تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

آراء

كورونا يرفع القناع عن وجه الاستعمار المتجدد

عبد العزيز قريشوَإِنَّمَا الأُمَمُ الأَخْلاقُ مَا بَقِيَتْ *** فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلاقُهُمْ ذَهَبُوا

أحمد شوقي

يعتقد الكثير مثلي بكل سذاجة وبلادة مضافة إلى طبق الاستغفال وربما الاستحمار أن الاستعمار الخشن رحل عن مستعمراته القديمة دون رجعة، وأن ضميره صحا مما كان فيه من جرائم ضد الشعوب والإنسانية، وأنه رجع إلى قيم الإنسانية للتكفير عن أخطائه متخذا صليب حقوق الإنسان ومبادئ وأخلاق المتحضرين طريق تبشير المتخلفين مثلي بغفران خطاياه لقربانه المقدم على مذبحة انقاذه للشعوب المستعمرة منه بتقديم الخبرة العلمية والمعرفة التقنية وتكوين الأطر وتكوين المهنيين وإنجاز المشاريع.. وحتى العلوم الإنسانية مجانا يقدمها بما حمل بعيرها من أحداث وعادات وتقاليد؛ فهي الحضارة التي يجب أن نعتمدها في المسير نحو التقدم والتحضر والمدنية والتصنيع والخروج من التخلف.. والحياة كلها. حياته بكل تفاصيلها ومفاصلها هي جنة الدنيا التي يجب أن نقتاد إليها بحمد حسناته وشكر تفضله علينا بالأنسنة التي يتمتع بها بعدما مسرح كل القيم الإنسانية وبنى لها مسارح وركح وأنظمة عالمية عاجزة عن الإشارة إلى حفدته المجرمين القتلة، بله إدانته. فهي أقنعة لأسوء نفاق ديبلوماسي في العالم وأخطر سم في النظام العالمي ملفوفا بالسلوفان ومحشوا في علب ذات نهكة علامة " التحرر والاستقلالية وبناء الديمقراطية في عالم الإنسان البدائي " طبعا أنا الإفريقي والعربي والمسلم نمثل كل لوحات إشهاره. أما هذا المستعمر القابع وراء قبعته ومعطفه وعكازه، والجالس في حديقة قصره على أريكته المصنوعة من عرقي، ومن تعب أجدادي وأحفادي، يحتسي قهوته المنهوبة من أدغال أمريكا اللاتينية، يتصفح جديد تصاميم ملابسه المتساوقة والفصول الأربعة على صفحات كبرى مجلاته التجارية. يلهب بها مشاعر وأحاسيس المراهقين ويقودهم إلى واد عميق صداه يتردد بين جنبات ضفاف المجهول. فهو الاستعمار الذي صدر لنا الصناعات والسلع والطائرات والسفن والأقمار الاصطناعية والحاسوب والرقميات، وحتى الدواء يرخص لنا بإنتاجه وتقليده، ونحن في ذلك من التابعين نتمنى أمانيه، ونحلم بأحلامه.. هكذا؛ هي الأمور تسير في عالم المقهورين..

