آراء

مهدي الصافي: الفتن الطائفية والاثنية في المجتمعات البدائية

مهدي الصافيالخلافة الراشدة.. الامويين والعباسيين.. المذاهب والفرق الاسلامية.. الاعراق العرب والفرس والترك والاكراد والاقليات

يعد عصر الحضارة الالكترونية الفضائية الحالي محطة الانطلاق نحو اللحاق بأطراف القرية الكونية (العالمية الانسانية الحضارية) لدول العالم الثالث (او العالم الذي نطلق عليه بالرابع وهو معني بالدول المضطربة الفاشلة البدائية)، هناك دول اقليمية وحتى عربية وضعت اقدامها على الطريق الصحيح للتنمية والنهوض من ركام الماضي واثاره، والابتعاد عن المراكز المتأخرة في التصنيف الدولي للدول الفقيرة او الفاشلة (اصبحت داخل دائرة الدول الناشئة او النامية)،

مع ان بعضها لديه مشاكل وازمات داخلية نائمة (كمشكلة الاقليات العرقية والاثنية غير المندمجة تماما في دولة الامة، ولها تأريخ يعد منفصلا عن تأريخ تشكيل الدول الحديثة اثناء فترة الاستعمار والترتيبات التي تمت بعد رحيله)،

ولكنها تعمل بجد على تحويل النظرة الاجتماعية الداخلية الى الدولة ليس على اساس عرقي او طائفي، انما على اساس الازدهار الاقتصادي والتنمية الوطنية الشاملة الناجحة، على غرار تجارب الدول المتحضرة الحديثة، المتعددة الاعراق والاديان والثقافات (امريكا وكندا واستراليا وبعض دول اوربا)،

الا ان تجار الدين والحروب يعملون عكس ذلك، فتجارتهم لاتزدهر، الا بأثارة الفتن والنزاعات والخلافات التاريخية الميتة

 (الفتنة نائمة لعن الله من ايقظها)

ذكرنا في عدة مقالات ومنشورات سابقة ان الاسلام دين بلا مذاهب، وان المتابع لمسيرة نشوءها يراها مجرد محاولات واجتهادات شخصية، انحرفت كثيرا وتغيرت بمرور الزمن عن الاسلام المحمدي الاصيل، واصبحت دكاكين للمتاجرة وكسب الجاه والسلطة الاجتماعية الدينية والمنافع المادية،

وبالاخص بعد انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي، وسقوط عدد من الانظمة الشمولية، فتم استغلال الفرصة بفتح بؤر ارهابية ممولة من عدة دول ومنظمات وجماعات انتهازية، لتنفيذ اجندات خارجية ومشاريع امبريالية خبيثة في المنطقة،

هذه الجماعات الارهابية المأجورة تقاتل في عدة جبهات، وتحت رايات وشعارات واباطيل عقائدية سلفية وهابية خارجة عن الدين والفطرة والاخلاق الانسانية،

تارة تقاتل الشيعة وتعتبرهم مرتدين، وتارة اخرى تقاتل من يختلف مع توجهاتهم من اهل السنة والجماعة، بأعتبارهم مرتدين ايضا، لانهم اعوان للحاكم الكافر (لانهم لايؤمنون بمحاربة الحاكم المسلم الظالم احيانا، لهذا يبحثون في قاموس التكفير عن فتاوى تكفيرية لاضفاء شرعية على اعمالهم الاجرامية)،

رد الفعل هذا ينتج اثارا طائفية قريبة من افكارها، لكنها في الجبهة والخندق المقابل، فمع وجود ولاية الفقيه في ايران (دولة الحاكم والفقيه والرأي الواحد المقدس)، دفعت الفرق الشيعية الصغيرة الضالة الى اقتباس جزء من منظومة التكفير الوهابية الداعشية، حتى بات لدى المسلمين مدرسة ارهابية للتدعيش، او مانطلق عليه بالدعشنة السنية الشيعية

 (ليس السنة فقط يمتلكون امير للجماعة، الان اصبح كل رجل شيعي معمم له اتباع، يمكنه ان يدعي انه مرجع مجتهد واجب الطاعة، حتى لو كان عمره لايسمح له بهذا الادعاء، لعدم وجود مؤسسات دينية معنية بهذا الاختصاص)،

