آراء

قاسم حسين صالح: الفنانات.. وسيكولوجيا التوبة!

كنت نشرت اصبوحة عن مائدة نزهت، هذا نصها: (كنت أريد أن أبدأ لقائي الصحفي معها لمجلة الإذاعة والتلفزيون باغنيتها "على دربنا يحوم جذاب الاسمر" فخرجت لابسه أبيض بابيض وقالت: انا ذاهبة للحج، ورجتني أن اتوسط لدى الصحاف" لرفع أغانيها من الإذاعة والتلفزيون مع أن زوجها الفنان " وديع خوندة" هو الأقرب.

ما سر حج الفنانات بيت الله؟

وقبل ان نبدأ بالتحليل، اليكم نماذج من اجابات اكاديميين ومثقفين واعلاميين، كما هي:

 السر واضح لكل متابع.. هناك فهم جمعي مغلوط اخذ عن طريق الشيوخ ورجال الدين ان الذي يعمل بالفن بشكل عام والغناء بشكل خاص قد ارتكبوا خطايا ومعاصي،،، ولذا من الواجب التوبه من خلال الذهاب إلى الحج ليمحي ما سلف من أعمال وأفعال غير صحيحه، ولكن رأيي ان التوبه ليس شرطا ان تكون في الحج بل قبله أيضا، كما أن الغناء والموسيقى ليس محرما في ديننا فلم يرد ضمن المحرمات ال ١٤.

 دكتور الانسان بفطرته يركن للتقرب الى الله، احيانا بالصلاة الكثيرة او الزكاة او الصوم او الحج.. وفنانة مشهورة مثل المرحومة مائدة نزهت وجدت ان العمر تقدم بها، ناهيك عن شعور الفنانين انذاك بقسوة النظام واجبارهم على الغناء لتعظيم صدام والبعث وفقدان الفن لهويته بفعل اجواء الحرب مع ايران والتوجه للاغاني التعبوية.. كل تلك الضغوط ربما ساهمت بقرار نزهت، وانها ادخلتك كوسيط لشعورها بالخوف من ردة فعل الصحاف. حقظكم الله دكتور

 بضاعة بارت، وعمر يفنى، وجسد أكلته السهرات والمساحيق، وقد يكون الخوف من الآتي الاني والبعيد.

 الركون الى التدين، يأتي بعد الشعور بضعف بدني او نفسي نتيجة التقدم بالعمر أو" الفقر على الأغلب، " أو الشعور بالذنب بعد طول ترك طقوس الدين.. (فالله غفور عفوررحيم).

 لأن بعد ما يتقدمن بالعمر يتولد لديهن شعور بأن الغناء حرام، وبالتالي يتولد لديهن الشعور بالذنب وأن الله غاضبا عليهن لأنهن امتهنن الغناء في الشباب وسيحرمن من دخول الجنه.

 الانسان بطبعه حينما يكبر يميل الى الاستقرار،،، بعد ان اخذته الحياة والتفت به في مشاربها ومساربها المختلفه وتعبت ارجله وقله عزمه وتراخت قواه وتورمت اجفانه وأينعت ذاكرة النسيان ووسوست له نفسه ان الامتحان قريب، عاد ليمني النفس بكثبان ماجرى وما حل، ويصغي ايضاً لندائها الخفي اذ لابد من الهچوع والركون وتجاوز الضعف الى ربوع العزله وتقنين كل شيء حتى الاصدقاء ثم الانحدار الى مستويات الشفقه والبحث عن بوصلة الطقس المغترب او الركن غير المؤثث ليمسك بعصى الطاعة والايمان والتفكير الجدي بأن هذا الركن المبعثر ليكن حمالة التدين وشفيف العبادات وربما الطقوس بدلاً من ان يكون حمالة الحطب في نار وقودها الناس والحجاره.

 الانسان يولد على الفطرة وينشأ ويتربى في مجتمع اسلامي ؛ وعندما يكبر ويدرس ويخالط ناس اخرين فقد يتأثر بهم سلوكيا وفكريا، وبما انه يمر بظروف حياتية مختلفة فأنه يبدأ بالتفكير بأنه ميت لا محالة وانه ذاهب الى عالم اخر، فيبدأ بالتراجع عن افكاره الالحادية، فتجده يعود الى الصلاة والصوم وكل الشعائر الاسلامية. وهذه الحالة وصفها القرن الكريم بقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

 احد المطربين الكبار قال مرة :انا لست آسف على ما قدمته من غناء لترسلني الدولة للحج وانا اتوب. لم ترسله الدولة ولم يتب.

 ما بالك بمن تذهب للحج وترجع تتعرى وترقص كما بعض الفنانات!

ومن جميل ما قرأت انه في العام 2017 (وقبله ايضا) ذهب عدد من الفنانين والفنانات للحج، اليكم نماذج عنها من التعليقات.. معظمها ساخرة:

 آيمه حسين الجسمي راح يفخخون الكعبه

 لا هو مبين رح يتقبل اذا يرحون ويرجعون نفس ما همه. مع الاسف يمثلون الاسلام بهالطريقه.

 جان. اخذتو معاكم اليسا وهيفا ونانسي حتى تكمل!

 والله الحج للفنانيين اوبن تكت، واحنا نناضل صار عشر سنيين بدون فائده.

 كلهم على راسي بس ديانا كرزون وين مول الحارثية وين اللبس الفاضح خره بعقلج شكد نغلة قطت المول 110 مليون راحت بيهن للحج ام اللفيح!