الاستعمار الخشن أظنه بعد رحيله تحسنت حاله وغدا يمد يده لمستعمراته السابقة، وأضحى بعيدا عن النهب المباشر للثروات وسفك الدماء، لكن الحق غير ذلك لأنه تستر تحت عباءة الاستعمار الناعم الذي غرس فينا عقد النقص وكوى وعينا بأننا عاجزون عن الفعل وأي فعل، حتى باتت تمشي خطوات أقدامنا على خطواته، وهو يسبقنا متبخترا كالطاووس ظنا منه بأن أدمغتنا مختلفة عن أدمغته، وأن التفكير والإبداع خصيصة عقله فقط. ونسي المسكين أن الفرق يكمن في الإرادة والعزيمة، وأن الإرادة تحد، والعزيمة ركوب الصعوبات والتحديات وسبر للمجهول وخلق وإبداع. ألا يعلم أن عقل الآخر المختلف عنه، له نفس التركيبة الدماغية ويفكر في كثير من الأحيان أفضل من عقله؟ ألا يعرف معرفة المعتقد أن مراكز البحوث في أغلب الدول الغربية هم من الأجانب؟ أليس أحد رؤسائهم في زيارته للهيئة الطبية المرابطة ضد كورونا لم يكون منهم أحد من أهل البلد؟.. علامات استفهام تتناسل في وجه هذا المستعمر المخرب لا المعمر.. لقد جاءك أيها المستعمر وباء كورونا COVID-19 ليعري أشجار توتك من كل أوراقه، وعقلك من الأفكار المثالية المتعالية المدغدغة للمشاعر والموهمة أنك أرقى إنسانية وأخلاقا وحضارة ممن استعمرتهم وأخضعتهم كرها لإرادتك، وسلبت ثرواتهم وحريتهم، وصيرتهم تابعا. وجلبت لهم استبدادا مقيتا خلفا لك في مجتمعاتهم التي حولها الاستبداد بمعيتك المقرفة (إلى جثة هامدة يستطيع النيل منها كل من أراد من الأعداء المتربصين)[1]. وأنت العدو الأكبر الذي مازال يغتال المستعمرات القديمة بالقوة الناعمة المشكلة من الاستبداد وأعوانه، (من يتحكم في شؤون الناس بإرادته لا بإرادتهم، ويحكمهم بهواه لا بشريعتهم، ويعلم من نفسه أنه الغاصب المتعدي فيضع كعب رجله على أفواه الملايين من الناس يسدها عن النطق بالحق والتداعي لمطالبته)[2]. فــ (يصاب أصحاب القدرات بالسلبية، والتشاؤم، والقلق)[3]. فغدونا في أوطاننا ذلك الإنسان المقهور، وبدون عنف جلي، وبرغبة منا نسعى إلى (الذوبان في عالم المتسلط، ] إلا من رحم ربك، وإلا (يصير الإنسان مستبدا صغيرا في كنف المستبد الأعظم)[4][ بالتقرب من أسلوبه الحياتي وتبني قيمه ومثله العليا. وهو يرى في ذلك التقرب وهذا التبني حلا لمأزقه الوجودي وارتقاء لكيانه إلى مرتبة ترضيه وتبث في نفسه الكبرياء. وهو يبذل طواعية كل جهد ممكن في هذا السبيل متنكرا لمصالحة الحقيقية، التي تكمن في التغيير الجذري للعلاقة والبنية الاجتماعية التي تستند إليها. وتخلق هذه العملية حالة عنيدة من مقاومة التغيير، إذ لا يعود الإنسان المقهور يرى أمامه من مثال حياتي ومن معيار لتحقيق الذات سوى أسلوب حياة الإنسان المتسلط وقيمه ومثله العليا حتى أنه لا يكاد يقتنع في دخيلة نفسه بشعارات المساواة والمشاركة والعدالة والديمقراطية والإخاء التي تنادي بها ويقاتل من أجلها. نرى دليلا على ذلك في رغبة الإنسان المقهور الذي تحول إلى مقاتل في أن يحيى حياة الإنسان المتسلط من حيث الترف ومظاهر الوجاهة ووسائل الرفاه والظهور، إنه منجذب نحو تلك القيم والمظاهر، بقوة يصعب على الإنسان العادي مقاومتها)[5]. لكن هيهات، ما عدنا ذلك الإنسان إلا الغافلون منا؛ فقد أصبحنا أحرارا في تفكيرنا، ومستقلين في رؤيتنا إلى عالمنا، وإن كان اعتقاد بعض عليتنا وعلتنا بك مازال قديما كقدم أعمارهم، وبلاء عقولهم وتلف خلايا أدمغتهم بداء الزهايمر، ومحدودية رؤيتهم وفقدان التفكير السترجي لديهم. إننا نحن الذين الآن نعمر لك مراكز بحوثك وجامعاتك، فلا تنس أن تفكيرنا يضاهي تفكيرك على الأقل إن لم يكن أكثر.

