آراء

كريم المظفر: الجزائر ترسخ الشراكة الاستراتيجية مع روسيا

هي الأولى من بعد 15 سنة، أختتم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الى روسيا، زيارة له بدعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، استغرقت ثلاثة أيام، وكانت، حضر خلالها منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي 23، والمشاركة في منتدى الأعمال الروسي الجزائري، والتقى بكامل قادة روسيا - رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، ورئيس مجلس الاتحاد فالنتينا ماتفينكو ورئيس مجلس دوما الدولة فياتشيسلاف فولودين، ودشن الرئيس الجزائري، نصبا تذكاريا لمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر، في مدينة موسكو الروسية.

واهمية اللقاء بين الرئيسين، انعكست بشكل كبير على حفاوة الاستقبال التي أقيمت للرئيس الجزائري، والتي أقامها الرئيس الروسي في واحدة من اهم قاعات الكريملين، وهي قاعة سان جورج، وتأكيد بوتين خلال الجزء الأول من المحادثات بشكل ضيق، أهمية تلك الزيارة، ووصف الجزائر بأنها أحد شركاء روسيا الرئيسيين في العالم العربي، بعدها عقد أيضا اجتماع في شكل موسع، بحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أيضًا، ما ترك انطباعا لدى المراقبين، الى ما يشير أن هذا اللقاء لم يكن بعيدًا عن مجرد مناقشة التعاون الاقتصادي، بل ان الامر يتعلق بالتعاون العسكري بشكل خاص بين البلدين.

وبعد محادثات ضيقة وممتدة، وقع بوتين وتبون إعلانًا بشأن تعميق الشراكة الاستراتيجية، وتتحدث الوثيقة عن أشياء كثيرة: من مكافحة تزوير التاريخ إلى التعاون في مجال التكنولوجيا النووية، ووقعت وزارتا الخارجية اتفاقية تعاون في مجال الاتصال الجماهيري، وزارة الثقافة - بشأن الشراكة للسنوات المقبلة، وتم اعتماد مذكرات تفاهم وتعاون بين وزارة البيئة الروسية، ووزارة الهيدروليكا في الجزائر، وبين وزارتي العدل في كلا البلدين.

والنتيجة الرئيسية للزيارة الحالية هي إعلان الشراكة الاستراتيجية العميقة الذي وقعه الرؤساء، والذي، بحسب ميخائيل ميشوستين، سيمثل انتقال التعاون الروسي الجزائري إلى مستوى نوعي جديد، حيث تغطي الوثيقة 16 مجالاً، بما في ذلك السياسة والتجارة والاقتصاد والجمارك والمالية والمصرفية والطاقة واستخدام باطن الأرض والتعاون العسكري التقني ومكافحة الإرهاب والجريمة، كما واتفقت روسيا والجزائر على عدم الصداقة ضد بعضهما البعض، واتفق رئيسا روسيا والجزائر على رفع مستوى العلاقات إلى شراكة إستراتيجية متعمقة في الاقتصاد، والتركيز على توسيع التعاون في جميع المجالات، وليس فقط في المجال العسكري.

وخلال المفاوضات أعربت موسكو عن استعدادها للمشاركة في مشاريع مشتركة في الجزائر، "بما في ذلك تلك المتعلقة بالاستخدام غير الطاقي للتقنيات النووية - على سبيل المثال، في مجال الطب أو في مجال الزراعة"، وقال الرئيس بوتين " ناقشنا أيضا التعاون في المجال العسكري التقني "، كما تنفتح آفاق جيدة للتعاون التجاري في صناعة السيارات والنقل والهندسة الزراعية، وأضاف الرئيس الروسي ان "الجانب الروسي مستعد ليس فقط لتوريد المعدات وتنظيم خدمات ما بعد البيع، ولكن أيضا لتوطين الإنتاج في الجزائر وتدريب المتخصصين الجزائريين المتخصصين".

أما الرئيس الجزائري، فهو الاخر اكد أهمية الزيارة، التي تأتي كرسالة " استمرارا لدعم الجزائر لروسيا "، رغم الضغوط الدولية التي تمارس عليها، فان العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وموسكو على مدى 60 عاما، كفيلة بان تصد هذه الضغوط، وقال تبون ان هذه الضغوط " لا يمكن أن تؤثر أبدًا على علاقاتنا"، وانه من بين الأولويات، خص تبون دخول الجمهورية إلى البريكس (قدمت طلبًا في نوفمبر 2022)، والتسويات بالعملات الوطنية والوضع في ليبيا - "إنها صديقة لروسيا والجزائر، لذلك نريد دائمًا الاستقرار في هذا" دولة"، ووعد تبون بتعزيز التعاون متبادل المنفعة في جميع المجالات، وطلب من المستثمرين الروس الأنتباه للجزائر، حيث تم خلق مناخ ملائم للعلاقات التجارية، وحسب قوله، كانت المحادثات في الكرملين صريحة وودية، وتتطابق وجهات نظر البلدين في جميع القضايا تقريبًا.

