آراء

المونديال والعاطفة الكروية

مع بدأ مونديال كأس العالم في قطر، وبشكلٍ مواز، بدأت موجة التشجيع، أو ما شئت سمّها، التشجيع وحمى التحليل على مواقع التواصل والتعبير بطرق كثيرة، مختلفة عن حبّنا وخيبتنا في فرق ما أو لاعبين.

لكن ما لفت انتباهي كثيرا هو دوافع التشجيع، وصلاتها الوثيقة احيانا بقناعات الناس العقائدية والسياسية.

وقد يتشعب الأمر إلى تشجيع مناطقي وقومي وعرقي ولا اعرف ماذا بعد!

أما تشجيع الفرق التي تلعب بشكلٍ جيد فلا أعتقد أن له وجود سوى مع القلة القليلة التي تلتمس الجمال والقوة في خطة لمدرب أو حركة للاعب يهاجم أو يدافع أو يمرّر الكرة.

أما الأغلب الأعم فهو يشجع بطريقة عاطفية ما يشعر أنه يتناغم مع معتقده الشخصي، وقناعته.

إن هذه الحالة التي تتجلى بوضوح في هذا الكرنفال الرياضي، هي أيضا موجودة ربما أقل وضوحا في الأدب وربما أمور أخرى تشمل الفن بأنواعه، فترى من الصعب على الشخص العادي الذي يكره سياسات إيران، أن يعجب بأداء فريقها الرياضي مهما لعب بشكل جيد، أو يتذوق الأدب الفارسي، أو الدراما أو السينما. كما إن الذين يكرهون سياسات أوروبا تراهم يشجعون فرقا أخرى تكون سياسات دولهم أكثر تماشيا مع قناعاتهم. الذين يكرهون سياسة أردوغان مثلا، لا يطيقون أي شي يتعلق بتركيا، لن يعني لهم ناظم حكمت شيء مثلا ولا أغاني إبراهيم تاتلس. إنهم في الحقيقة يفضلون أدبا وفنا وكرة لدولة يحبونها! ولكم أن تضربوا من الأمثلة ما شئتم بهذا الخصوص.

برأيي إن فشل الإنسان في عزل قناعته الشخصية عن رؤيته المنصفة لمكامن الجمال في آداب الشعوب وفنونها ورياضتها، يمثل عجزا إنسانيا واضحا، وسطحية لا مثيل لها. لأن خلط توجهات الدولة وسياساتها على صعيد الحكومات مع إبداع الأفراد في المجالات الإنسانية هو مغالطة كبرى يقع فيها كثير من الناس، ومردّه إلى تسلّط العواطف على العقل، وغلبة المشاعر على المنطق والبصيرة. نعم لا يمكن إنكار أنه ليس بمقدورنا دائما غض النظر عن مشاعرنا، فكيف لنا أن نتصور التأثر بالمطلق ببعض الذين تورطوا بدمائنا على سبيل المثال؟! لاشك وجود بعض الحواجز النفسية التي تفرضها طبيعة النفس البشرية، لكن حتى هذه لن تصمد طويلا أمام واقع رؤية الجمال، فهل أن القاريء الياباني لن يرى الجمال في كتابات فوكنر؟ على خلفية القنبلة النووية؟

أو إن أوروبا لن ترى الجمال في الأدب الألماني أو الروسي؟ والأمثلة لا حصر لها.

إن نظرة بسيطة على مواقع التواصل على هامش المونديال تكشف لك حجم العاطفة التي تكمن خلف تشجيع الفرق وكيف تحكمت السياسة في أمزجة وذوق الناس، بدرجة تجعلك تشعر أن هذه الفعاليات تفرق الناس أكثر مما تقربهم. لكن رغم كل شيء، هناك جمال وحماس لا محدودين، حتى خلف هذه الفوضى، فثمة فرصة للشغف والمرح والعبث البريء.

***

تماضر كريم

في المثقف اليوم