قضايا وآراء

لا مصالحة مع من خان وطنه !!

hamid taoulostقبل أيام جمعتني الصدفة بثلة من الأصدقاء والمعارف -"المبليين " بالسياسة - بمقهى " الناعورة " بحديقة " جنان السبيل " بفاس الجديد، لاحتساء كؤوس الشاي المنعنع وفناجين القهوة الداكنة، على نغمات خرير مياه واد الجواهر، او ما تبقى منها على الأقل، وتغريد العصافير المتطايرة فوق أشجار "مو سوالف " التي تبوءنا مجلسنا تحت ظلالها الوارفة .

حلق بنا الجو الهادئ في عوالم الذكريات الرومانسية التي كانت لكل منا مع هذه القطعة من الجنة - بكم أن جلنا من ساكنة المنطقة - إلى أن تدخل أحدنا منحرفا بالنقاش نحو السياسة و......، وخاصة المرتبط منها بالعالم العربي والإسلامي، وما تتخبط فيه دولهما من مشاكل تُسرِّعُ خطى الكثير منها نحو الهاوية . حيث صاح المتحدث بصوت متشنج، بأنه غير راض على ما يقع في مصر، وأنه حزين على المعاملة التى يلقاها الإخوان المسلون على يد الجيش المصري، بعد عزل الدكتور مرسي وفض اعتصامي رابعة والنهضة .

استمع الجميع لشكوى صديقنا (س) باهتمام، واحترمنا رأيه، وقدرنا شعوره وألمه، ودون شعور، أو برغبة دفينة فينا، انجررنا معه إلى عالم السياسة تاركين الرومنسية التي تفرضها الجو والمحيط واللحظة، وقد كنت من أول المتدخلين للرد على (س) -الذي نحترمه جميعا ونقدر محبته للوطن العربي والإسلامي و نعلم ما لمصر من مكانة فى قلبه، وبكل ما يلزمه النقاش المتمدن من تأدب واحترام، أكدت له على أن الأمر ليس كما يتصور، والعكس هو الصحيح، وأن الجيش المصري والشرطة لم يتعاملا مع الإخوان بما يدعيه المغرضون، سواء أثناء الفض أو بعده، حيث كانت الشرطة ساعة فض الاعتصامين في منتهى ظبط النفس واحترام كل حقوق الإنسان، حيث أخطرت الطرف الآخر بما تنوي فعله، وأمهلتهم بدل المدة عشرة، في سلوك يذكرنا بما حدث في فض خط برلين، ويجعله عملية شرطية متميزة، تستحق ان تدرّس في كبريات كليات الشرطة في العالم .. بينما نجد مقابل ذلك، تهور المعتصمين غير السلميين، الذين مات برصاصهم قناصتهم 14 شرطي في النهضة مقابل 7 فقط من المعتصمين، وقد بلغ عدد موتى الشرطة في ذلك اليوم 43 شرطي .

ولذلك فليس من الحكمة ولا من المستساغ أن تحكم هكذا جزافا، على الشعب المصرى وجيشه وشرطته بأنهم قتلة يسيئون إلى الإخوان لمجرد أن بعض الفضائيات المأجورة والمدعومة - بجيش إعلامي فاجر وكاذب ومنافق ومضلل وحاقد يزور ويشوه الحقائق والتاريخ من اجل تنفيذ المخططات الاستعمارية الجديدة وتكريس السطو والطغيان الغربي على المقدرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأمة عامة، ومصر على وجه الخصوص - قالت بذلك، وزورت الأخبار، وفبركت الصور والأحداث، لتُرسخ لدى مشاهديها انطباع "أن الشعب المصري والقائمين على أمنه هم قتلة وسفاحين، وأن الإخوان مجني عليهم "، وبرهنت لصديقنا على قولي ذلك بالتصرف العاقل والمتعقل للحكومة الانتقالية والجيش المصريين اللذان سمحا لعديد من الشخصيات والوفود الدولية بالالتقاء بقيادات الاخوان المتهمة، تأكيدا على حسن نيته، وحتى يبين للعالم كله وللقوى السياسية المصرية أن الاخوان هم الذين يرفضون الحوار والمصالحة وكل الحلول السياسية ..