 هيى خربانه ناس كلها معاصي شلون يصير تروح للحج حتى فلوسهم حرام!

 والله يا ربي لو تشيله لبيتك احسلك.. راح تجيك سمعه وين ماكو رقاصه تجيك!

 لج باوعي كولهم رايحين بس لا راح يسوون حفله بالسعوديه

 حتى الي يروح للحج ما راضين عليه على منو ترضون حتى رب العالمين، حار وياكم ياشعب!

 الظاهر ان الذهاب الى مكة هذا هو ليس للحج وانما لاخذ الصور وارسالها الى مواقع التواصل الاجتماعى. اهكذا هو الحج يا امة محمد. اهكذا علمكم رسول الله. الحج تفرغ للعبادة فى ايام معدودات. ما ادري ليش يحجبون نساءهم بمكة وخارجها يدافعون وبشراسة عن السفور وان الله لم يفرض الحجاب ويتحدونك بان تأتي بديل وانه رمز للحرية الشخصيه؟

 يتصورن الحج يكفر عن الذنوب !!!! اليوم اصبح الحج مثل باب الأغا.. يتسابق اليه كل من هب ودب.

التحليل

لست متخصصا في الدين، ما اقتضى ان اراجع اطاريح دكتوراه ومقالات علمية رصينة عن الحج والتوبة تمكنني من تحليل الحج بقصد التوبة. فوجدت ان للحج والتوبة مفاهيم متعددة، لكننا سنحددها بالتعرف على سيكولوجيا التوبة من المنظور الأسلامي، برغم تعدد الآراء الأسلامية فيها ايضا!

سنعتمد هنا تعريف التوبة من المنظور الاسلامي بأنها: عملية نفسية يقوم فيها الفرد بالتوقف عن سلوك مرفوض (إسلاميا) ؛ بعد معرفته لضرره، وندمه عليه ؛ مصحوبا بنية خالصة في عدم العودة إليه، والتخلص من الشعور بالذنب والعيش بقية عمره بهدوء بال وراحة نفسية.

وللتوبة ثلاثة شروط : الأول.. الأقلاع عن المعصية وعلامته مفارقة الذنب فورا، والثاني.. الندم على فعلها، وعلامته طول الحزن على ما فات، والثالث.. العزم على أن لا يعود إلى معصية أبدا، وعلامته التدارك لما فات وإصلاح ما يأتي.. فان فقد احد الشروط فأنه لم تصح توبته.

اما الحج فهو في المنظور الاسلامي يعد الركن الخامس من اركان الأسلام، وهو واجب مع الأستطاعة، اما العاجز فلا حج عليه، فيما يعني الحج في منظور علم النفس الأجتماعي بأنه سلوك او فعل او حدث يقوم به الفرد وينجم عنه راحة نفسية ودينية وروحية ويحقق له مكانة اجتماعية واعتبارية تتجسد بمخاطبة الآخرين له بلقب (الحاج او الحاجة).. يحصل فيها على احترام الناس ان كان سلوكه وتصرفاته تلتزم بقيم الدين، ويعيبون عليه، او يسخرون منه، ان كانت مخالفة لها.

والتساؤلات:

 هل الحج يلزم التوبة؟

الجواب: نعم.. دينيا، ولا.. عمليا

 وهل الغناء او التمثيل.. حرام؟

الجواب:

لم يرد نص ديني صريح بذلك، لكن علماء المسلمين يعدونه حراما اذا كان فيه فاحشة، وعاديا ان خلا منها، ومباركا ان كان يبتغي مرضاة الله.، فيما ترى الأغلبية الأجتماعية ليس حراما.

 وهل تقبل حجة الفنانة، الفنان.. من مال هو بمنظور الدين.. حرام؟.

الجواب: بمنظور اجتماعي.. لا تقبل، وبمنظور علماء الدين.. تختلف المواقف، لكنها تتفق اذا كانت متبوعة بتوبة نصوحة.. لأنك ان قلت لا تقبل فهذا يعني ان التوبة لا تقبل حتى لو كانت نصوحة.

 وماذا اذا عادت الفنانة ( الحاجة) تغني سافرة، والفنان يقبل هذه وتلك في ادائه لأغنية او مشهد تمثيلي؟

الجواب: لا تقبل توبته دينيا ولا اجتماعيا.

ختاما

ان الفنانة او الفنان.. حاله حال اي فرد في المجتمع في حقه ان يحج متى أراد، ولكن الأشكالية التي يتعرض لها انه عليه ان يلتزم بالقيم والاخلاق الدينية التي اشترطتها فريضة الحج. فلا يصح، او من غير اللائق، او غير المقبول ان تعود الفنانة التي ادت فريضة الحج سافرة، بل ان تبقى محجبة الى يوم تودع الدنيا، والألتزام نفسه ينطبق على الفنان.. وليس بالضرورة أن يطيل لحية.

وامران مطلوبان من الفنانين والناس.. ان لا يكون من اهداف حج الفنان الترويج لنفسه عند الناس، وان يتعامل المجتمع مع ظاهرة حج الفنانيين والفنانات على انه حق مشروع، وليس من حقه السخرية منهم الا من عاد بعد الحج كما كان قبله!

وتبقى حالة (مشابهة) نصوغها بتساؤل:

 وهل تقبل توبة الشيوعيين الذين كانوا في شبابهم ملحدين، اذا حجّوا؟

نلتقيكم معهم في موضوع قادم.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

في المثقف اليوم