لإزالة العوائق وحلحلة العُقد يصنع السوق ويُنمي الإقتصاد، فهو عنوان الحضارة وأساس بناء العلاقات الدولية وسيادة الدولة.

 

الدكتور سامان سوراني

 

في المثقف اليوم