آراء

عبد السلام فاروق: السقوط فى جحر الديك!

لم يكن ما حدث فى "حجر الديك" بقطاع غزة من قتل لعدد كبير من الجنود الإسرائيليين هو الرد الوحيد على تصعيد الحرب، رغم أنها كانت مقتلة هائلة؛ حتى خرج أحد الإسرائيليين على قناة عبرية يؤكد استقبال مقبرة هرتزل لعدد من الجنود بلغ 50 جندياً فى 48 ساعة بمعدل جندى واحد كل ساعة!

لكن التصعيد حدث فى جبهة المقاومة بالتزامن، فبدلاً من العمليات الفردية السابقة بدأت المقاومة تتحرك فى مجموعات. وبدلاً من استهداف عدد محدود من الآليات، تضاعف عدد الآليات المعطوبة يومياً حتى وصلت النسبة لنحو 15 آلية يومياً.

صحيح أن نقاط الاقتحام ازدادت، وانضمت للمحاور السابقة مرتكزات قتالية فى جباليا والزيتون ومناطق الوسط، إلا أن الاقتحامات تحدث دون فرض سيطرة على مناطق الاقتحام، بل إن الانسحابات المتتالية من مناطق المرحلة الأولى تشى بغياب الهدف الاستراتيجى للجيش الإسرائيلي أو انعدام قدرتهم على تحقيقه.

وبفرض تحقيق السيطرة على تلك المناطق، فهى مجرد شوارع خالية تحوى أبنية مهدمة، ولا يمكن بحال من الأحوال تحويلها إلى نطاق آمن (buffer zone) لأن المقاومة تعود إليها بين حين وآخر لتنفيذ عمليات نوعية.

مقبرة هرتزل تتكدس

وإذا كانت مقبرة هرتزل قد تكدست بالجثث كما جاء فى الإعلام العبري، فماذا عن عشرات المقابر الأخرى، كم عدد الجثث الإسرائيلية بها؟ إذ أن من الواضح أن الإعلام العسكرى الرسمى للجيش الإسرائيلي يكذب. وقد تم فضح أكاذيبه فى أول وأسرع تحقيق أجرته صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مؤكداً أن الطيران الإسرائيلي هو الذى قصف مهرجان غلاف غزة، منعاً لحصول المقاومة على أسرى أو رهائن. وأن ذلك القصف تسبب فى مضاعفة خسائر إسرائيل البشرية إلى المئات، بالإضافة لما صحب هذا القصف من تدمير لمنشآت وسيارات ومهمات.

بعض التقديرات وصلت بحجم الخسائر البشرية فى صفوف الإسرائيليين منذ السابع من أكتوبر الماضى إلى ما يزيد عن ألفى قتيل! وقد تم تدمير نحو نصف عدد الآليات المشاركة فى الحرب فى مرحلتها الأولى، والتى تمت بفرقتين عسكريتين، ما يعنى أن المركبات المدمرة قد يصل إلى نحو خمسمائة مركبة حتى الآن!

الحديث يجرى داخل الكابينت الإسرائيلي حول تقليص عدد جنود الاحتياط، لأن تكلفة إعاشتهم وتسليحهم باهظة، خاصةً بعد أن لجأ الكيان الإسرائيلي لاقتراض مبلغ 6 مليارات دولار لإكمال مهمته الحربية. ما يعنى أن الاقتصاد الإسرائيلي يتداعى يوماً بعد يوم. غير أن الضربة الأكبر التى تلقتها إسرائيل هى الضربة القادمة من أقاصى الجنوب..من جماعة الحوثى فى اليمن!

اغتنام سفينة!

فوجئ العالم بما طارت به الأنباء أن جماعة الحوثى نفذت تهديدها باستهداف السفن الإسرائيلية والأمريكية المارة بجوار اليمن عبر مضيق باب المندب. وأنها استطاعت الاستيلاء على سفينة تُدعَى (جالاكسي ليدر) يمتلكها رجل أعمال إسرائيلي وهو عضو عامل فى أحد معاهد الأمن فى إسرائيل. تحركت السفينة من تركيا متجهة إلى الهند حيث تم استهدافها بالقرب من السواحل اليمنية، وطريقة استهدافها غاية فى الغرابة والغموض، فقد تم الهجوم عليها عن طريق طائرة هليكوبتر تقل عدد محدود من الجنود المسلحين الذين سيطروا فى البداية على قمرة القيادة، ثم اتجهوا لباقى أجزاء السفينة التى تم اقتيادها إلى مكان مجهول. ثم أعلنت جماعة الحوثى احتجازها لعدد يبلغ 52 من أفراد طاقم السفينة لاستجوابهم وربما لمفاوضة الجيش الإسرائيلي فى إطار حربه الهمجية على قطاع غزة!