وها نحن في زمن كورونا دفعتنا قلة أخلاقك أيها الاستعمار إلى البحث العلمي نستقي منه المعرفة والعلم، فأضحى الاختراع والإبداع سياقا طبيعيا يتزامن مع كرونا، واستبقناك في وضع الخطط والبرامج الوقائية منه، والآليات والأدوات في محاربته من اختراعنا بميسم " صنع عربي/إسلامي ". وها هو تضامننا وتكافلنا جليا مقابل خبثك ومكرك ونفاقك، فقد استأصل كورونا بمشرط الوقائع والأحداث والواقع منظومة قيمك إلى الأبد من عقل الإنسان الموضوعي العارف بحقائق الأمور. لقد ظهر الوجه الحقيقي لدولك الاستعمارية التي ما عادت لها قيمة تذكر في زمن كورونا. فهذه تريد احتكار الدواء قبل اختراعه، وتلك تريد تجريب فرضياتها الافتراضية للدواء على الإنسان الإفريقي، وأخرى أحجمت عن مساعدة دول من جنسها، وعظمى في الجسم صغيرة في العقل لم ترفع عقوباتها عن دول بل زادت في درجتها مع كورونا للضغط والاستفزاز، وبيدق لك يصول ويجول فينا نحن العرب والمسلمين بطشا وقهرا رغم ابتلائه بهذا الوباء الخبيث خبثك.. كثيرة هي الوقائع التي برهنت بصدق عن ادعائك الأخلاق. فأنت ثعلب ماكر مزدوج الخطاب بل متعدده، تكل بمكيالين، وتزن بميزان مصالحك، حيثما كانت كان مكيالك وخطابك. فالحقيقة كيف لاستعمار يتعامل مع المغتربين لديه بعنصرية فاجرة مفضوحة، ومع غيرهم من غير أصله بنكران حقوقهم والتضييق عليهم في معيشهم وأعمالهم وشغلهم ولو كانوا من أبنائه ولادة واستقرارا، ولا يعرفون أوطانا غير تلك التي ولدوا وازدادوا فيها؟ فكيف من يرحل المغتربين مصفدين ومعصبي العيون إلى بلدان الاستبداد وهو مرتاح الضمير، ويعلم علم اليقين أنهم سينالون إكرامية الاستبداد السخية، أن تكون له قيم أو أخلاق يحكمها في التعامل مع الغير؟ كل حكيك فراغ في فراغ، هي الندية والتقدم والقوة الوحيدة التي تعترف بها. لذا، فكرورنا دفعنا درجة نحو العلم والمعرفة والبحث العلمي نرتقي بها في سلم التقدم دون منة منك. فكورونا؛ وإن كان مصيبة ففي طيها ولبها نعمة، احتوت ألف سؤال نحو الاختراع والإبداع، ومعرفة حقيقة الاستعمار الناعم ودسائسه. فلنا الآن آلاف مشاريع البحوث في الدواء، وفي التقنيات والأجهزة، وفي الوقاية منه والتصدي له، وفضلا عن ذلك لنا معرفتنا وخبرتنا وتجربتنا التي اكتسبناها من خلال التصدي للفيروس. واستبقناك في تصنيع بعض الحاجيات من قبيل الكمامات وأجهزة التعقيم، وأجهزة الكسف.. فيمكنك أن تشتري منا كل ذلك وبأثمنة مناسبة لا كتلك التي تصدرها لنا بأثمنة باهظة الثمن وقليلة الجودة! وكم