آراء

علاء اللامي: الانتخابات الأوروبية.. تقدم اليمين المتطرف جنوبا واليسار شمالا

ومفاجأة حزب العمل الماركسي البلجيكي!

حقق اليسار في عدد من بلدان شمالي القارة الأوروبية مكاسب ملحوظة فيما تراجع اليمين المتطرف؛ ففي فنلندا، حقق حزب “تحالف اليسار” تقدما بحصده 17,3% من الأصوات، أي أكثر بأربع نقاط مقارنة بانتخابات عام 2019. وقالت زعيمة “تحالف اليسار” لي أندرسون "لم أكن أحلم قط بمثل هذه الأرقام". بالتالي، سيحصل الحزب على ثلاثة مقاعد من أصل 15 مخصصة لفنلندا في البرلمان الأوروبي، مقارنة بمقعد واحد فقط خلال الانتخابات السابقة. وتراجعت شعبية "حزب الفنلنديين" اليميني المتطرف المشارك في الائتلاف الحكومي، بحصوله على 7,6% من الأصوات، أي بانخفاض قدره 6,2%، ولن يحصل إلا على مقعد واحد.

* وفي السويد، حقق حزب الخضر المعتبر يساريا تقدما بحصوله على 15,7% من الأصوات، بزيادة قدرها 4,2 نقطة، وفق استطلاع لآراء الناخبين لدى خروجهم من مراكز الاقتراع. وفي السويد أيضا تقدم “حزب اليسار” (+4 نقاط إلى 10,7%)، بينما سجل اليمين المتطرف الذي يمثله “حزب ديموقراطيي السويد” تراجعا بمقدار 1,4 نقطة إلى 13,9%.، وحافظ الاشتراكيون الديموقراطيون على موقعهم في المقدمة بنسبة 23,1%.

* وفي الدنمارك، حيث المشهد السياسي مجزأ للغاية، احتل الحزب الشعبي الاشتراكي الصدارة وحقق تقدما ملحوظا بحصوله على 18,4% من الأصوات، بزيادة قدرها 5,2% مقارنة بعام 2019، وفق استطلاع لآراء الناخبين عند خروجهم من مراكز الاقتراع أجراه التلفزيون العام “دي آر”. وتراجع الحزب الاشتراكي الديموقراطي الذي يقود الائتلاف الحكومي إلى 15,4%. ومن المتوقع أن يفوز كل من الحزبين بثلاثة مقاعد من أصل 15 مقعدا في الدنمارك

* وتنفرد النمسا من بلدان الشمال في أن اليمين المتطرف فيها معبرا عنه في حزب الحرية "إف بي أو" اليميني المتطرف حصد 25,7% من الأصوات في أول انتصار له في تصويت وطني، قافزا بذلك من ثلاثة مقاعد في انتخابات عام 2019، إلى أضعاف هذا العدد في هذه الانتخابات.

* أما في بلجيكا عاصمة الاتحاد الأوروبي فقد خسر حزب رئيس الوزراء الليبرالي ألكسندر دي كرو بحصوله على 5.9% من الأصوات فقط في الانتخابات الفيدرالية فقدم استقالته إلى الملك. وعلى الصعيد الوطني، حصلت أكبر كتلة برلمانية هي كتلة «التحالف الفلمنكي الجديد» على 24 مقعداً، بخسارة مقعد واحد، تليها مباشرة كتلة الفلمنكيين القوميين اليمينية، التي حصلت على مقعدين إضافيين. تماماً مثل حركة الإصلاح الليبرالية اليمينية، بزيادة ستة مقاعد، وأصبح لدى اليمين المتطرف الآن 20 مقعدًا. وحقق الاجتماعيون المسيحيون أكبر زيادة بحصولهم على 14 مقعدا، مقابل 5 سابقا.

* المفاجأة الكبيرة جاءت من حزب العمل الماركسي البلجيكي بزعامة راؤول هيديبو  حيث حصد 15 مقعدا، بزيادة 3 مقاعد على الانتخابات السابقة. وفي برلمان منطقة الفلمنك، حصل على 9 مقاعد، مقابل 4 مقاعد سابقا. أما في انتخابات البرلمان الأوروبي فأصبح حزب العمل أقوى حزب يساري في بلجيكا، بحصوله على 10,7 في المائة من مجموع الأصوات. وحقق الحزب في العاصمة الفلمنكية أنتويرب مفاجأة بحصوله على قرابة 22 في المائة، حتى أصبح ثاني أقوى حزب، متقدماً بفارق كبير عن القوميين الفلمنكيين اليمينيين المتطرفين، وصرح أحد قادة الحزب ورئيس كتلته البرلمانية، خوسيه ديسي: "انها نتيجة مذهلة". وكان هذا الحزب قد حقق انغراسا وانتشارا جماهيريا كبيرا في أوساط الشباب والنساء والمتقاعدين ونظم عدة حملات استطلاعية وتثقيفية بين صفوف الناس في المصانع والموانئ والمحلات السكنية وعلى شبكات التواصل الاجتماعية وقدم مثالا مذهلا للقيادات اليسارية الذكية والتي تجترح المعجزات. وقد تمكن هذا الحزب من التحول من حزب ماركسي صغير لم تتجاوز عضويته 800 عضو في عام 2003، إلى حزب يضم أكثر من 25 ألف رفيقة ورفيق/ للمزيد - رابط مقالة حول نشاطات هذا الحزب في نهاية هذه المقالة لرشيد غويلب.