وهنا ثارت ثائرة (س)، وخرج عن احترامه لقواعد النقاش وضوابط الحوار الهادئ الرزين، ومرتكزات الرأي والرأي الآخر، واتهم كل الحضور بالكذب والتزوير، وأصر على أن الجيش المصري هو الرافض دائما للحوار والمصالحة، خاصة عندما واجهه متدخل آخر بحقيقة مفادها أن الكثير من الجهات الرسمية وغير الرسمية، حاولت جاهدة إقناع جماعة الإخوان بالحوار والمصالحة، فأصمت آذانها ورجحت مصلحة جماعة الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد على مصالح الوطن، وفضلت الأهل والعشيرة وحماس، وأطلقت العنان لملشياتها المتطرفة فى سيناء، وأعلنتها وبشكل واضح حربا شعواء على الشعب والجيش المصري مطلقة شعار "إما مرسي والجماعة أو العنف الدامى ودمار البلاد "

 

ليختلف معي من يختلف من المحاورين، وليعتبرني من يريد أن يعتبرني منهم، متطرفا في رأيي، أو متشددا في موقفي، أو متزمتا في تفكيري، أو متعنتا في وجْهَة نَظَري، وليتهمونني جميعهم يرغب بالمكارثي المتعصب، أو العنصري الحاقد، فسأبقى مؤمن كل الإيمان بأن الإخوان هم من يجب أن يعودوا إلى الصواب ويعرفوا أن الأوهام لا تتحقق وأن التضحية بالأوطان عار وخزي، بل وجريمة خيانة يعاقب مرتكبيها .. من تم أؤيد الرافضين للحوار مع الإخوان كمنظمة سياسية، وضد كل استجداء لقبولهم له، سواء كانت المبادرة من طرف أعضاء من الحكومة، أو ممن أصبح يصطلح على تسميتهم اليوم بـ"لجان الحوار المصالحة الوطنية " الذين زاد عددهم اعدادها في الآونة الأخيرة ولغايات يعلمها الله والضالعون في السياسة منهم .. إلى درجة تدفع إلى الشك في إلحاحية العديد من الفاعلين السياسين والجمعوين والإعلاميين المصريين على قضية الحوار والمصالحة، والوقوف منها تلك المواقف الحازمة، خاصة في هذا الظروف التي تمر به الجماعة الإخوانية، من تشقق كبير في بنيانها، وتصدع هائل في تنظيمها، وخلل كبير في معادلتها، وانهيار كاسح لم تعرف مثله قط في مشروعها، طيلة مراحل تاريخها ومنذ نشأتها .. ليفرض علي كل فطن، طرح السؤوال التالي : ما المجوز يا ترى الذي يدفع بكل هؤلاء للتشبث بذلك، وفي هذه الايام بالضبط، وهم يعلمون علم اليقين، أن هذه الجماعة التي يخطب البعض ود حوارها، لازالت مستمرة في اغلاق أذانها عن سماع أية كلمة لها علاقة بأي حوار، وتعلن بشكل صريح ومباشر بأن كل الحلول لا جدوى منها إذا لم تناسب شروطها التعجيزية -التي لا يمكن بأي حال من الأحوال قبولها لا أخلاقيا ولا سياسيا - التي ترفع أسهمها، وتعلي أسقفها، وتحصرها في : "تنحية الحكومة الجديدة، وعودة مرسي باسم الشرعية بديلا عنها " ..

فكيف بالله عليك - الكلام موجه لمحاورنا المتشنج -يمكن أن يجري أي كان، حوارا مع من لا يؤمن بالحوار أصلا أو حتى يستوعب أولى أبجدياته ؟ وكيف يمكنك أن تجري حوارا مع من يستعطف ويخاطب الغرب عن طريق لافتاته التي كان يرفعها في اعتصام ميدان رابعة العدوية المكتوبة باللغة الإنجليزية، لاحتلال وطنه ظلما وزورا وكأن هذا الوطن أرضا مسروقة ومعتدى عليها من قبل نظام آخر غير نظامها ؟

