قضايا

الإعلام والإجرام في قفص الإتّهام

ibrahem kazaliبعد الطفرة العلمية في التطور التكنولوجي السريع، والثورة الألكترونية في الأتصالات والحاسوب والأنترنت والفضائيات التي إنتشرت في كل بقعة من العالم، بل في كل بيت ومتناول كل فرد، حيث أصبح العالم وكما يقال (قرية صغيرة) وهذه حقيقة لا جدال فيها.

وبحكم هذا التطور والتواصل الإجتماعي بين البشر، ما عادت المسافات الزمانية والمكانية تشكل عائقا في عرقلة الحصول على المعلومة، علمية كانت، أو أدبية، أو خبرية . فما من مستجد على الساحة في أي نقطة في العالم، إلاّ وتصلنا بالصوت أو الصورة أو مكتوبة .

ومن خلال كل هذا التطور نحن تعودنا كل يوم والعالم أجمع، ما أن نُصْبحَ، أو نُمسي، إلاّ ونسمع خبر يَهُزّنا أو يسمم أبداننا، أو مسرحية دموية قديمة جديدة، وبإخراج جديد .

وأصبح معلوم لدى الغالبية العظمى من الناس المتتبعين الواعين، لا بل وحتى مَنْ لديه قليل من الوعي والمعرفة، إنّ ما يجري من أحداث في بلداننا خاصة والعالم عامة، ليست عفوية إطلاقاً .

وكما نعرف والجميع يعرف أن الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية من جانب، وحلفائهم الغربيين من جانب آخر، ما هم إلاّ وجهان لعملة واحدة .

ولو أردنا التعمق أكثر،وأزحنا الستار الذي يتخبى وراءه (اليهود الصهاينة) ولا أريد أن أتهم كل يهودي على الهوية، لأن الكثير من اليهود في العالم مُبتلين هم أيضاً بالحركة الصهيونية العالمية التي تتاجر بهم، وهُجّروا من أوطانهم حينها، ودفعوا الثمن غاليا رغماّ عنهم،وما يزال حنين الكثير منهم إلى مواطن ولادتهم ونشاتهم، وذلك بسب السياسة الدولية التي تحركها الصهيونية العالمية، وهم لا ناقة لهم فيها ولا جمل، والكثير منهم يدركون الحقيقة، ونحن قد نرى أكثر من مرة تظاهر جماعات من اليهود ومعهم الحاخامات يستنكرون وبصوت عال جرائم الأبادة الجماعية والوحشية التي يقوم بها الصهاينة بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، وبالأمكان مشاهدة تلك التظاهرات الأحتجاجية ضد الصهاينة وكيانهم المصطنع في اليوتوب . والشئ بالشئ يُذكر، أن أحد الأصدقاء في كندا حدثني ذات يوم عن زبون له يهوديا، قائلاً له: (أن الجمعية اليهودية في كندا تجمع تبرعات من الجالية اليهودية لأرسالها الى الكيان الصهيوني، ولكنه رفض وامتنع عن اعطائهم التبرع، لأنه يعرف أنّ هذه الأموال تذهب لقتل الأبرياء والتآمر).

فالصهاينة الكبار هم المستفيدون، وكما هو معلوم أنهم النسبة الأكبر في الكونجرس الأمريكي، وبهذا أشار للنفوذ الصهيوني في الكونجرس الرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) حين قال: (أي شخص في الكونجرس الأمريكي يقوم بمعارضة الكيان الصهيوني فإنه قد أقدم على الإنتحار السياسي). وكذلك انتقاده الإنحياز الأمريكي لإسرائيل في كتابه مذكرات البيت الأبيض، وجيمي كارتر هو الرئيس الوحيد الذي أعلنها وبصراحة في حياته . وكما قال ذات مرة لأحد المقربين له: (لوتمت إعادة انتخابي فسوف أقسو على اليهود ) ولم يتم إنتخابه بعد ذلك . بينما الرؤساء الذين من قبله كانوا يخفون غضبهم وكرههم لليهود، مثل ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد. بالأضافة الى ذلك هناك الكثير من السياسيين والمفكرين والإعلاميين الناقمين على الصهاينة وما يفعلونه من جرائم وحشية وخبث وتآمر وتدخل في شؤون الغير، ومن أبرز هؤلاء الصحفي الشهير (ريك سانشين) الذي فقد عمله في ال(سي أن أن) لإنتقاده هيمنة اليهود على القناة . وكذلك عميدة الصحافة الأمريكية (هيلين توماس) (1920 -2013 ) التي واجهت حربا شعواء وتجريدها من مواقعها الصحفية، لأنها قالت: (على اليهود أن يرجعوا إلى بلادهم ويتركوا فلسطين لأهلها)).

