آراء

عبد الباقي قربوعه: (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)

هل أحسنت إسرائيل الاستثمار في هذه الأفضلية؟

بنو إسرائيل منذ قديم الزمن لا يعتمدون في توتيد2 نفوذه جنسهم على الأرض، ولا يستندون في توطين كيانهم وانتشار تجارتهم ورواجها إلّا على السحر والإشاعة والدعارة والمكائد، هذه حقيقة يعرفها الله سبحانه ويعرفها أنبياؤه ورسله صلوات الله وسلامه عليهم، ويعرفها أيضا الراسخون في علم الأديان والكتب السماوية، خصوصا اليهود وسلوكهم اتجاه الله واتجاه الأنبياء والرسل من جنسهم أو من جنس غيرهم من الأمم الأخرى، ولو أعاد الله بعثهم مرة ثانية لاصطفوا رجلا واحدا لمحاربة اليهود دون غيرهم لأنهم منبع الشر والفتنة، هذا ما تصالحت عليه جميع الشرائع والأعراف من جميع البشر عربا وعجما، وهذا ما يحدث الآن امتدادا لهذا التاريخ البشع من رغبتهم في تدمير كل من ليس له صلة عرقية بالجنس اليهودي، تحت مقولة نابعة من تاريخ جاهلي قديم انطلاقا من اعتبار أنفسهم جنسا مميّزا على أنهم (شعب الله المختار) في التاريخ القديم زعما، لكنها عنصرية فاشية نازية بالمنظور السياسي الحديث، القيمة التي يقنعون أولادهم بأنها مقدسة، والتي حرفوا لأجلها الإنجيل والتوراة، وعذبوا لتحقيقها وتكريسها أنبياءهم ورسلهم، وتمردوا على الله واتبعوا ما تملي الشياطين لبناء صرحهم وكيانهم الموعود.

ما لهذا الكيان الفاسد المارد لا يفهم ولا يكف عن مكره في جر الإنسانية نحو الدمار، وهو يرى بعينيه الحيّ والجماد من البشر وهوام الأرض، أطيارها وزواحفها وما ظهر وخفي متذمرا رافضا لسلوكه في الحياة، بدليل ما انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وحكاية الغراب الذي أسقط رايته حيث ذهبت بها الرياح إلى ما لا يعرف أحد، إضافة إلى ما يدل عليه الحديث القائل: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم هذا يهودي خلفي، تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود"3.

ليست الشجرة إلّا رمزية مكان وكائن غير عاقل كأداة يستند عليها الراغبون في العصيان والتمرد كدلالة على الشعور بالضعف كالجوع والحاجة إلى الأمن، أمّا من جانبها النفعي فهي أداة من أدوات التخفي طلبا للسلامة مما قد يلحق بالإنسان من الطبيعة كالشمس أو المطر، أو مما يمكن أن يسبب له أضرارا في جسمه، وربما في فقدان حياته مما تخلفه الحروب عادة، بدء من الشجرة التي نهى الله آدم وحواء - عليهما السلام - من الاقتراب منها، هذه الشجرة التي أشاع اليهود بأنها شجرة الخلد مبررين بها خطيئة آدم وحواء، وهم أدرى بأن هذه الحكاية غير صحيحة، فالقرآن الكريم أولى بتشخيص هذه الشجرة وتبيين اسمها، والتعرض إلى جواز الاقتراب منها أو الإبقاء على ذلك الأمر بالنهي، تجاوز النص القرآني ذلك وكذلك الأحاديث النبوية الشريفة لحكمة إلهية، والسؤال عنها مضيعة للوقت لأنها الله أكمل للإنسانية دينها ورضاه لهم كما هو وارد، بخلاف بني إسرائيل الذي كيّفوا الكتب المقدسة حسب أهوائهم ومشتهياتهم.

لكن يراودني الشك انطلاقا من هذه الدلالة في أنها هي (شجرة الغرقد)، لأن اليهود أكثر دراية بعلم البدء الإنساني، وهم يعرفون بأنهم يحتكرون كثيرا من المعارف ذات الصلة بالعلوم المقدسة، إذن العلاقة التي تربطهم بشجرة الغرقد هي دلالة على أنهم حلف قديم للشيطان، وتباعا يرشدنا القرآن إلى أن بني إسرائيل هم الذين اتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان، فكيف فعلت ذلك قديما ولا تفعلها الآن مع تتلو الشياطين على مجلس الأمن الدولي، بدليل تفشّي الظلم في العالم وسقوط دول وعواصم دون وجه حق، إضافة إلى تفشّي وسائل وأدوات الفحشاء وتعذيب الذات من سلاح ومخدرات ومهلوسات، بدليل أيضا ما يجوب العالم من ثورات واحتجاجات مزيّفة لا غرض منها سوى خلط الأمور وإثارة القلاقل وزيادة حجم المشاكل والخلافات الإنسانية وتوسيعها في العالم، لأنهم منها ينتعشون ومنها يتغذّون ويضاعفون ثرواتهم ويقوّون نفوذهم ويُرسّمون حضورهم في كل مكان.