كيف يا ترى يمكنك أن نحاور من أعلن خيانته للوطن حين قال "طز في مصر"؟ كيف تطلب مِن مَن عرّض الوطن وأمنه لأسوأ وأبشع الفتن، حين تخابر مع اعداء الوطن ؟

وكيف يمكنك أن تجري حوارا مع عقول ترى في الحوار مع أي كان إقرارا بأخطائها ؟

وكيف يمكك أن تحاور من يحمل في وجه المصريين السلاح، ويبيح دماء الأبرياء، ويسعى إلى تدمير كل ركائز والوطن؟

أشك في أن ذلك ليس إلا مؤامرة جديدة، وخدعة من خدع الإخوان المتجذرة في القاعدة البنيوية والجسد والعقل الإخواني، والتي لن يقتلعها أي حوار مهما كان، وقد سبق أن نجحت فى ما مضى، أن خدع بها الشعب والحكام مرات، وتلاعبت بأحاسيس البسطاء منهم، ودغدغت مشاعرهم، والتفت على أحاسيسهم بالاتكاء على الدين وشعارات العدالة الاجتماعية والنهضة والإصلاح وخطاب المظلومية التاريخي، والذي اكتسبت به، وبشكل كامل عطف وثقة الملايين من جماهير الشعب المصرى المعروف بميولاته الروحية العقائدية، وثقافته السياسية القائمة على تقديس كل ما يرتبط بالجوانب الدينية، والتي تحاول بها اليوم خداع نفس الشعب ومسؤوليه الجدد، بنفس الأساليب المشفوعة بدموع التماسيح المستهلكة، والتي إذا ما تم وانخدع بها المسؤولون مرة أخرى، وكرروا اخطاء السابقين، وتوقفوا عن مواجهة عنف الإخوان وانشغلوا بسفاسف ولغو الحوار والمصالحة، عن اقتلاعهم وحلفائهم من جذورهم، فعلى مصر الرحمة، لإنهم سيعودون أقوى بكثير .. عبر أجيالهم الجديدة الأكثر عدوانية من السابقة، لأنهم أشبه ما يكونون بتنين "كايميرا" الإغريقي المتعدد الرؤوس، الذي تعود رؤوسه، حسب الأسطورة، إذا لم يتم بترها بالكامل .

إنه لا سبيل لحل أزمة مصر والعالمين العربي والإسلامي، وتخليصهما من مصائب هذه الجماعة التي أشاعت الفوضى والإرهاب، إلا بالتصعيد ومواصلة التفكيك التنظيمى الذي ترك حكم المحكمة به ارتياحًا كبيرًا بين قطاعات عريضة من الشعب المصرى، وتعزيزه بتفكيك فكري لنظريات العنف الذي تدعو لها الجماعة، حتى تكتمل الدائرة، لأنه كما يقول المثل " الذئب ما كان ليكون ذئباً لو لم تكن الخراف خرافا " فالحظر وحده لن يفي بالغرض، لأن التجربة بينت أنه لم ينفع في القضاء على حركة الإخوان ولم يمحها من الخارطة رغم تكراره، حيث كان الحظر الأول على زمن الملك فاروق في عام 1948، والحظر الثانية على زمن الرئيس الراحل عبد الناصر عام 1954، والحظر الثالث على يد حكومة الببلاوي والجيش ..

وفي الختام، وأمام تشنج السيد (س)، أيقنت أن كلامي لن يغير من القناعة التى تشكلت لدية وأمثاله كثير، ليس لأنه إخواني ، ولكن، لأنه كغيره كثير، وقع - في ظل ضياع الحقيقة وتزويرها - فريسة لما يسمى بالانطباع العام الذى فى الغالب ما يؤدى إلى سلوكيات وردود أفعال قد لا تتفق مع الحقيقة الضائعة وسط الصخب الذى تعيشه مصر وغيرها من البلدان العربية هذه الأيام، ونعيشه نحن معها، وتستغله بعض الفضائيات المدفوعة الثمن للترويج للأكاذيب والترهات، ضدا على أخلاقيات الصحافة وقواعد وشرف مهنية الإعلام

حميد طولست

في المثقف اليوم