أمّا المفكر الفرنسي (روجيه غارودي) الذي حكمت عليه محكمة فرنسية عام 1998 للتهمة الموجهة إليه بالتشكيك في محرقة اليهود في كتابه الموسوم (الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل) حيث أنه شكك في الأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوربا في غرف الغاز على أيدي النازيين في المانيا. وفرنسا هي من إحدى الدول التي تدعي بحرية الرأي في التعبير، ولكن ما هو السر في محاسبة من يبدي رأيه في بعض ما يتعلق باليهود؟

لماذا وضعت دول الغرب وأمريكا خطوطا حمراء بخصوص الصهاينة؟

هل أنهم الأيقونة المقدسة ولا يمسها إلاّ المطهرون؟ وهل التطاول والإساءة لمقدسات الآخرين مباحة ولا حرج في ذلك؟

فالذي جرى بالأمس في فرنسا من فلم دموي راح ضحيته أناس أبرياء، إنّما هو فعل مشين وجريمة نكراء لتشويه صورة أمة ومقدسات، إبتداء بالرسوم المسيئة لنبي الإسلام محمد (ص) والإهانة الأخرى التي تشوه صورة المسلمين هي ماقام به جماعة إرهابية من القاعدة التي صنعتها بالأمس القريب المخابرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية، وبتصريحات مسؤوليهم المتكررة على شاشات التلفزة والصحف . هذه الجماعات الإرهابية التي لا تمت للإسلام بصلة،وما فعلوه من جرائم في سوريا والعراق واليمن وليبيا وكل مكان وجدوا فيه، هوالدليل الواضح والبيّن على هوية هذه العصابات المتوحشة، وقد صرح أكثر من مرة مسؤولين في سوريا وفي العراق (أن هذه العصابات الإرهابية التي تدعمونها اليوم ضدنا، فإنها ستطالكم غدا بجرائمهم ووحشيتهم).

فالدول الغربية وأمريكا ومن ورائهم الصهاينة هم الذين أوجدوا القاعدة والإرهاب وبناتها داعش وأخواتها، وصناعة أفلام الرعب والدمار في بلداننا وبلدان الغرب لزرع الفتن والتفرقة وبث السموم بين الشعوب .

فالإرهاب ليس له دين ولا وطن . وما قامت به وتقوم بقتل وذبح وتخريب ودمار في أفغانستان والشيشان وسوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا والجزائر ودول أفريقية، هو أكثر بكثير مما تقوم به في دول الغرب التي دعمتها من أجل غاياتها ومصالحها .

فنحن وبقدر ما ندين وبشدة هذه الأعمال الإجرامية والوحشية التي ترتكبها الزمر الإرهابية المتوحشة، فينبغي على كل الحكومات والدول والمنطمات الدولية مطاردة هذه الزمر الإرهابية ومحاسبة الجهات التي تدعمها ماديا ولوجستيا حتى يتم الخلاص من الإرهاب وخطره على الإنسانية جمعاء، وفي الوقت نفسه محاسبة كل من يسيء الى معتقدات ومقدسات الآخرين حتى لا تعطى الفرصة لمثل هذه الجماعات الإرهابية للقيام بجرائمهم الوحشية، وأن لا تكون حرية الرأي على حساب الآخرين، وأنما ينبغي تكون حرية الرأي على حد سواء في إحترام الرأي والرأي الآخر. ويجب أن يكون الإعلام بمؤسساته ومصادره المختلفة هادفا ومنضبطا وخلاقا، لا سبباً وأداة لقوى الشر والعدوان تحت عنوان حرية الرأي والتعبير .