* وفي إيطاليا حقق اليمين المتطرف الحاكم تقدما ملموسا وتصدّر فراتيلي ديتاليا (أخوّة إيطاليا) النتائج محققا 28,8% من الأصوات متقدما على نسبته السابقة بأكثر من 2 بالمئة.

* أما في هنغاريا حيث يحكم حزب اليمين المتطرف "فيدس" بزعامة أوربان فقد احتفظ بالصدارة ولكنه سجل تراجعا صغيرا في أصواته حيث حصد بنسبة 4ر44%، فيما حصل الحزب الجديد /الاحترام والحرية/ أو "تيسا"، الذي شكله حليف أوربان السابق بيتر ماجيار، على 8ر29% في أول اختبار له في الاقتراع.

* في فرنسا حققت أحزاب اليمين المتطرف مجتمعة نسبة تقترب من أربعين بالمائة أما حزب الرئيس ماكرون فقد فشل فشلا ذريعا حيث حصل على أقل من 15% وهو أقل من نصف ما حصل عليه حزب اليمين المتطرف "التجمع الوطني الفرنسي" الذي نال 32% من الأصوات.

* وإثر ذلك قرر ماكرون حل البرلمان وإجراء انتخابات سريعة خلال عشرين يوما مع إعلانه إنه لن يستقيل من الرئاسة حتى إذا لم يفز حزبه في الانتخابات القادمة، محاولا ابتزاز الناخبين بوضعهم بين خيارين: انتخاب حزبه أو اليمين المتطرف في ظل تراجع نسبة اليسار مجتمعا غير أن الانتخابات الفرنسية عودتنا على ما يسمى السد الانتخابي الطارئ (Barrage électoral d’urgence) الذي تلجأ إليه أحزاب يمين الوسط واليسار ويسار الوسط لمنع اليمين المتطرف من الفوز بالرئاسة، ولكن هل سيتمكن هذا السد من منع اليمين المتطرف من الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان في انتخابات تشريعية؟ لن يكون الجواب على هذا السؤال بالإيجاب سهلا، فاليسار يتكتل وقد حققت بعض أطرافه تقدما مفاجئا كالحزب الاشتراكي الذي احتل المرتبة الثالثة بأقل من 14 بالمئة من الأصوات يليه حزب اليسار "فرنسا الأبية" بزعامة ميلونشون والذي يصفه الإعلام البرجوازي باليساري المتطرف على سبيل التهويل والمبالغة بأقل من عشرة بالمئة، والنسبتان أفضل من الانتخابات السابقة للحزبين ولكنها ليست كافية حتى الآن للوقوف بوجه اليمين المتطرف ويمين الوسط معا، ولكن هناك تعويل على كاريزما الزعيم اليساري ميلونشون وقيادته المبدئية والمعروفة بتضامنها القوي مع الشعب الفلسطيني، وعلى قاعدة الحزب الاشتراكي التي بدأت تضغط باتجاه تشكيل تحالف يساري جذري على نمط تحالف الجبهة الشعبية سنة 1936 بين الحزب الشيوعي الفرنسي والحزب الراديكالي الفرنسي، أو حتى تحالف اليسار سنة 1981 في عهد ميتران بين الاشتراكي والشيوعي.

* إن نجاح قوى اليسار الفرنسي في كبح اليمين واليمين المتطرف وكذلك الوصول إلى تشكيل الحكومة بوجود ماكرون رغم ضيق فترة المعركة الانتخابية وهو تضييق مقصود من قبل ماكرون ولكن انتصار اليسار سيكون صعبا ولكنه ممكن إذا تشكل تحالف مكين ببرنامج شامل وجذري وبتخلي قيادات الاشتراكي العريقة في الانتهازية السياسية عن ألاعيبها. جدير بالذكر ان نسبة مقاطعة الانتخابات الأوروبية كانت مرتفعة وتجاوزت نصف الكتلة الناخبة (سجلت نسبة مشاركة بلغت 45 بالمئة) ومعروف أن انخفاض نسبة المشاركة تصب دائما في مصلحة اليمين أما ارتفاعها فسيكون لمصلحة اليسار وقد يحمله إلى الحكم بسهولة وهذا الاحتمال هو ما يرعب الأنظمة الرأسمالية الأوروبية فتحاول دائما خفض نسبة المشاركة بشتى الوسائل وفي مقدمتها تقصير فترة الحملة الانتخابية كما فعل ماكرون وجعل مدتها عشرين يوما فقط (وثلاثة أيام لوضع برنامجها للحكم) كما قال ميلونشون اليوم 13.6.2024.