تلك الخطوة التصعيدية الخطيرة أتت فى أعقاب الإعلان الإسرائيلي ببدء المرحلة الثانية من الاقتحام البري لقطاع غزة. وكأن التصعيد الإسرائيلي كان إيذاناً بتوسيع رقعة الصراع فى عدة جبهات. لاسيما جبهة جنوب لبنان التى أعلنت مؤخراً دك قاعدة إسرائيلية بالصواريخ والطائرات المسيرة المزودة بالقنابل!

كل هذا يحدث ولم نسمع عن ردة فعل قوية سريعة من أمريكا كما هو المعتاد فى مثل تلك الحالات. بل إن الدعم العسكرى الأمريكي بدا هزيلاً فى الأيام الأخيرة من المعركة؛ نتيجة تباين وجهات النظر بين قادة الرأى فى كل من أمريكا وإسرائيل؛ ففى حين ترى إسرائيل استمرار عملية الاقتحام البري بطريقتها الدموية، ترى أمريكا ضرورة التروى من أجل استعادة الأسرى، ثم إعادة التدخل بقوات دولية.

والحق أن الرأى العام داخل أمريكا وإسرائيل يزداد اشتعالاً وضجيجاً من أجل وقف الحرب. ولا يمكن تجاهل مثل تلك الضغوط الشعبية طويلاً، وخاصةً فى ظل انتخابات أمريكية وشيكة، وتدنى شعبية جو بايدن والحزب الديمقراطى إلى أدنى مستوياته.

رقصة أصحاب الأرض

المظاهرات الشعبية الداعمة للمقاومة الفلسطينية فى غزة بدأت هى الأخرى فى التوسع والتمدد، وبعد أن رأيناها فى لندن وباريس ونيويورك وبعض دول المغرب العربي والخليج، بدأنا نشاهدها فى برلين وفنلندا وباكستان وميادين ليفربول ومانشستر فى بريطانيا.

ولعل أقوى ما انتشر فى أغلب تلك المظاهرات أيقونات ورموز فلسطينية عديدة.. على رأسها الكوفية الفلسطينية الشهيرة، ثم أغنية تحيا فلسطين (viva Palestine) التى أصبحت مثل تريند عالمى. أما أغرب الرموز والأيقونات التى انتشرت فى المظاهرات وعلى مواقع السوشيال فكان رمز شريحة البطيخ، وهو رمز له دلالاته.. فبعد صدور قوانين وتعليمات بمنع ظهور العلم الفلسطيني، استعاضت الجماهير بألوان هذا العلم فى شريحة البطيخ! إنه نوع من التحايل على تكميم الأفواه وفرض القوانين التعسفية.

ثم هناك رقصة المحارب، أو رقصة أصحاب الأرض.. تلك الرقصة التى قام بها شاب فلسطينى يقلد فيها طريقة الهنود الحمر، ومن خلفه تشتعل الإطارات، وبدأ ظهور هذه الرقصة منذ انتفاضة العودة عام 2018 ومسيرات يوم الأرض. ثم اليوم نرى أجانب يقلدون رقصة الشاب الفلسطينى ، بل وعدد من السكان الأصليين فى أمريكا يقلدونها، كنوع من التعاطف البديهى بين شعبين لقيا ما لقيا من حروب الإبادة وعمليات التهجير القسرى والتهميش لسنوات طويلة.

المفاجآت تتوالى

كل يوم تفاجئنا المقاومة الفلسطينية بأنباء لعمليات نوعية ومكاسب جديدة تحققها ضد بغى الجيش الإسرائيلي الغاشم. والمفاجآت الآن تأتى من الجنوب والشمال، منذرة بفتح جبهات جديدة للمعركة.

لكن المفاجأة الأكبر التى تخشاها أمريكا، ويحذر منها البنتاجون قد تأتى من الصين ومن روسيا. ولو أن الصين استغلت ما يجرى فى الشرق الأوسط لتستولى على  تايوان، فسوف تقع أمريكا بين المطرقة الروسية فى أوكرانيا وبين سندان الصين فى تايوان.

الصين بدأت تدخلها بالفعل، حيث أرسلت مبعوثاً خاصاً لمنطقة الشرق الأوسط لإيجاد حلول للأزمة القائمة فى غزة.

الحديث عن الهدنة وصفقة تبادل الأسرى يذهب ويجىء دون حسم. هناك خلافات بين الجانبين فى تفاصيل عملية تبادل الأسرى. فهل سنشهد هدنة تستمر عدة أيام تدخل فيها المساعدات إلى الأشقاء النازحين فى الجنوب الغزاوى؟ وهل تؤثر حادثة السفينة الإسرائيلي على مجريات الحرب؟ أسئلة تكمن إجاباتها فى قادم الأيام!

***

د. عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم