آراء

فؤاد لوطة: الدول العربية مجرد دول مستهلكة لا غير!

تألف مجموعة الدول الصناعية الكبرى عام 1978 من كل من كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة واليابان. ثم انضمت روسيا إلى اجتماعات رؤساء الدول (مجموعة الثمانية)، دون أن تشاركهم اجتماعات وزراء المالية . سرعان ما أظهرت هذه المجموعة أن التحديات الاقتصادية الكبرى بحاجة إلى تعاون قوى صاعدة في آسيا وفي غيرها. وعليه تأسست مجموعة العشرين وفيها عشر دول صناعة (مجموعة السبعة واستراليا وروسيا ورئيس المجموعة الأوروبية) ، يقابلها عشر دول تمثل الأسواق الناشئة وقد اجتمع وزراء مالية الدول العشرين وانضم إليهم رئيس منظمة التجارة العالمية للتباحث في سبيل تنشيط التجارة العالمية.

لكن أين الدول العربية من هذا؟

من الأسباب التي جعلت الدول العربية مجرد دول مستهلكة لا تصنع نجد أسبابا كثيرة: منها طريقة إدارة دولنا العربية.. في كل دول العالم المتقدم الحكومات تعمل عند الشعب.. في دولنا (عدا مثال او اثنين نعرفهما جميعا) أنظمة الحكم الشمولية لا تستهدف تقدم الدولة لكن تركز على البقاء في السلطة وكل ميزانية الدولة تتجه لخدمة هذا الهدف، دولتان عربيتان توفرت لهما ثروات تكفي لتضعهما في مصاف دول العالم الصناعي هما عراق صدام وليبيا القذافي..ماذا فعل هذان بثروات بلادهما؟ شخصان عسكريان لا يفهمان إلا بالبندقية.

هذا دون أن ننسى أنّ الحكومات هي التي توجه الصناعات.. لكن لا تديرها.. الصناعة تنتج بضائع..هذه البضائع يحكم على نجاحها المستهلك النهائي.. هو من يقرر اي شركة تكبر وتستمر.. لذا يجب ان تحكمها رغبة وطموح في النجاح لا تتوافر إلا عند صاحب الصناعة ودور الحكومة دعمه ومساندته وليس وضع العراقيل وتشذيب طموحاته بمقص الفساد والبيروقراطية.

فالحكومات في الدول الصناعية تستثمر في البحث العلمي وتشارك نتائج البحث مع شركاتها الكبرى للحفاظ على تفوقها.. أما ميزانية البحث العلمي في دولنا محدودة جدا جدا.

علاوة على ذلك، الأسباب النفسية، فالانهزام الداخلي الذي سيطر على الدول العربية وغيرها من دول إفريقيا وآسيا التى خضعت للاستعمارات الغربية ، حيث زرع هذا الحكم الظالم في نفوس الناس ومجتمعاتهم النقص والدونية والاعتماد على الغرب، إضافة إلى التقسيم الذي شتت المنطقة إلى كيانات صغيرة، وتعيين ناخب لقيادة هذه الدول الذي يضع عليها شروطه لضمان استمرار نفوذه وسيطرته على هذه النخب وعلى دولهم.

فقد راعت القوى الاستعمارية في التقسيم السياسي لهذه المناطق ترك مناطق خلاف حدودية وعرقية ودينية بين هذه الدول لتبقى أدوات إثارة الفتن والحروب والاضطرابات في أيديهم، إذ تم إقناع قادة المنطقة أن جيرانهم من الدول الاخرى هم أعداؤهم، وكل دولة تخطط لإسقاط الدولة الجارة لها مما جعل أي مشروع تعاون أو اتحاد بين دول المنطقة صعبا وإن حدث واجتمع الجيران على مشروع تعاوني يتم تسليط كل الأدوات لزعزعته وتفرقته وإفشاله، أقول كل الأدوات حتى لا تعتقد أنّ الغرب فقط، بل أبناء البلد وقادته يتم تسخيرهم لإفشال أي نجاح في المنطقة، كما يحصل الآن بين المغرب والجزائر. مثال ذلك أيضا، زرع الكيان الصهيوني لتبقى هذه المنطقة واقعة تحت تأثير التهديد بالحروب، مما أدى الى استنزاف طاقات هذه الدول وشعوبها في سباق تسلح له الأولوية على كل طريق لتقدم تلك الدول من تعليم وصناعة وصحة، ولذلك تجد دول المنطقة لم تضع أهدافا تصب في خدمة شعوبها وتطويرها وبقيت كل الاهتمامات في الجيوش التي تحمي القادة من شعوبهم وليس من عدوهم الرئيس.

نتكلم عن صناعات مهمة غير موجودة بالدول العربية، أو وجودها ضعيف جدا: الصناعات الميكانيكية كالسيارات والمحركات والآلات، كذلك الصناعات الكيماوية (موجودة فقط في السعودية)، الصناعات الإلكترونية كالكمبيوترات والرقائق والبرمجيات، أيضاً الصناعات الطبية كالأجهزة الطبية والأدوية، الصناعات الثقيلة كالصلب والفولاذ، الصناعات الغذائية ( موجودة عندنا بشكل خجول)، الأدوات المنزلية الكهربائية، الألبسة والمفروشات (موجودة على نطاق صغير وبجودة سيئة).