إن المأساة والجرائم اليومية التي يعاني منها الشعوب، بسبب الإعلام الغير منضبط، وبسبب الأرهاب الذي يروج ويدعم من قِبَلِ كثير من وسائل الإعلام وإعطائها الشرعية من شيوخ الفتنة وسماسرة الدين والسياسة، وحصيلة ذلك الخراب والدمار الذي نراه في أفغانستان وسوريا والعراق واليمن والصومال وليبيا ودول أخرى، إنما هو بفعل هذه الجماعات الإرهابية التي تسرح وتمرح وتدعم ماديا ولوجستيا بالإضافة الى الدعم الإعلامي وبكل وسائله الخطرة والفاعلة في تنشيط الأرهاب فكرياً وعملياً، وكل هذا لم يحصل لو لم تكن هناك أيدِ ومصادرتمولهم بالمال والسلاح والبهائم . وكما يجب أن لا يفصل إرهاب الأفراد أو الجماعات عن إرهاب الدولة، فالإرهاب وكما حدده القانون الدولي وأدانه، وهو كما عُرّف بأنه (أي عمل منظم يُستَعمل فيه العنف (فعل جرمي) أو التهديد بإستعمال العنف لخلق جو من الخوف والذعر العارم بقصد القمع والإكراه أو بقصد تحقيق أهداف سياسية . ويُعرّف بأنه قتل أو جرح المواطنين الأبرياء .

فالصهاينة والحكام العرب وتركيا المتصهينين عندما يدعمون الأرهاب والإرهابين وبوضح النهار وبوقاحة، يريدون أن يُغَطّوا على جرائمهم الوحشية بنشر الإرهاب والخراب والدمار في كل مكان .

ومن المخزي والمعيب إن الدول الأوربية التي تتدعي الحضارة وحقوق الإنسان تتحالف مع ماكنة الموت الصهيونية العالمية، عن وعي أو من دون وعي وكذلك الأخت الكبرى للصهيونية أمريكا وأمهما العجوز بريطانيا .

هذا الحلف المشترك الذي تربطهم به المصالح المشتركة من جانب، ومن الجانب الآخر هو الإعلام العالمي ووسائله المختلفة الذي يهيمن عليه الصهاينة ويتحكموا به، بأعتباره الفاعل الأكبر في لعب دور التضليل والكذب وتشويه الحقائق وبث الإشاعات المغرضة والفتن . وما قاموا به بالإساءة للرسول الأكرم محمد (ص) في أمريكا والدنيمارك وفرنسا، ما هو إلاّ بفعل اليد الصهيونية القذرة، وذلك لأسباب عدة، منها أولاً لكي يقولوا للعالم أن المسلمين قتلة ومجرمين وإرهابيين، وثانيا ليشحنوا المجتمع الأوربي على المسلمين بإفتعالهم هذه المسرحية الدموية، بعد أن حرّكت أصابع مَنْ قام بالأساءة للرسول الأكرم محمد (ص) وللمسلمين، وبالمقابل تحريك صنيعتهم الزمر الإرهابية المجرمة، في الوقت الذي يحتفل فيه الناس فرحا بمناسبة العام الجديد ليقلبوا الأفراح الى أتراح وليُصبِغوا بياض ثلوج شوارع باريس بالدم، كي يقنعوا الناس البسطاء ان المسلمين إرهابيين وقتلة . والسبب الآخر الذي يخطط له الصهاينة لمثل هذه المسرحيات الدموية، هو إشعال نار الفتنة، وإشغال العالم بالمشاكل والحروب والقتل والخراب والدمار، لإبعاد النظر عن جرائمهم وممارساتهم الوحشية بحق الشعب الفلسطيني التي لا تُعدّ ولا تُحصى.

 

الدكتور إبراهيم الخزعلي

10/01/2015

في المثقف اليوم