زورت تواريخ السلع المنتهية الصلاحية لأجل الربح!؟.. فأنت استعمار عمرت طويلا في بلادنا عبر أدواتك المسخة المستبدة المتسلطة التي تسيء إلى أوطانها بنهبه والاستعلاء على خلقه تعالى عبر تكوين إنسان مقهور بئيس نتيجة كي الوعي بالقهر والتبخيس والحط من قيمته الإنسانية وتعجيزه وتقعيده وتثبيطه. وعبر غسيل الدماغ، ومسح الذاكرة والتاريخ، حتى يصبح أسير الاستبداد، و(أسير الاستبداد، فيعيش خاملا خامدا ضائع القصد، حائرا لا يدري كيف يميت ساعاته وأوقاته ويدرج أيامه وأعوامه، كأنه حريص على بلوغ أجله ليستتر تحت التراب)[6]. ولكن أيها الاستعمار بدأنا نخرج من عباءتك الوسخة النتنة التي تحمل كل معاني الرداءة والتردي الأخلاقي والإنساني؛ فكيف لإنسان متحضر أن يحتجز طائرة مساعدات طبية عن بلد يدعي صداقته في زمن كورونا؟ كيف لإنسان يدعي منظومة حقوق الإنسان يزود إنسانا أبله أعته بأسلحة لقتل أخيه الإنسان في زمن كورونا؟! ألا يكفيه فيه هذا الوباء الخبيث؟.. لقد بدأنا نعي دورنا في مجتمعاتنا وقيمتنا الإنسانية والمسؤولية الملقاة على عاتقنا نحو أوطاننا في التقدم والتطور، فظهر جزء منها على سطح نعم كورونا علينا رغم بأسه الشديد على أجسامنا ونفوسنا وأعمالنا واقتصادنا ودراستنا وفلاحتنا، وعلى علاقاتنا الاجتماعية التي زادت تضامنا وتكاملا وتضافرا، وعلى حياتنا بصفة عامة. في زمن كرونا اكتشفنا أننا قادرون على الفعل، ولم نعد نتكل على الاستعمار في شيء، لأن الحاجة أم الاختراع كما يقولون. وما أحوجنا إلى تعويد النفس على التساؤل واقتحام المجهول وخوض التحدي والمبادرة والابتداء بالفعل كما فعلنا اتجاه كورونا.. لا كما فعل الاستعمار مع شعوبه وناسه حيث (يقول الدكتور سكوت جنسن أن الجمعية الطبية الأمريكية American Medical Association "تشجع" الأطباء الآن على زيادة عدد الوفيات الناجمة عن الفيروسات التاجية في جميع أنحاء البلاد. تلقى جنسن وثيقة من 7 صفحات تبيّن له كيفية ملء شهادة وفاة توجّه بتشخيص أي حالة وفاة بأنها بسبب COVID-19 حتى عندما لا يكون هناك اختبار معملي يؤكد التشخيص. تحدد ميديكير Medicare الآن أنه إذا كان لديك دخول مريض مُصاب COVID-19 إلى المستشفى، فسيحصل المستشفى على 13000 دولار. وإذا وُضع مريض مصاب بفيروس COVID-19 على جهاز تنفس اصطناعي، فسيحصل المستشفى على 39000 دولار، أكثر بثلاث مرات. لا أحد يستطيع أن يخبرني بعد 35 عامًا في عالم الطب أن هذه الأنواع من الأشياء تؤثر على ما نقوم به )[7].

