آراء

لماذا لم تضرب مصر سد النهضة رغم قدرتها

هناك أسباب قوية جعلت مصر لم تضرب مصر سد النهضة رغم قدرتها، وقد قال من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي:" لا يستطيع أحد أن يأخذ نقطة ميه من مصر وإلا عاوز يجرب يجرب"، وهذه الجملة قد لقيت ترحيباً شديد من قبل كثير من المصريين، وكان هذا موقفاً واضحاً من موضوع سد النهضة، وبمناسبة أخري طلب الرئيس "السيسي" من المصريين أن يتوقفوا من فائض الكلام غير المفيد في موضوع سد النهضة .

وفي الأيام الماضية رأينا وزير الخارجية المصري الأستاذ سامح شكري، قال أن الممارسات الأحادية الأثيوبية فيما يتعلق ببناء سد النهضة، تمثل تهديد مباشر لأمن مصر القومي، وانتهاك للقانون الدولي، والسؤال الآن لماذا لم تضرب مصر سد النهضة حتى الآن؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من معرفة بعض الحقائق المهمة عن موضوع سد النهضة تخزينياًً، ودبلوماسياًً، وعسكرياًً، ففيما يخص التخزين، فكلنا يعلم أن التخزين الأول، كان في يوليو عام 2020، وقد حجز الأثيوبيون حوالي خمسة مليار متر مكعب، والتخوين الثاني كان في يوليو عام 2021، وتم حجز ثلاثة مليار متر مكعب، فيكون حاصل الجمع ثمانية مليار متر مكعب، ثم التخزين الثالث وكان في العام الماضي 2022، فتم تخزين ثلاثة عشر مليار متر مكعب فيكون حاصل الجمع 22 مليار متر مكعب، وأما التخزين الرابع وكان من المفترض أن هذا العام في يوليو المقبل، والذي كان يجب أن يصل بموجبه التخزين حوالي 30 مليار متر مكعب، وهكذا كل عام، حتى يتم الوصول لحوالي 74 مليار متر مكعب حاصل التخزين النهائي، وهو السعة الكاملة لخزان السد.

وأما دبلوماسياً، فقد حدثت جولة مفاوضات أخيرة بشأن الحد خلال الأسبوع قبل الماضي، وقد شارك عدد من الخبراء من الدول الثلاثة: مصر، والسودان، وإثيوبيا، والنتيجة النهائية لا جديد كما يقول الدكتور معتز عبد الفتاح، ولكن مصر من ناحية أخرى تريد أن تأخذ الموضوع إلى مجلس الأمن مجدداً، وذلك لإخباره أنه من أن دعوتمونا كي نتفاوض مع بعضنا البعض، فحتى الآن لم نستطيع التفاوض، ولهذا تحاول القاهرة التحرك دبلوماسياً بسرعة، وذلك لأن إثيوبيا تسعي لاستمالة السودان تجاهها إثيوبيا في الفترة الأخيرة عرضت معلومات مفصلة على الخرطوم بشأن علية الملئ الرابع والذي ستتم في يوليو المقبل، وذلك كي تستعد السودان لعملية الملئ الجديد بالشكل الذي يجنبها أي مخاطر، أو تداعيات سلبية، ولكن الخرطوم من جانبها رحبت بالخطوة الإثيوبية، ولكنها لم تقل ولم تتحدث بما كانت تقوله من ذي قبل، بأن لا بد من أن يكون هناك تمسك بربط كل الأحداث المتعلقة بالملئ حسب إتفاق قانوني ملزم ما بين الدول الثلاث، وهذا هو المطلب والذي كانت مصر والسودان متمسكين يه .

وأما عسكرياً فهناك سؤال مهم وضروري أن نقوله هنا وهو: هل السلاح اللازم لضرب السد موجود؟..

والإجابة .. نعم، فالسلاح موجود، والخطة موضوعة، ومناطق ضعف السد والذي يمكن ضربها معروفة، ومن جهة أخرى فإن استخدام السلام محظور، وتكرار الحديث عن ضرب السد يمثل إحراج للدولة المصرية، وهي لا تريد ذلك، وذلك لأنها لم تزل في مرحلة ضبط النفس، وسياسة النفس الطويل، والدبلوماسية الهادئة مع الأصدقاء والأشقاء بما فيهم الإثيوبيون .

ولكن هل من بديل عسكري آخر أمام الدولة المصرية؟، وبمعني آخر هل لو قلنا بأنه لا توجد دبلوماسية هادئة، ولا ضبط النفس وخلافه بحيث يخول لنا اللجوء إليه؟، وماذا لو أقدمت حكومة إثيوبيا بشكل مباشر على تعطيش الشعب المصري والدولة المصرية؟

اعتقد مع الدكتور معتز عبد الفتاح أن ملف سد النهضة سيتحول ملف سد النهضة من وزير الخارجية سامح شكري، إلى وزير الدفاع المصري الفريق محمد زكي وزير الدفاع، مع المحاذير التالية، وأعتقد أنها تمنع مصر حتى الآن من توجيه ضربة عسكرية خاطفة:

أولاً: هل السودان يوافق على إنطلاق طائرات الرفال، والسوخوي، والـ f16 من قاعدة المروة العسكرية، بوصفها أقرب قاعدة من إثيوبيا لضرب السد.

