آراء

عبد الجبار العبيدي: كم من عامٍ للجماعةِ.. مرَعليك يا وطني

عام الجماعة هو عام 41 للهجرة الذي به تم الاتفاق بين معاوية الاموي والي الشام، وبين الأمام الحسن بن علي على حكم السلطة، والذي بموجبة نقلت الخلافة لمعاوية مقابل خراج الكوفة المالي للامام الحسن.. بوصية.. ثم عودة الخلافة للامام الحسن بعد وفاة معاوية مباشرة، "أنظر نص وثيقة الاتفاق" لكن الامام مات مسموما قبله، فتغيرت الحالة السياسية لصالح الأمويين، وجرى كل الذي نقرأه من خلافات السياسة في الدولة الاسلامية الجديدة بعد وفاته.. فكان كله منصبا على التفرد بالسلطة لا الدولة ومستقبلها.

وعام الجماعة ما كان عام جماعة.. بل كان عام فرقة وقهرية وجبرية وغلبة كما هي دولة الاسلام منذ نشأتها.هوالعام الذي تحولت فيه الامامة ملكاً كسروياً، والسلطة غصبا قيصريا، ولم يعد ذلك اجمع على الضلال والفسق.فكان العام بداية لاعوام الخلاف الابدية، تحدياً للمحاولة الدينية التي جاءت من أجل تثبيت القيم الاصيلة التي تتفق وما جاءت بها الرسالة المحمدية.

من هنا نشأت نظرية الاستئثار بالسلطة والانسان معاً، واختيار الولاة على الهوى والمصلحة الشخصية والقرابة دون حق، وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة من جنس جحد الاحكام المنصوصة، والشرائع المشهورة، والسنن المنصوبة، كما يقول الجاحظ.. ذلك الاديب البليغ،لكنه كان لا يقول الحق دائماً لعدم حيادية قلمه في التوصيف.. ولأن مسئولية الكثير مما حدث يقع على عاتق العهد المضطرب الذي عاشت فيه الخلافة الأولى بعدوفاة الرسول (ص) دون تشريع، وبعد ان اخترقت الشورى، وعدم الألتزام بوثيقة المدينة.. وليس التقصير يقع على واحدٍ منفرد به.

نحن نكتب للتاريخ ولمن يقرأ بحيادية المنطق بعد ان كانت الحيادية معدومة في ذلك الزمان ولازالت عند العرب والمسلمين،والخلافة المخترعة بلا دستوريحفظ حقوق الناس،فلولا المؤخاة لانهارت منذ البداية. واستمرت خلافة السلطة حتى يومنا هذا معتمدة على الغلبة بقوة السيف لا بأحقية القانون.. لأن غالبية قادة المسلمين منذ ذلك الوقت لم يكن همهم الاسلام كعقيدة لحكم الشعب يراد به تكوين دولة القانون.. بل همهم السلطة كدين.. " منا امير ومنكم أمير.. "انشقاق من البداية لعد احترام الدعوة وصاحبها الذي مات عن عمر 63 عاما وتُرك مسجى دون دفنه ولا حتى مراسيم.. همهم من يكون صاحب السلطة ولا غير.فهل كان الرسول يستحق مثل هذا التكريم ؟ وهل هم كانوا مؤمنين به حقا كما يدعون.. كفاية تضليل.

وانا اقول ان تحديد الفكر، وتحريمه على الناس، لا يأتي بخير أبداً،وهذا هو السبب الاهم الذي فيه اصبح الفكر السياسي الاسلامي مصاب بالشلل، بعد ان ضاع تشريع السلطة وكيف يجب ان تكون بموجب النص المقدس الذي حوروه الى مصلحة شخصية لا عامة والى اليوم.. اذن مافائدة دين يأتي للفرقة لا للوحدة بين تابعيه.. كما نحن اليوم على أشد الخلاف والتباعد بين السلطة والمواطن في الحقوق وعقيدة الدين.