وفي المجال الاقتصادي فان الجانبين عبرا عن اهتمامهما الكبير بتعزيز التعاون، وقال وزير التنمية الاقتصادية مكسيم ريشيتنيكوف في المنتدى "نحن مهتمون للغاية بإبرام اتفاقية للتجارة الحرة للسلع مع الجزائر"، كالصناعة والطاقة والجيولوجيا واستخدام باطن الأرض والنقل والخدمات اللوجستية، وحدد المجالات الممكنة لتوسيع التعاون، وأكد الوزير أهمية الارتقاء بالتفاعل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية، وللقيام بذلك، تحتاج إلى "إعداد مدفوعات متبادلة" و"تجارة آمنة من قرارات دول ثالثة".

ووفقا للمحللين إن مثل هذا الحجم من الأسلحة المشتراة، يجعل الجزائر الشريك العسكري الرئيسي لموسكو في القارة الأفريقية، ويعمل بوتين على تعزيز هذا التعاون، واجتماع رئيسي الدولتين عزز نفوذ روسيا ليس فقط في إفريقيا، ولكن أيضًا في جامعة الدول العربية وحتى في البحر الأبيض المتوسط، كما يعتقد ليونيد ريشيتنيكوف، اللفتنانت جنرال جهاز المخابرات الخارجية في الاتحاد الروسي، كما وتحتل الجزائر المرتبة الثالثة بعد مصر والمغرب، من بين الشركاء التجاريين الرائدين لروسيا في إفريقيا، كما تعد الجزائر ثالث مستورد للأسلحة الروسية بعد الصين والهند، وبعد بدء العملية الخاصة في أوكرانيا، تعرضت البلاد لضغط دبلوماسي من الغرب، يطالبها بقطع العلاقات مع روسيا، لكن الجزائر لم تفعل ذلك، وتقدمت أيضًا بطلب للانضمام إلى البريكس في نوفمبر 2022.

واتفق معه ستانيسلاف ميتراخوفيتش، الخبير البارز في الصندوق الوطني لأمن الطاقة، والمحاضر في الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي، الذي أشار إلى أن أوروبا تحاول بنشاط التزود من الجزائر بالغاز كبديل للغاز الروسي، ومع ذلك، يعمل بوتين على توسيع قدرة روسيا على التأثير في سوق الطاقة، فالجزائر هي واحدة من أكبر موردي الغاز إلى الاتحاد الأوروبي، والسياسيون الأوروبيون يحاولون إقناعها بزيادة إمدادات الغاز، ومع ذلك، يمكن لروسيا، بالتعاون مع هذا البلد العربي، الدفاع عن أفكارها حول "لعبة الغاز"، والتأثير على تكلفة الموارد، " ودولنا تتعاون في أوبك بلس ومنتدى ناقلات الغاز، وهناك أيضا خطط لبناء منشآت نووية في الجزائر".

وأكد أليكسي زودين، كبير المحاضرين في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية التابع لوزارة الشؤون الخارجية في الاتحاد الروسي، أن بوتين التقى رئيس الجزائر في سياق انضمام البلاد المرتقب إلى البريكس، وعلى حد قوله، فإن الرئيس الروسي وجه ضربة حساسة لدول غير صديقة، فهذا الاجتماع له سياق سياسي عالمي، حيث يتزايد أعين أمام الجميع، دور دول البريكس في الاقتصاد العالمي والسياسة العالمية، وتسعى الجزائر إلى اتباع طريق التنمية السيادية، وهذا المسار غير مقبول للغرب والولايات المتحدة، ولكن على الرغم من الضغوط، فإن العلاقات بين موسكو والجزائر تزداد قوة .

بسبب تقليص الجزائر للإمدادات إلى السوق الإسبانية، لموقفها الداعم للمغرب حول قضية الصحراء الغربية، نقلت الجزائر هذه الكميات إلى إيطاليا، مما سمح للأخيرة أن تعلن في عام 2022 أنها اتفقت مع الجزائر على "استبدال الغاز الروسي"، لكن لا توجد زيادة في إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب من الجزائر إلى السوق الأوروبية ككل، أما بالنسبة للغاز الطبيعي المسال الجزائري، فستعتمد آفاقه طويلة المدى أيضًا على بيئة الأسعار في أوروبا والأسواق البديلة، وربما على الاتفاقيات بين روسيا والجزائر في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز.

وفي ظل الظروف الحالية، يمكن لروسيا في المستقبل أن تعرض على الجزائر، إن لم يكن تقسيمًا كاملًا للأسواق، التنسيق في مسائل اتجاهات التصدير ذات الأولوية، والتصدي لمحاولات الدول الغربية لإدخال آليات للحد من أسعار الغاز، ومكافحة التمييز ضد الغاز، من قبل السياسيين الأوروبيين كمصدر للطاقة، كما ان روسيا لديها مقترحات للجزائر بشأن الطاقة النووية والزراعة، بالإضافة إلى ذلك، دعمت روسيا والاتحاد السوفيتي في وقت سابق الجزائر في القضية الحساسة المتعلقة بالصحراء الغربية، لذلك الزيارة جاءت أيضا لتأكيد الموقف الروسي تجاه هذه القضية.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم