آراء

ثورات الشعوب بين القائد والقيادة..

مسار غازيلقد شهد العالم في الآونة الأخيرة  موجة عارمة من الانتفاضات والثورات الشعبية؛ إذ بدأت جماهير من الفقراء الغاضبين الذّين ما عادوا يثقون بأنظمتهم بثورات ذات سمات مختلفة عن تلك التي اندلعت في القرن العشرين؛ ثورات بلا قيادة كما هو الحال في  فرنسا تشرين الأول/ أكتوبر 2018، كتالونيا تشرين الأول/ أكتوبر 2019، الجزائر شباط/ فبراير 2019، بورتوريكو تموز/ يوليو 2019، هونغ كونغ آذار/ مارس 2019، السودان كانون الأول/ ديسمبر 2018، إيران تشرين الثاني/ أكتوبر 2019، هايتي كانون الثاني/ يناير 2018، هوندوراس،، كازخستان، كولومبيا تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، غينيا، باناها، الأكوادور، تشيلي تشرين الأول/ أكتوبر 2019، لبنان تشرين الأول/ أكتوبر 2019. العراق تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وقد وسمت هذه الثورات  من قبل كثير  من المحللين السياسيين والباحثين بأنها ثورات وعي، وأن الوعي هو القائد لتلك الجماهير الثائرة، والمقنن لتحركاتها.

فهل مجرد الوعي كافيًا لقيادة الجماهر؟ وهل مجرد المشاركة الشعبية الكاملة كافيًا لتأتي الثورة ثمارها؟

لقد أثبتت الدراسات الاجتماعية المتقدمة التي عُنيت بدراسة الخصائص النفسية للجماهير أن الحاجة الغرائزية لكل الكائنات التي تنتمي للجمهور أن تخضع لقائد ما . إذا ما اجتمع عدد معين من الجماهير فإنهم يضعون أنفسهم بشكل غريزي تحت سلطة زعيم، والزعيم الحقيقي بحسب رجل الاجتماع (غُستاف لُوبون) هو في الغالب ليس إلا قائدًا يلعب دورًا فاعلا ومؤثرًا، وإرادته هي النواة التي تتشكل حولها الآراء وتنصهر فيها، ويشكل العنصر الأول في تنظيم الجماهير غير المتجانسة فيجعلها في جماعات يقودها. وهو ما اثبتته الثورات الشعبية في القرن العشرين التي أتت ثمارها بالإيجاب لصالح شعوبها، كما هو الحال في ثورة روسيا عام 1917حيث وصلت القوات البلشفية تحت امرة (فلاديمير لينين) إلى المرافق العامة، واطاحت بالحكومة المؤقتة، وفي كوبا عام 1959وصلت الثورة بيخت (غرانما) الذي حمل (82رجلا) بينهم (تشي جيفارا، وفيديل كاسترو، وآخرون)، وهو حال الصين حيث تمكن (صان بات صن) عام 1911من تأجيج عشاق الحرية على أن يشاركو بثورة تطيح بأسرة المانشو والنظام الامبراطوري، وتأسيس جمهورية حديثة. أما إيران فقد وصل روح الله (الخميني) بالطائرة من منفاه ليسقط ما تبقى من نظام الشاه(محمد رضا بهلوي). ويشهد تاريخ العراق الثوري ذلك فقد حازت ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني زخمًا عندما امتدت إلى المناطق ذات الأغلبية الشيعية في الفرات الأوسط والأدنى. وكان الشيخ (مهدي الخليصي) من أشهر القادة الشيعة للثورة.  والشيخ محمد الخزرجي من اشهر الشيوخ الكرد الذي اعلن تمرده على القوات البريطانية في الشمال.

فقيام أي حراك من دون منهجية واضحة أو أهداف مرسومة، ومن دون قيادة وبرنامج بديل يكون كمن يمشي في الظلام من دون دليل، فضلا عن أن كل ثورة لها ثورة مضادة تنطلق مع انطلاق الثورة بوصفها الأكثر تضررًا من هذه الثورات فتسعى جاهدة_ أي الثورة المضادة_ لإحباط الثورة وإفشالها ولعل من اليسير لها ذاك بسبب عدم انتظام صفوف الجماهير تحت راية قيادة تنسق أفعلها وتستنبط التكتيك في العملية الثورية، حتى تستطيع أن تحوّل القوة  إلى فعل نافع، ومن ثم إلى نتائج تصب في مصلحة الجماهير، وهذا يقودنا إلى القول إن أي حراك جماهيري من دون قيادة مثله مثل جيش بلا هيئة أركان وقائد، وهل إن جيشا كهذا حتى لو كان بالملايين، وبأحدث الاسلحة يكون مهيأ لخوض أية معركة ؟

 

د. مسار غازي

 

 

في المثقف اليوم