آراء

جميل حسين الساعدي: الكلاب البوليسية

تشهد المجتمعات الأوربية ظاهرة غريبة وفريدة في تأريخها. وهو كثرة الكلاب البوليسية وأعني هنا ليست الكلاب، الحيوانات التي تتميز بحا سة الشم، ولكن أعني الكلاب البشرية، التي ازداد عددها بشكل أصبح يستفز المواطن الأوربي ويشعره بما يزعجه ويكدر حياته، الكثير من هذه الكلاب هم من الأجانب، الذين وجدوا أنّ الشركات، التي تتولى شؤون الأمن والحراسة، توفر لهم عملا دائما ودخلا مغريا، في حين تستشري البطالة وتشحّ فرص العمل. وهذه الشركات، التي فاقت مواردها موارد الشركات الاخرى المنتجة للسلع، التي اصبحت من ضروريات الحياة، تفضل الأجانب لسبب بسيط وهو أنّ الأجانب كلاب طائعة حتى النخاع، وهذا النوع من الكلاب له حاسة شمّ قوية لما هو أجنبي ويهجم عليه بلا رحمة، بل وحتى يهجم بكل شراسة على ابن البلد، طالما أنّ تعليمات الشركة تسمح له بذلك. وويل لمن يعترض أو يدافع عن حقه، فقد يصل الأمر أن يطرح َ أرضا.

وأن يضرب ويرفس بكل وحشية بحجة أنه قاوم، وهو لم يقاوم جسديا بل اعترض كلاميا والإعتراض هنا يعتبر خرقا للنظام. الذي يصف نفسه أنه ديمقراطي تساءلت كثيرا هل من المعقول أن تتحقق الديمقراطية في أجواء الرعب النفسي وبثّ الخوف؟.

الأنظمة الديمقراطية الحقيقية تضع قانونا مقبولا من الجميع وتطبقه بدون اللجوء الى إرهاب المجتمع بجيوش الكلاب البوليسية.

كثرة شركات الأمن والحراسة في ألمانيا ومعظم العاملين فيها من الأجانب، ذكرني بانتفاضة الحجارة في فلسطين المحتلة، والتي اربكت المحتل وكلفته الكثير من الضحايا، فلجأ الى أسلوب خبيث بأن سلط على أبناءانتفاضة الحجارة إناسا من جلدتهم فلسطينيين تحت مظلة (السلام الكاذب)، وهذه الظاهرة ليست حصرا على المانيا، بل هي منتشرة في معظم البلدان الأوربية.

تسليط الأجنبي على الأجنبي سلاح ذو حدين، استفادت منه اسرائيل في قهر الفلسطينيين من خلال الفلسطينيين الكلاب البوليسية كثيرة ومنتشرة في كلّ مكان، ولكنّ أخطرها، تلك التي تعمل تحت مظلة (الثقافة)، والتي تستهدف المثقف العربي الحقيقي. وهي تقف جنبا إلى جنب مع المؤسسات التي تقمع المثقف الأوربي الحقيقي،

كثرة الكلاب البوليسية في المجتمعات تدلّ على أن أنظمتها تعاني من خلل، وهو قصورها ولا مبالاتها في تحقيق العدالة الإجتماعية وضمان الحرية الحقيقية للجميع، واستئثارها بمنافعها حتى ولو أدى ذلك لشن أو دعم لحروب تنتهي بإبادة شعوب، وخير دليل على ذلك ما يحدث في غزة هذه الأيام من قتل وترويع وتجويع لأبرياء من أطفال ونساء ومسنين تحت مرأى ومسمع من العالم.

غزة ستبقى جرحا عميقا في ضمير الإنسانية إلى أبد الآبدين، واللعنة ستلاحق كل من اشترك في إبادة شعبها أو غضّ البصر وأغلق السمع لما يجري فيها من فضائع.

يا من تعتقدون أنكم نلتم السلامة بخذلانكم غزة، ستحصدون الندامة، لقد ظلمتم أنفسكم: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون)

***

جميل حسين الساعدي

في المثقف اليوم