 اكتب لاقول للمؤرخ اليوم وعامة الشعب المبعثر بالاعتقاد الديني اللاهي بالمذهبية المخترعة، والاحاديث النبوية المزورة.. ليس هناك احسن ولا أحلى من الصدق.. الذي قلما عرفه مؤرخينا أثناء التدوين، حتى اصبح الفكر السياسي الذي حكمنا بالامس ويحكمنا اليوم مضطربا وغامضا لا يمكن ان يخدم دولة او شعب فرقته السياسة.

جماعة أوقل دولة نشأت بلا قوانين ولادستورولا توضيح للمواطن للحقوق والواجبات، وترك سلطة رئيس الدولة دون تحديد مدة او مدى سلطان، وهذا يتناقض مع طبيعة دولة الاسلام. فحل النزاع بينهم سياسياً، والسياسة تعمي البصر،وتضلل الذهن،وتملأ القلب قسوة،وتجعل الانسان يرتكب جرائم لا توصف.. بينما نشأت عند الغربيين (الماكنا كارتا الدستورية البريطانية، والدستور الفرنسي في الحرية والاخاء والمساواة، والدستور الامريكي الذي ضمن حقوق كل الناس دون تفريق.. فكونوا دولة الحضارة التي نحياها اليوم.. أما نحن فقد أهملنا النص المقدس الذي يقول(أعدلوا ولو كان ذاقربى) وبقينا نهلل للدين بلا دستور ولا قانون.. معتمدين على التفسير الناقص للنص،معتمدين على النطع والسيف عند خليفة المسلمين المحاط بالجواري وحور العين حتى اصبحنا نحن والقانون على طرفي نقيض.من هنا كانت الكارثة.. عبر الزمن الطويل.

ومن هنا ضاعت حدود السلطة وحقوق المواطنين في المال العام والحكم وقوانين الدولة التي تحولت كلها الى نصوص مقدسة وأحاديث مزورة تخدم الحاكم ومؤسسة الدين لا المواطن ولاحتى الدين، حين حولوه الى ادعية ومراسيم للحج ومزارات ولطم على السالفين، وحقوق للحاكمين لتغليف العقول بعقلية التخريف.. وتكميم الأفواه فتجمدت العقول على الخطأ محاطا بنصوص الدين المفسرة خطئا وفق رأي المفسرين الأوائل الذين لم يدركوا المشخص ولم تكن التسميات الحسية قد استكملت في تجريدات، لذا جاء التفسير في غالبيته مضادا لحقيقة النص ومعناه التشريعي في حقوق المواطنين في الدين.. حتى ورثنا دولة بلا قانون ولا عدل للمسلمين.

هنا طوق المجتمع الاسلامي بالتفسير الخطأ الذي ولد لنا المذهبية المخترعة الباطلة ومؤسسات الدين الحامية لسلطة الحاكم حتى اعتبروها دين، وفرضوا انفسهم عليها بقوة السيف دون الحقوق.. والاسلام يرفض قوة السيف وأحتكار السلطة والثروة وقتل المعارضين،من قتل مظلوما جعلنا لوليه سلطاناً.. وهكذا حرمت الناس من حقوقها السياسية.. فالعبرة في الحقائق الواقعة، وليس في المبادىء والدساتير الناقصة المعلنة بلا تنفيذ.

وبمرور الزمن والبعد عن عهد الرسول (ص) تحولت السلطة الى حاكم مستبد لا علاقة له بحقوق الامة.. فتغيرت اخلاق الناس في قبول اختراق القانون.. وهي اكبر نكبة للمسلمين اخلاقيا في اصول الدين كما هي اليوم.. حتى اصبح الاصلاح متعذرا والفساد مقبولاً.. لا بل التغييرمستحيلاً لتغيير واقع الامة في تصرف القانون.

هكذا نشأت الدولة الاسلامية التي عاشت ولاتزال تعيش بلا دستور ولا قانون، فضاعت حقوق الناس والقانون معاً فتحولت الدولة الى قبيلة لا أمة واحدة كما نادى بها القرآن الكريم: "هذه أمتكم أمةً واحدة وانا ربكم فأعبدون،الأنبياء 92" كما هي دولتنا الممزقة اليوم التي لا يحكمها القانون، والتي اضاعت حقوق الكثيرين الذين رفضوا ويرفضون الباطل دون قانون.. ونحن منهم.