بعض هذه الفرق الشيعية هي طقوسية مغالية، قد لا تملك فتاوى تكفير علنية، لكن المتتبع لخطابها المنبري يجد انها تكفر من لايؤمن بعقائدهم (من السنة والشيعة)، استغلت حالة الفوضى وغياب سلطة الدولة وتسيد الاسلاميين الشيعة بعد 2003في حكم العراق، فجاءت جماعات منها (من ايران وسوريا والكويت ولبنان وبقية المنافي) لتعيد تأسيس تواجدها في بلاد المذهب الجعفري الاثني عشر،

وقامت بالفعل بفتح مدارس وحسينيات خاصة بها، وزجت بمواكبها الطقوسية الغريبة في مراسم عاشوراء (مواكب التطبير وضرب السلاسل والتطيين والكلاب والرقص على انغام اللطميات الخ.)،

وبدأت الان تختلق قصص واحداث تاريخية لاثارة الفتنة الطائفية، لاستعادة التخندق والتموضع الاجتماعي المذهبي، وزيادة شعبيتها داخل حضيرتها المفككة بعد انطلاق ثورة تشرين الشبابية،

التي ساهمت بنشر ثقافة الوعي السياسي، بتحمل المسؤولية الوطنية والاخلاقية الكاملة لاستعادة الوطن من ايدي الفاسدين واعداء البلد،

وهي متحالفة اي هذه الفرق المنحرفة ضمنا مع الاسلام السياسي الفاسد (الشيعي والسني)، الذي يعتبر الاصطفاف الطائفي تجربة ناجحة لبقاءه في السلطة والهيمنة عليها،

لهذا هم اقرب اليها من المؤسسات الدينية الرصينة، وهي حالة غير مسبوقة من تداخل المصالح المتبادلة فيما بينهم (كما تفعل الحكومات عبر تخصيص اموال طائلة في الموازنة لمؤسسات الوقف او غيرها) .....

المذهب الجعفري الشعبي انحرف بعيدا عن الاصولي العقائدي، وكذلك المذهب الوهابي السلفي هو ايضا بات لايمثل المذاهب الاسلامية الاربع، بل خارج عليها (ومكفر لبعضها احيانا)،

الاصول العقائدية الشيعية هي اجتهادات اسلامية محمدية علوية فقهية، اذ من النادر جدا ان يتطرق مرجع شيعي حقيقي الى الخلافات المذهبية، الا بمايخدم التقارب والالتقاء وتقليل الاحتقان والاحقاد واخماد الفتن الطائفية،

 (وكذلك عند المدارس الاسلامية السنية المعتدلة)، حيث ذهب البعض منهم الى انكار ورفض ماذهب اليه بعض مراجع الشيعة المغالين ايام العهد الصفوي (رفض بعض ماجاء في مجلدات الشيخ المجلسي)،

بينما ازدات في الاونة الاخيرة قوة التشيع الجعفري الشعبي في الشارع (فرق الاخبارية والشيخية والعلوية النصيرية والحسنية والزيدية والاسماعيلية والشيرازية، والمهدوية الجديدة، الخ.)،

التي تعتمد في برامجهها على خطباء المنابر الحسينية (الروزخون) والرواديد، وكتاب الروايات المختلقة،

وهؤلاء شريحة وملة قادرة على ابتداع دين، او مفاهيم شيعية شعبية جديدة، وتمريرها او اشاعتها بين اتباعهم، وبين الطبقات المسحوقة بسهولة (كما يحصل في ظاهرة بناء المراقد المجهولة الاصل، او اطلاق طقوس المشي من المحافظات الى المراقد المقدسة، او بدعة مسيرات تشييع الائمة السنوية الخ.)،

وهي تسبب حرج كبير للمدرسة الجعفرية العقائدية الاصيلة

 (وقد تسببت بالفعل بهذا الامر في ايران الاسلامية من قبل، وللامانة وقف السيد الخميني رحمه الله بحزم ضدها، وكذلك السيد الخامنئي، الا انها تتعكز على شماعة المذهب وضرورة حمايته ونشره، واحياء لسنة ال البيت ع في تذكر قصص الاضطهاد والتصفية الخ.) ....

المذهب الجعفري الشعبي هو شريك الوهابية السلفية في احياء الفتن الطائفية،

 ما الداعي وما الحاجة الى اعادة تكرار احياء الخلافات والتوترات الاسلامية الاولى، بعد ان تحولت الدول والمجتمعات الى الحياة العصرية المتحضرة،

هذه الامور التاريخية مكانها الجامعات والكليات التراثية المعنية بهذه المجالات وتلك الاختصاصات....