في زمن كورونا، لم يعد لحقوق الإنسان قيمة، ولم تعد المدنية والحضارة تعني شيئا، ولم تعد الأخلاق عملة متداولة في سوق الصحة، وإنما هو الانحطاط القيمي للاستعمار الذي طغى على القول والفعل؛ فالتنصل من المسؤولية أصبح كرة تقذفه أمريكا في وجه الصين، وتحملها مسؤولية تفشي الوباء وتسمه بالكورونا الصيني، ولا تهتم بما يجري لمواطنيها، ودفع رئيسها بمناصريها إلى الخروج للشوارع مسلحين لكي لا يطبقوا الحجر الصحي.. وهناك من يتهم أمريكا نفسها بإجراء تجارب أدت إلى الوباء، وتتستر عن فعلتها. فلم يبق للقول من مصداقية لاختلاط الحابل بالنابل، وهو جزء من سقوط قيمة الصدق في القول من منظومة القيم الغربية، وعنوان عن فشل تدبير الأزمة عالميا لما لهذه الدولة " العظمى " من مركز متقدم في قيادة العالم ترغيبا وترهيبا. فهي أبانت عن تخلفها عن أصدق حلفائها الغربيين حين تركتهم يواجهون الوباء والمصير لوحدهم حتى تدخلت الصين بأيد بيضاء بالمساعدات الطبية وغيرها، ورفع علمها في أكثر من دولة غربية إزاء إرسال كوبا طاقما طبيا متعدد المكونات لمساعدة الغرب. فترى هل بقي للغرب بصفة عامة ولأمريكا بصفة خاصة من دم وجه لمقابلة الأصدقاء؟ أما من تصفهم وتصنفهم أمريكا في خانة الأعداء فحدث ولا حرج، وتتبعها في ذلك السفاهة السياسية العالمية في تشديد الخناق في زمن كورونا على " الأعداء " من هم في خط معاكس لأمريكا وقيمها اللاإنسانية. فالغرب رسب في امتحان كورونا في مقابل نجاح بعض الدول غير الغربية التي يصنفونها في الذيل في التصدي للوباء، ومحاصرته في مهده، ولم تذهب مضاعفات ونواتج ومخلفات البلاء إلى الكارثة التي عاشتها دول غربية كانت تدعي وتزعم التقدم العلمي والتقني والتكنولوجي والرقمي.. ورغم هذا مازال بعض زعماء الغرب يطلعون علينا كل يوم بأقوال ومواقف ورؤى جديدة تشكك في قدراتنا ونجاعة خطواتنا، مسوقين لأدوية بالية أتبت التجارب والنتائج والواقع محدودية مفعوليتها تجاه كورونا، حيث يمكن اعتبارها مسكنات للمرض في أحسن الأحوال. فالغرب في هذه النازلة خلته أنه يريد تفشي المرض حتى يخلصه من العجزة وضعاف المناعة والمرضى بالأمراض المزمنة الذين يستهلكون الميزانيات الكبيرة والضخمة في الرعاية الصحية والاجتماعية، وهم لا ينتجون شيئا بمقياس العمل والمردودية رغم أنهم عندما كانوا شبابا أو بالصحة والعافية أنتجوا وقدموا لبلدانهم الشيء الكثير. فهو العقل النفعي يوظف القاعدة الداروينية " الانتخاب الطبيعي/ البقاء للأصلح " Sélection naturelle على ناسه حتى يتخلص منهم ويستفيد من تلك الميزانيات والخدمات في مجالات أخرى إن فعل. وكأني به لا يعترف بخدماتهم وقيمتهم في المجتمع. فهذا ما توحي به تلك التدخلات التي قام بها الغرب سيميولوجيا على الأقل. أما التحليل النفسي لا يمكنه تفسير ذلك إلا بالسادية تجاه الإنسانية. فآلاف الموتى عبر العالم والمئات عبر الغرب لا يمكن الحديث عنهم إلا بالأسف الشديد لعدم وجود خطط احتياطية في نطاق ما يسمى إدارة الأزمات، وما دور مراكز البحوث في الغرب إن لم يكن مؤشر توقع الأمراض مرتفعا عندها، وتتكهن بكل جديد بتوظيف علم المستقبليات؟ وماذا يفعل لديها علم الطبيعة وعلم الأحياء، وعلم الأوبئة..؟ أليست هي التي تدعي بأنها استباقية في علمها وعملها؟!.. في الواقع أجد الغرب مجدا وفاعلا في مجال الأسلحة والرقميات والتكنولوجيا والتقنيات.. الخاصة بها، وهو كل يوم يطلع علينا باختراع جديد لأنه يجد في هذا المجال الاستغناء والتوحش الاقتصادي والتخول العسكري للسيطرة والابتزاز والاستعمار وتدمير الشعوب لأجل النهب والسرقة ليبني سعادته على تعاسة الآخرين. انظر ماذا فعل الغرب قديما وحديثا بالشعوب العربية والإسلامية أم يعمل على تخلفها وتأخرها؟ ألم يمنع عنها العلم والمعرفة المتعلقة بالمجال العسكري والصناعي؟ ألم يحطم كل بادرة ونبتة تظهر هناك أو هنا تستهدف الامساك بالمعرفة العلمية في مجالات معينة ومحددة؟ ألم يضرب البارحة المفاعل النووي العراقي وهو مازال جنينيا؟ ألم يقتل العلماء ويخرب العراق ويجتمع عليه بعديد دوله وعتاده، ويعثو فيه فسادا حتى أخره مآت السنين، وأرجعه إلى خلف الحضارة؟ ومازال يخرب ويقتل أبناء العراق! مدعيا أنه يساعدهم في محاربة الإرهاب الذي جاءهم به وهو على رأسه! وقس على العراق أفغانستان وسوريا وليبيا.. والبارحة جرب النووي في الجزائر وأباد مليون وأزيد من الشهداء.. كيف يخرج هذا المستعمر عن طبيعته الإجرامية إلى مراقي الإنسانية؟ لا أعتقد أنه فاعل ذلك ولا يستطيع فعله لأن السادية متأصلة فيه وقابعة في جلده ونفسيته وتركيبته وبنيته الجسمية والعقلية. فلا يزايد علينا في الأخلاق والقيم الإنسانية ونحن أهلها أكثر منه وبآلاف السنين، فإن زايد علينا في مظاهر الموجودات الطينية أو الحجرية أو الحديدية، وله اعترافنا بذلك؛ فلا يزايد علينا في المدارج السلوكية للعربي والمسلم الأصيل الأخلاقية. ولعل ما يقدمه له بعض أبنائنا من خدمات جليلة في مختلف المجالات الحياتية بما فيها العلمية دليل على إنسانيتنا وعلى أخلاقنا العالية التي تعاطفت مع شعوبه في محنة كورونا.