ما الحل إذن؟ طيب إتفقنا على أنّ دعم الحكومات هو طريق مسدود.. ماذا عن الدعم الشعبي؟؟ نحن لا نشتري مدفوعين بنخوة وطنية بل من مبدأ أنانية شخصية، ربما صوتنا أعلى من غيرنا عندما يتعلق الموضوع بالوطنيات لكن يخف كثيرا عندما نصل للكاشير، صحيح منتجاتنا المحلية خجولة جدا بمقياس الجودة مقارنة بالمستورد لكن إن لم ندعم المنتج المحلي لن يتطور ويكبر ويصبح صالحا للمنافسة، هذا الشعور القومي موجود في كل الدول الغربية وبعصبية كبيرة جدا.. نادرا ما ستجد سيارة غير إيطالية في شوارع إيطاليا وليرحمك الله إن إستعملت زيت زيتون إيطالي في مطعم بإسبانيا أو ماكينة نسيج غير تركية في مصنع بتركيا، لا توجد علاقة مباشرة بين المستهلك والمنتج لكن المستهلك يعرف أن دعمه لمنتج بلده سيعود بالنفع يوما ما عليه وعلى أبنائه.

وقد أشير إلى نقطة مهمة جدا، وهي الجامعات العربية، وإلى المحتويات الدراسية التي نقدمها لطلابنا، هل تشجع على الصناعة والخلق والإبداع؟

ربما ينبغي علينا أن نتوقف لوهلة عن اتباع أوامر الأجيال السابقة والاستماع لمحاضراتهم التي تقدس الجامعة وتخبرنا بأهميتها اللانهائية، فإن أمعنا النظر بعدد خريجي الجامعات اليوم وعدد الوظائف المتاحة لهم، سوف نلاحظ تلك الفجوة التي لن تتوقف عن الاتساع إلى أن يدرك أولئك الجامعيون أن قيمتهم الوظيفية تقل بمرور الوقت، وأنهم إن أرادوا حقًّا النجاة بالمنافسة الشرسة بينهم، فعليهم أن يتعلموا المزيد من المهارات ويحصلوا على خبرات أكثر بجانب الدراسة.

ومن هنا يبدأ العراك أيضاً، حيث تجد إصرار الأجيال السابقة على تطبيق خططهم على أجيالنا الحالية، ظنًّا منهم أنها سوف تصيب النجاح كما أصابوه هم حينما درسوا بالجامعة. لكنهم أغفلوا تمامًا وجود ذلك الفارق المهول بين عدد خريجي الجامعات في الماضي، وعدد خريجي الجامعات الآن. ففي الماضي نجد أن عدد الوظائف التي تحتاج إلى دراسات جامعية تكفي الخريجين، لكن الآن لم يعد الوضع كالسابق، حيث تفوق عدد الخريجين على عدد الوظائف المتاحة، وتفوقت الآلات على الخريجين ما تسبب بتقليص الحاجة إلى العدد المهول من خريجي اليوم، وهو ما صنع الفجوة. فيا أولياء الأمور، ربما حان الوقت كي تتوقفوا عن إلقاء أبنائكم بتلك الفجوة التي تبتلع آمالهم وسنوات عمرهم… ربما حان الوقت كي تساعدوهم على تجنبها من خلال التفكير بطرق جديدة للخوض في الحياة كأن يتعلموا تأسيس مشاريعهم الخاصة بجانب الجامعة، وليس ترك أفكارهم عن مشاريعهم الخاصة بسبب الجامعة.

الجامعات العربية لا تحب الإبداع، فمن منا لم يتم إخباره يومًا بأن عليه أن يجيب في الامتحان بما هو مكتوب بالكتب فقط؟

حساباتك، حيث أصبحوا مجرد موظفين يقومون بإلقاء المعلومات المقررة بهدف مجاراة الجدول الدراسي والحصول على الراتب آخر الشهر، غير واضعين في الاعتبار ما إذا كان أولئك الطلاب سوف يقدرون على ملاحقتهم أم لا.

حينها لن تجد غير مئات الصفحات التي يتطلب منك حفظها بأسرع وقت ممكن، والعشرات من الواجبات المطلوب منك إنهاؤها كل أسبوع كي تحصل على أكبر قدر من الدرجات أنت أيضًا آخر العام، من ثم تقوم بنسيان المناهج كأن شيئًا لم يكن.

الخبرة الوحيدة التي ستحصل عليها عندما تذهب إلى الجامعة، -حرفيًا- هي خبرة ذهابك إلى الجامعة لا أكثر . لا تتوقع غير ذلك إن كنت على شفا الالتحاق بها، حيث إنك لن تتعلم سوى الاعتماد على نفسك إن كنت طالبًا مغتربًا يقيم بمدينة جامعية، أو طرق أفضل لتوفير أموالك من خلال استخدام المواصلات العامة كل يوم. أما بالحديث عن الخبرة العملية التي ستحتاجها بعد أن تتخرج من الجامعة كي تعمل، فلن ترى أيًّا منها طوال سنواتك الدراسية ببساطة؛ لأن الجامعة لا تعرف كيف تعلم الطلبة ذلك الأمر. لذا إن كنت ما تزال طالباً بالجامعة أو أوشكت على الالتحاق بها في خلال السنوات القادمة فحاول قدر الإمكان أن تتعلم بجانبها كيف تتعلم وكيف تفكر، لتتعلم بعض المهارات الجانبية أيضًا أو لتصنع عملك الخاص إن شئت، فقط لا تترك أفضل سنوات عمرك تضيع بذلك النظام التعليمي العقيم.

فرص الصناعة لايمكن استغلالها دون قلب أنظمة التعليم رأسا على عقب بحيث يتم تعميم التأهيل المهني وتغيير ثقافة العمل بشكل راديكالي. ومما يعنيه ذلك التخلص من خرافة أن هناك أعمالا لا تليق بجميع الباحثين عن عمل مهما اختلفت خبراتهم وأخرى تليق بهم.

***

ذ. فؤاد لوطة

 

في المثقف اليوم