لماذا يعاد ذكر احداث السقيفة والخلافة الراشدة امام العامة،

اين الحاجة الفقهية او الضرورة الشرعية لهذه الاحاديث والروايات (المشكوك بصحتها)،

ماذا يستفيد الفلاح والعامل والكاسب والانسان البسيط من لعن معاوية او السيدة عائشة او ابوجعفر المنصور، او هدم قبر ابو حنيفة او غيره، !

اذا كان القول من اجل التذكير بمظلومية ال البيت ع،

ولكن هل من انجازات وثورات العلويين وال بيت الرسول محمد ص هي توارث قصص المظلومية،

ام هي كانت دعوة خالصة لوجه الله تعالى لاستعادة الاسلام المحمدي المستغل سياسيا من قبل الامويين ثم العباسيين تحت راية الخلافة الاسلامية الكاذبة،

 (اني لم اخرج أشرا ولابطرا ولا مفسدا ولاظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي ص)،

الغاية والهدف هو الوصول بالمسلمين الى درجة الايمان،

لماذا يغيب القران الكريم وتفسير اياته من فوق تلك المنابر، مقابل الضخ الهائل للروايات والغيبيات الاسطورية الشعبية،

هناك كم هائل من الاسئلة؟

التي يجب ان يسألها كل شيعي او مسلم حول هذه الظاهرة المتخلفة، اي الانطواء والانغلاق والتراجع والعودة الى الماضوية،

وامامهم الادلة الكافية عن اسباب تقدم الامم والشعوب العلمي والحضاري، بعد ان تخلت اغلبها عن فكرة التوقف طويلا عند بوابات التراث المقدس الثقيل، وجعلته ارثا حضاريا انسانيا محترما، لايمكن استحضاره واسقاطه بالمجمل على الواقع،

او فرضه بالقوة على الحياة الاجتماعية الطبيعية الحالية،

فالتطور العلمي وفق الرؤية الاسلامية السليمة هو نتاج الارادة الالهية والعقلية الانسانية المفكرة،

فهل يعقل او يقبل ان الله عزوجل ينقل البشرية الى هذه النقلة النوعية التاريخية التكنولوجية، ثم تأتي جماعة معينة معاندة تريد العودة بهم الى جهنم الحياة القروية البدائية!

المنطقة العربية والاسلامية امتزجت فيها الاعراق والطوائف والثقافات والاقليات منذ القدم، في تداخل وتشابك ونسيج اجتماعي وثقافي وديني متوارث،

كيف يمكن لاهلها ان تتقبل وجود تلك الاصوات المنافقة النشاز، المطالبة بأعادة ترتيب الاوضاع على تلك الاسس البدائية الهمجية، في حين ان اغلب دول العالم تتجه الى بناء دول تنموية متعددة الثقافات والحريات والاديان (وهذا الامر ينطبق ايضا على الدعوات التركية باعادة احياء الامبراطورية العثمانية او حدود ولاياتها السابق، وكذلك عودة امتدادات النفوذ للامبراطورية الفارسية او النظام الملكي السابق)

حيث نرى في المقابل هناك اصوات اخلاقية علمية تدعو الى اعتبار ان الدين الاسلامي دين سماوي ثالث، معترف به في دول الاتحاد الاوربي او هو يعد جزء من الهويات الاجتماعية الحديثة في تلك الدول (بعد انطفاء ثورة الاسلاموفوبيا) ...

البيئة (طبيعة الارض وموارد الدولة، تركيبة المجتمع قبليا او طائفيا او عرقيا، المهن والحرف والصناعات، الحضارة والتاريخ والتراث، الفكر والادب والفنون والابداع، التاريخ السياسي الحديث واثاره، الاستعمار والغزو الثقافي، واليوم تعد للثورة التكنولوجية تأثيرات مهمة في البيئة الاجتماعية، الخ.)

والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية النسبية، والطاقات الانسانية الفكرية والابداعية المحلية، هي عوامل رئيسية في بناء شخصية الفرد والامة، تصاعد قوة هذه المقومات الاجتماعية يمنع هيمنة قوى التجهيل والتطرف على الشارع،

وتضعف كثيرا امام تحالف الانظمة الفاسدة مع القواعد الشعبية الانتهازية، وتختفي تماما عندما يلتحق بهذا التحالف الاسلام السياسي (وتجار الدين)، لانها تدخل في منعطفات ومسارات عقائدية خطيرة، لاقدرة لها على مواجهتها او الصمود طويلا امامها (لان سلاح الحكم بالتكفير، بالردة او الالحاد او ازدراء الاديان كافية لاثارة الحمقى، لتنفيذ الحدود كما يدعون) ...