الاسلام يرفض حاكما مطلقا ًيحكم بلا تشريع قانوني ويأمر بقتل من يخالفه الرأي بالاعوان اعداء الشعب كما حصل لنا في تشرين.كن اخي المواطن واعيا وعياًتاريخيا، مستوعبا،ومتناميا،ومتجاوزاكل من يتجاوز على الحقوق في القانون،حليما وقورا، عاقلا كاملا مبتعدا عن الظلم والفساد والتزوير، كثير الحياء حسن الاخلاق،،ولا تكن سفاحا مبيحاً، لارواح الناس قاتلا للمخالفين الرأي وللمفكرين والعلماء والمخلصين.. فالازدواجية تورثك الانحطاط في العقل والتفكير.. فالعفل مضطر لقبول الحق وهو في النهاية اساس حياة الناس في التفكيروعدالة المصير في التطبيق.

وفي الختام نوجه للحاكم والمحكوم تنبيهات نتمنى عليه الاخذ بها لتفادي خطأ المستقبل الكبير:

نقول للحاكم ان حكمكم اليوم لم يعد تاريخا سارا او جميلا وهذا اسوء ما يمكن ان يصل اليه امركم اليه اليوم.. بعد ان اصبحت شخصيتكم مجرد نزاع على السلطة وتحت حماية الاخرين الاعداء الطامعين في السلطة والوطن.. ورأيكم السياسي مجهولا في التطبيق مجرد فخفخة يحكم بلا قانون ولادين يتحكم فيك العدو وانت المطيع الذليل.. تاريخ لم يسجل للحكام العراقيين عبر الزمن الطويل.وسيبقى التطبيق القانوني للحقوق مكانة المثل والأسوة.. ويبقى هدى الأنبياء والرسل.. قدوة.

أنتبه للواقع المرير قبل فوات الاوان.. فالفرص لا تأتي تباعا.. ايها المغفل.. ونقول للمحكوم.. كن شجاعا ولا تقبل الباطل وترضخ له حتى لو اكرهت عليه.. فالحاكم مادام باطلا فهو جبان في التنفيذ.

وتبقى كلمة للتاريخ الاسلامي نقولها :ان التاريخ الاسلامي فقد شخصيته ورسالته من زمن يوم اصبح المؤرخ مُدان، فأن التاريخ اذا لم تكن رسالتة وروحه صادقة اصبح حديثا مكررا معادا لا معنى له.. والكتابة والتأليف فيه مجرد نزهة ومظهرية عند المؤلفين.

والحقيقة انه فقد شخصيته منذ ان اصبح نزاعا على السلطة في ذاته،بعد ان فقد رسالته هو والاسلام الذي تحول الىى سلطة غاشمة لا علاقة لها بالحق والعدل بين الناس.فالاسلام ليس دين يعبد وطقوس تجرى وانما حكم عادل بين الناس والا كان الافضل ان نبقى بلا دين كما في اليابان والصين.. وهو اليوم والبارحة مفقود.. مفقود.

ونود ان نشير الى المواطن ان الكثير من مصادرنا التاريخية قد اساءت الينا بعد ان نقلوا لنا الغث والسمين دون تحقيق.. منفعةً للحاكمين.فلا تقبل الا بتحكيم عدل مقبول وهنا تكمن اهمية التجديد، ليصبح التغيير السياسي المنادى به منهم مشروعا قابلا للفعل في ظروف العصر،،عصرنا الحالي بالتحديد.. فلا محاصصة تفرقنا، ولا مذهبية باطلة تحكمنا ولا مراجع تفتي خطئاً فينا.ان الذي نحن فيه اليوم مرضا مزمنا ومستحكما في النفوس لايزول.. فالتاريخ يحذرنا.. فقل الحق ولا تقبل الفساد والباطل فلا زال في الوقت متسعا للتغيير،

قبل فات الاوان..

***

د.عبد الجبار العبيدي

 

في المثقف اليوم