ثانيا: وعلى فرض أن السودان ترفض ذلك، ولكن مصر تستطيع توجيه ضربة عسكرية للسد بدون مساعدة السودان، وذلك لأن هناك كثير من الطائرات المصرية، والتي تم استيرادها حديثاً، تستطيع أن تطير حالي 3،700 كم متر، والمسافة من قاعدة " برنيس" والقريبة جداً من الحدود المصرية السودانية، والمسافة بينها وبين سد النهضة تساوي نصف مدي قدرة الطائرة، بحيث إذا أُتخذ القرار السياسي لهذا الاتجاه .

ثالثا: ولكن لا يمكن أن تتجاهل الدولة المصرية تجاهل السودان بوصفه سريك مصري أصيل في المنافع والخسائر، وذلك من الناحية العسكرية قبل الدبلوماسية، وقانونياً، ولهذا فإن هناك ما يقلق الدولة المصرية من كلام الفريق أول الركن " عبد الفتاح البرهان"، حينما قال خلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي " أبي أحمد" للسودان في الأسابيع الماضية، حيث قال بصريح العبارة " السودان، وإثيوبيا، متفقان، ومتوافقان، حول كافة قصايا سد النهضة، وهذه معناه كما يفهم أن السودان تتعامل الآن مع إثيوبيا، باعتبار أنهما متقاربان على حساب مصر، والحقيقة في نظري أن هذه قضية كبيرة مما يجعل مصر تعيد التفكير في الموضوع كله.

رابعاً: إن الضرر لم يقع تماماً على مصر، رغم أن الملئ يكاد يصل إلى ربع السعة التخزينية للسد وهذا الدي قاله وزير الموارد المائية المصرية الدكتور " هاني سويلم" ن حيث قال:" مصر لم تتأثر بالملئ الثالث لسد النهضة (وهو الذي كان العام الماضي)، والذي وصل بالمياه المخزنة أمام السد إلى 22 مليار متر مكعب بسبب مفاجأة لم تحدث منذ حوالي 115 عاماً من ذي قبل، ولهذا قال بصريح العبارة:" حدوث فيضان كبير أدي بأن تحصل مصر على مياه لم يسبق لها مثيل " ... وهنا يكون السؤال: في حالة إذا ما ضربت السد والعالم كله سألها: ما الذي أغضبك كي تضربين السد؟ .. وهنا يكون قد الرد ردها:" وذلك لكونه يضر بأمني المائي" .. ولكن كيف يضر أمنك المائي وقد وصل إليكِ كمية مياه ضخمة جدا ولم تخطر بيالك منذ 115 بشهادة وزير الموارد المائية الخاص بكي؟ .. ولهذا السبب كان صعب على مصر من توجيه ضربة عسكرية مباشرة لسد النهضة .

خامساً: القضية ليس في عملية توجيه ضربة عسكرية مباشرة لسد النهضة، ولكن ماذا عن تداعيات تلك الضربة؟... فهل مصر مستعدة أن ترتكب تبعيات الضربة العسكرية ؟.. اعتقد صعب على مصر فعل ذلك، وذلك لأن الضرر المتعلق بالتعطيش الحقيقي لم يقع، ومن فالمتربصون بمصر سيقولون الآن تم اصطياد مصر، وهنا توقع على مصر عقوبات شديدة، لا سيما وأن إثيوبيا بمعايير إفريقيا تمثل دولة عظمي، ففيها يقع مقر الاتحاد الإفريقي، ومن ثم لا تستطيع مصر أن تقع في عداء مباشر مع إثيوبيا وحلفائها الأفارقة بدون دفع تكلفة كبيرة، ولهذا على مصر قبل أن تقدم على أي عمل عسكري أن تفكر في جيدا في أنه لا بد من إقامة الحجة الكاملة:سياسيا، ودبلوماسيا، وقانونيا، وأخلاقيا، قبل الإقدام على توجيه ضربة تكتيكية للسد، وذلك لإخراجه من الخدمة، وليس لتدميره كاملاً، وهذا لن يتم إلا بإثبات أن مصر في حالة دفاع شرعي عن النفس، وأن ضرب السد جزئياً لن يسبب كارثة للخرطوم، ولهذا السبب لابد من أن نحسب هذا الأمر بدقة متناهية، ولهذا علينا أن نجعل باب مفتوحاً باستمرار، خاصة وأن إثيوبيا قد تراجهت عن ملئ السد خلال ثلاث سنوات كما كانت تعتزم ذلك، ونحن الآن قد وصلنا حوالي أكثر من سبع أو أكثر في تفاوض، ولم يتم ملئ السد حتى لمجرد 25 مليار متر مكعب، وهي بهذا تقول للعالم (وأعني هنا إثيوبيا) أنا أرعي احتياجات مصر والسودان، ولا أتعسف في استخدام حقي، ولهذه الأسباب فإن التفكير في الضربة العسكرية الجزئية ستكون تكلفتها الأكيدة أضعاف أي مكسب محتمل مهما كان.. وللحديث بقية...

***

الأستاذ الدكتور محمود محمد على

أستاذ الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط المصرية

في المثقف اليوم