وهذه ظاهرة اجتماعية عالمية (البيئة وتأثيراتها في المجتمع) مع الفارق، اي عندما ارادت الامبريالية الرأسمالية العالمية خلق ازمة صدام الحضارات، بدأت بعد احداث 11 سبتمر الارهابية في الولايات المتحدة الامريكية، استطاعت الماكنة السياسية والاعلامية المأجورة ان تغطي مساحات شعبية واسعة حول العالم، وان تصنع صورة هائلة عن الارهاب الديني المزعوم عن الشعوب المسلمة (لازالت تبعاتها قائمة حتى الان، وان خفت حدتها كثيرا)،

وتمكنت بالفعل من اقناع الملايين من الشعوب الغربية (المفترض انها متحضرة) برواياتها الاحادية المتطرفة،

مما سمحت دون قصد بنشر الاسلام وتعاليمه السمحة، فأرتد مكرهم عليهم،

من جهة اخرى لم تتوقف عجلة التقدم في تلك البلدان، او ترجع الى البدائية كما يحصل في بلادنا من حين لاخر، لان المقومات الاساسية للبيئة الاجتماعية، ومنظومة القيم الانسانية والاخلاقية والفلسفية والعلمية الراسخة، استطاعت ان تعيد الاوضاع والاسس العقلانية الى مسارها الطبيعي، وان تمسك بزمام المبادرة لاستعادة الوعي الشعبي من حالة التغييب، واخراجها من النفق المظلم المحصورة فيه (من بقايا تلك الظاهرة السلبية صعود الاحزاب اليمينية المتطرفة في الغرب) ...

الدولة والنخب من المفكرين والمثقفين تقع على عاتقهم مسؤولية كبيرة، لابعاد المجتمع عن الصدام، وعن اية افكار او ممارسات اودعوات طائفية او اثنية لاشعال الفتن والحرب الاهلية، بالتثقيف المستمر لمخاطر تلك التوجهات، وبالتشريعات القانونية المتشددة تجاه اصحاب تلك النوايا السيئة،

فالدولة او الوطن لم يعد ضيعة او قرية او ارض لطائفة او عرق، انما هو البيت الكبير لكل من يحمل جنسيته او يقيم ويعيش على ارضه..

فكل دعوة لاحياء الخلافات التاريخية وان كان اساسها عقائدي او عرقي هي سهام مسمومة لزعزعة الامن والسلم الاجتماعي، لابد من التصدي بحزم لها..

والشيعة كما السنة ليس عليهم واجبات شرعية في اعادة الترويج للسرديات التاريخية،

لاحداث ومجتمعات وشخصيات مر عليها قرون طويلة، او اعتلاء المنابر وادخال البسطاء من الناس في دوامة الصراعات المذهبية، والتحشيد الطائفي، او ابعادهم عن احتياجاتهم الروحية الاسلامية والايمانية الفعلية...

الاسلام

القران الكريم والسنة النبوية والايمان بما جاء فيهما،

الصلاة والصوم والزكاة

الحج والامر بالمعروف والنهي عن المنكر

لاضير ان تكون عند الشيعة عقيدة الامامة كما عند السنة عقيدة الصحابة العدول، ولكن ماذا تحتاج امتنا او شعوبنا ودولنا اليوم، مذاهب او اسلام محمدي اصيل معتدل،

فبلادنا من اسوء البلدان،

فساد مالي واداري واخلاقي،

لايرى اية انجازات او تطبيقات عملية للاسلام في الشارع،

هناك فشل وجهل وعصبيات قبلية وعشائرية واثنية،

وانتشار للامية والبطالة، وزيادة نسبة التوحش والجرائم وتعاطي المخدرات، والظلم والفقر والتحرش الجنسي واغتصاب الاطفال، والمتاجرة بالبشر واعضاءهم، والهجرة، الخ.

اين ذهبت قاعدة الاولويات والضرورات امام هذه الكوارث السياسية والاجتماعية....

بالعلم والمعرفة، وبالابتعاد عن المحاكم التاريخية والماورائيات، ومسلسل تأنيب الضمير اوالشعور بعقدة الذنب، والاستعلاء الاجوف من اننا احسن الامم، وبالعودة للعقل والمنطق والعمل المنتج، وبالاسلام الثابت والمتغير عقليا وعلميا، يمكن ان يجد الناس طريقا معبدا صالحا من بين هذه الطرق الوعرة المحيطة بهم..

ان لايسلم المسلم عقله ورقبته لتجار الحروب والازمات والصراعات الدينية او الاثنية المسيسة...

 

مهدي الصافي

 

 

في المثقف اليوم