أعتقد في الأخير علينا أن نراجع أنفسنا وسياساتنا وعلاقاتنا مع هذا الغرب وفكره الاستعماري المتغلغل في ذاته، بما يمنحنا الثقة في النفس والاستقلالية في القرارات والإرادة في الفعل، والنظر إلى أوطاننا نظرة مخالفة لما قبل كورونا. فهذه الأوطان وشعوبها تستحق الأفضل من مداخل الإنسانية في مختلف مجالات الحياة وحقولها المعيشية. فنحن لسنا أقل ممن يستصغرنا ويحط من قيمتنا وقيمنا، ويعتبرنا مجرد سوق لاستهلاك سلعه المتنوعة والمختلفة، ويتخذنا خدما في ضيعاته وحقوله لجني مزروعاته وكنس روث بهائمه، وبنائين لناطحات سحابه، ومرتزقة لديه في كثير من أماكن الحروب، نموت بدله؛ وقد مات بعض آبائنا فداء له ولم يعرهم أية قيمة معنوية أو مادية، من عاش منهم فقد تقاضوا أبخس الأثمان عما قدموه من تضحية وفداء عند تقاعدهم، ولم يدمجهم في نسيجه الاجتماعي إلا قهرا وبعد نضال طويل مرير وعبر سنين طوال.. فيجب أن لا نكون مثل آبائنا وأجدادنا يستغلنا الاستعمار الناعم والخشن على حد سواء ولو كنا معدمين فقراء. الموت أشرف لنا من الاستغلال والاستغفال والاستحمار بدل العيش على فتات الموائد السامة. فنحن الذين صنعنا الاستعمار حين انسحبنا من الحضارة بنشر الخرافة والاستبداد والقهر والفقر بيننا وفي شعوبنا، ورجعنا إلى الوراء بمسوغات إيديولوجية وعقائدية لا تمت إلى الدين الحقيقي بصلة. فليس هناك دين يدعو إلى الانزواء والاختلاء والانسحاب من الحياة ومواجهة تحدياتها باسم العبادة! ولا يوجد دين يزعم عيش الحاضر بعقلية الماضي وتقاليد وعادات الآباء والأجداد والسلف؟ فتلك خرافة يمقتها الدين الإسلامي الذي يدعو إلى التفكر الدائم في الكون لاستكناه قوانينه ودساتيره التي أودعها الله جل وعلا فيه التماسا لتوظيفها في الحياة الإنسانية لصنع تقدمها وتطورها. فلو فكرنا قليلا مثلا في حديث الذبابة لتساءلنا بمنطق العالم والتفكير العلمي عن السبب في غمسها في الإناء حتى لا تؤذينا، لأن في جناحيها الداء والدواء؛ لاكتشفنا علما كبيرا خاصا بالفيروسات والأوبئة وكيفية محاربتها، واخترعنا الأدوية والمبيدات إلخ. وها هو العالم المصري الدكتور عبد الباسط محمد الباحث بالمركز القومي للبحوث التابع لوزارة البحث العلمي والتكنولوجيا تمكن (من الحصول على براءة اختراع دوليتين الأولى من براءة الاختراع الأوروبية والثانية براءة اختراع أمريكية وذلك بعد أن قام بتصنيع قطرة عيون لمعالجة المياه البيضاء استلهامًا من نصوص سورة يوسف عليه السلام من القرآن الكريم . وكانت بداية هذا البحث من القرآن الكريم حيث قال :"ذلك أنني كنت في فجر أحد الأيام أقرأ في كتاب الله عز وجل في سورة يوسف عليه السلام فاستوقفتني تلك القصة العجيبة وأخذت أتدبر الآيات الكريمات التي تحكي قصة تآمر أخوة يوسف عليه السلام, وما آل إليه أمر أبيه بعد أن فقده, وذهاب بصره وإصابته بالمياه البيضاء, ثم كيف أن رحمة الله تداركته بقميص الشفاء الذي ألقاه البشير على وجهه فارتد بصيرًا . وأخذت أسأل نفسي ترى ما الذي يمكن أن يكون في قميص يوسف عليه السلام حتى يحدث هذا الشفاء وعودة الإبصار على ما كان عليه، ومع إيماني بأن القصة معجزة أجراها الله على يد نبي من أنبياء الله وهو سيدنا يوسف عليه السلام إلا أني أدركت أن هناك بجانب المغزى الروحي الذي تفيده القصة مغزى آخر مادي يمكن أن يوصلنا إليه البحث تدليلاً على صدق القرآن الكريم الذي نقل إلينا تلك القصة كما وقعت أحداثها في وقتها وأخذت أبحث حتى هداني الله إلى ذلك البحث.. من هنا كانت البداية والاهتداء فماذا يمكن أن يكون في قميص سيدنا يوسف عليه السلام من شفاء؟؟