* أما المرشح الرئاسي عن اليمين المتطرف إريك زمور، فقد واصل بث تصريحاته العنصرية، في محاولة منه لكسب تأييد المزيد من المتطرفين في الانتخابات المقبلة. واستهدف زمور هذه المرة المساجد والأذان، في تصريحات على إحدى القنوات الفرنسية، حيث قال: “لا أريد أن أسمع صوت المؤذن في فرنسا ولن أسمعه إذا أصبحت رئيسًا للجمهورية”.

* أما في ألمانيا فقد حصل يمين الوسط أي التحالف المسيحي (المكون من الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب المسيحي الاجتماعي البافاري) على 30% من الأصوات. وحقق حزب اليمين المتطرف سليل النازية "البديل من أجل ألمانيا" على 15.9 في المئة من الأصوات، مسجلا تقدما بنسبة 11% في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019.

* وقد تراجع حزب المستشار شولتس "الحزب الاشتراكي الديمقراطي" تراجعا كبيرا وحلَّ في المرتبة الثالثة بحصوله على 13.9 في المئة، ليسجل أسوأ أداء في انتخابات ديمقراطية على مستوى ألمانيا منذ أكثر من قرن لتيار يسار الوسط. وحل حزب الخضر اليساري في المرتبة الرابعة بحصوله على 11.9 في المئة متراجعا من 20.5 التي سجلها في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2019.

المفاجأة جاءت من تقدم أحد أحزاب اليسار الجديد والذي يسمى "تحالف سارة فاجنكنشت – العقل والعدالة" وهو حزب يساري شعبوي صغير انشق عن حزب اليسار السياسي الألماني (Die Linke) بمبادرة من سارة فاجنكنشت وأميرة محمد علي احتجاجا على تزويد أوكرانيا بالأسلحة. وفقاً لاستطلاعات الرأي المختلفة قبل الانتخابات، نال الحزب ما بين 12 و20 بالمائة (تصل إلى 32% في شرق ألمانيا)، ولكن الحزب حصل على أكثر من ستة في المئة من الأصوات وهي بداية جيدة رغم إنها تقل كثيرا عما أعلن في الاستطلاعات.

* الخلاصة هي أن أوروبا ليست جديدة على اليمين المتطرف وهناك بلدان يحكمهما اليوم اليمين القومي المتطرف كإيطاليا وهنغاريا. وهناك تجربة دموية هائلة لحكم اليمين المتطرف النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا، والخلاصة هي أن أوروبا ليست جديدة على اليمين المتطرف ولا هو جديد عليها غير أن أوروبا العجوز ذاتها تتوفر على تجربة كفاحية ضخمة لليسار والقوى الديموقراطية المناهضة لليمين المتطرف من أحزاب وقوى ديموقراطية جذرية واشتراكية وشيوعية وبيئية "خضراء" يمكنها النهوض والتوحد في مواجهة هذا اليمين الصاعد وإنقاذ أوروبا والعالم من شروره. ومن اللافت أن اليمين الأوروبي المتطرف في أيامنا قد غير من قشرته وتحالفاته حيث نرى تقاربا بل وتحالفا بينه وبين الحركة الصهيونية ودولتها العنصرية التي تمارس الإبادة الجماعية منذ تسعة أشهر بحق الشعب الفلسطيني فيما يحافظ اليسار الجذري الأوروبي وخاصة في فرنسا على مبادئه في الدفاع عن الفلسطينيين ومناهضة العنصرية الصهيونية.

وأخيرا أشار تقرير إحصائي إلى أن مجموعات الحزب الشعبي الأوروبي (يمين) مع الاشتراكيين والديموقراطيين و"تجديد أوروبا" (وسطيون وليبراليون)، مجتمعة، احتفظوا بالغالبية في البرلمان الأوروبي، رغم تقدّم كبير لقوى اليمين المتطرّف، على ما أظهرت تقديرات نشرها البرلمان، الأحد.

ومع 181 مقعداً متوقّعاً للحزب الشعبي الأوروبي، و135 للاشتراكيين والديموقراطيين، و82 لـ "تجديد أوروبا"، تشكّل هذه الأحزاب "الائتلاف الكبير" الذي ستحصل في إطاره التسويات في البرلمان الأوروبي، مع جمعها 398 مقعداً من أصل 720. وهذا يعني أن وصول اليمين المتطرف إلى الرئاسة أو إلى اللجان النيابية المهمة في البرلمان الأوروبي صعب جدا بل وشبه مستحيل في مواجهة هذه الأغلبية من اليسار ويسار الوسط واليمين ويمين الوسط.

***

علاء اللامي

....................

* رابط مقالة بقلم رشيد غويلب للتوثيق: على الرغم من تصدّر اليمين / حزب العمل البلجيكي يواصل نجاحاته

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=832786

 

في المثقف اليوم