إن كل الدلائل التي تؤكد اقتراب انقراض هذه السلالة البشرية الشريرة متوفرة الآن، لا ينقص إلّا هبة إيمان تطوف فوق رؤوس رؤساء العالم والعالم العربي على وجه أخص، لأنهم الأكثر تضرّرا بدرجة قصوى، وهم الذين يصب عليهم اليهود جام غضبهم كحقد يمتد إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه هو من نشر الدين الذي يفضح ألاعيبهم على حساب الكتب المقدسة التي سبقت القرآن الكريم، من الدلائل اهتمامهم البالغ في غرس شجرة الغرقد، الشجرة التي ذكر الحديث الشريف أنها معهم، وصفة الإمعة هنا تدل على صحبتهم للشياطين وعلاقتهم الوطيدة به، على أن كهنتهم كذبوا عليهم إذ ادعوا بأنها هي شجرة الخلود، وأنه بسببها تاب الله على آدم وحواء وعاود الصعود بهما إلى الجنة، يعني لا يزالون يتبعون ما تملي عليهم الشياطين، وهذه ظاهرة أقبح وأشد خطرا من جاهلية قريش، لأن بني إسرائيل أهل الكتاب وهم أكثر الأمم توافدا للأنبياء والرسل، ويُعتبَرون مرجعية كبيرة للعلوم المقدسة وتاريخ الرمزية الدينية، وكانوا من قبل أمّة الله المفضلة: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}4 ولو أنهم أحسنوا التصرف بهذه الأفضلية المقدسة لاستمروا في قيادة العالم إلى وقتنا هذا، هم يعرفون أنهم أساؤوا التصرف بهذه الأفضلية، فهزؤوا بالله ورسله وأنبيائه والصاحين من جنسهم ومن غير جنسهم، وما قصّة الحواريين إلّا دلالة على حقدهم الدفين الذي يكنونه ضد الحق والحقيقة منذ سالف القرون، لأن الحواريين تلاميذ عيسى عليه السلام من بني إسرائيل، وهم الذي ناصروا الله بقيادة كل الأنبياء الذي سبقوا، فأين هؤلاء الحواريين من عصرنا الحالي، إنهم موجودون وإنهم يحتجون ويعارضون أيضا، ولكنهم مقهورون في تل أبيب وفي كل الدول الموالية لإسرائيل مثلهم المسلمين الثائرين من أجل الحقيقة، ومن المؤكد أنهم الآن في السجون على خلفية أسرار اقتحام المقاومة الفلسطينية للكثير من المستوطنات والثكنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية، وذلك ما يخفيه الكيان الصهيوني ويكتفي بوصفه ثغرات أمنية، والخبراء يفسرون ذلك بالعجز الإستخباراتي، ولله شؤون في ذلك لا يعلمها إلّا الصادقون والذين أودع الله في قلوبهم سر الإخلاص.

واستكمالا لدلائل انقراض هذه السلالة البشرية المؤذية فإن الحديث الشريف شخّص لنا الشجرة، لكنه لم يُشخص لنا طبيعة الحجرة مع أن الدلالة واضحة حيث لم يترك النص المقدس من القرآن والأحاديث النبوية الشريفة شيئا غامضا إلّا وأشار إليه بمفردة واضحة أو برمزية أو مجاز، نتوقف الآن عند المجاز والرمزية، ألا يمكن أن تكون الحجرة هي ذلك الجدار العازل، أليس ينادي المسلمين بأن وراءه يهود على أساس أن لا شيء وراءه إلّا العنصر اليهود، ولم يبق سوى أن يشمر المسلمون على سواعدهم ويذهبون ليقتلوه؟

بنو إسرائيل أنفسهم يعلمون ذلك، ومستعدون لينقرضوا لأنهم يكرهون أنفسهم بسبب جرائمهم التاريخية ضد الإنسانية وضد الأنبياء والرسل، ضد حتى الله سبحانه الذي خلقهم، وقد كتب أنه سيرميه في طغيانهم يعمهون، فهل يوجد عمي أكثر من هذا؟ إنهم يبيدون كل شيء يتحرك على وجه أرض فلسطين، لم يسلم حتى أهلهم من الأسرى وجنود البر والبحر، إنهم يضحون بمائة يهودي ليسعدوا بقتل مسلم عربي واحد، لذلك هم يضربون كل شيء ولو ظهر لهم الله الذي لا يزيد المقاومة إلّا قوّة وبسالة لضربوه، وهذا هو سر ابتكار الثالوث المقدّس، حيث يعتبرون أنفسهم روح القدس حائمة ترعى بني إسرائيل أحياء وأمواتا، فهم لا يقبلون أن يطغى أقنوم على أقنوم آخر، ويعتبرون أن الربّ الأب خانهم حين نزل ونفخ في رحم مريم العذراء، ومن خوفهم على تشتت الأفضلية وذوبان شعب الله المختار في الإنسانية جميعا صلبوا السيد المسيح، ومن مكرهم أشفقوا عليه ليعيدوا حشد الشعب المكذوب عليه في دين غير الإسلام، وأباحوا في هذا الدين كل ما حرّم الله في القرآن ليحيلوا للناس أن الدين الإسلامي دين متشددّ ويقف دون رفاهية الناس وتسليتهم ومتعتهم، وأنه ورشة لصناعة التشدد والإرهاب وكثير من العقد، وأبادوا المسيحية القديمة التي تتوافق مع الدين الإسلامية في مثل هذه المسائل الأخلاقية، لأنهم يكرهون أن تكون توبة المخطئ اتفاقا بينه وبين الله دون واسطة، لأن ذلك يسد الثغرة التي منها يكنزون الذهب والفضة، بمعنى الاستثمار في التوبة تحت مسمى "صكوك الغفران"، وبذلك لا عجب أن تحتل المسيحية الحديثة المرتبة الأولى عالميا من حيث العدد، وتجد من ينفق على توسيع رحابتها من المذنبين وأصحاب الخطايا والعابثين ومدني الخمر والفاحشة، بل وينشرون معسكراتهم في كل أنحاء العالم لحمياتها بذرائع كثيرة منها حماية الديمقراطية والمصالح العامة ونشر الحريات في العالم.

***

عبد الباقي قربوعه - كاتب جزائري

.......................

1) سورة البقرة الآية 47.

2) مولّدة من كلمة وتد.

3) أخرجه مسلم.

4) سورة البقرة الآية 47.

في المثقف اليوم