وبعد التفكير لم نجد سوى العرق، وكان البحث في مكونات عرق الإنسان حيث أخذنا العدسات المستخرجة من العيون بالعملية الجراحية التقليدية وتم نقعها في العرق فوجدنا أنه تحدث حالة من الشفافية التدريجية لهذه العدسات المعتمة ثم كان السؤال الثاني: هل كل مكونات العرق فعالة في هذه الحالة، أم إحدى هذه المكونات، وبالفصل أمكن التوصل إلى إحدى المكونات الأساسية وهي مركب من مركبات "البولينا الجوالدين" والتي أمكن تحضيرها كيميائيًا وقد سجلت النتائج التي أجريت على 250 متطوعًا زوال هذا البياض ورجوع الأبصار في أكثر من 90% من الحالات. وثبت أيضاً بالتجريب أن وضع هذه القطرة مرتين يوميًا لمدة أسبوعين يزيل هذا البياض ويحسن من الإبصار كما يلاحظ الناظر إلى الشخص الذي يعاني من بياض في القرنية وجود هذا البياض في المنطقة السوداء أو العسلية أو الخضراء وعند وضع القطرة تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل أسبوعين)[8] فالأديان تقبل التفكير بكل أنواعه وتدعو إلى الإيمان القائم على العقل لا على التقليد والعادة. فهل نخرج إلى الحياة مسلحين بالعقل والإيمان أم معدمي السلاح من باب التقليد واجترار التخلف؟ فالاستعمار مازال متربصا بنا..

 

عبد العزيز قريش

 ..........................

[1] عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، تقديم: د. أسعد السحمراني، فضاء الفن والثقافة، د.ب.، د.ت.، د.ط.، ص.:20.

[2] نفسه، ص.:41.

[3] نفسه، ص.:20.

[4] نفسه، ص.: 76.

[5] د. مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2007، ط10، صص.: 132 ـ 133.

[6] عبد الرحمن الكواكبي، طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، مرجع سابق، ص.:129.

[7] د. حسين سرمك حسن، فضائح مؤامرة كورونا، صحيفة المثقف، العدد 4981، 25 - 04 – 2020.

[8] الجريدة الآلكترونية " مصراوي "، علاج المياه البيضاء على العين من القرآن الكريم، يوم السبت 25 أبريل 2020، نقلا عن المصدر: بوابة الاهرام الدينية.

 

في المثقف اليوم