قضايا

طلب الى الدكتور حيدر العبادي

qassim salihyالسيد رئيس مجلس الوزراء المحترم

تحية مباركة

انطلاقا من مسؤوليتنا الوطنية وحرصا على اهلنا ووطننا، وادراكا لحقيقة فشل الحكومة والاعلام العراقي في ادارة الحرب النفسية التي حققت بها داعش انتصاراتها في الموصل وتكريت والرمادي .. وخطورة ما يصدر الان من تصريحات لمسؤولين كبار من ان داعش على ابواب بغداد. ونظرا لامتلاكنا الخبرة المطلوبة فانني على استعداد لتشكيل فريق علمي متخصص بالحرب النفسية وسيكولوجيا الاشاعة في يومين ونكون جاهزين للعمل خلال هذا الاسبوع.

اسمعوا المتخصصين الاكاديميين المستقلين سياسيا هذه المرة، فالوطن في خطر لن تسلموا منه حتى انتم.

تفضل بقبول وافر التقدير والاحترام.

الاستاذ الدكتور قاسم حسين صالح

رئيس الجمعية النفسية العراقية

21/5/2015

***

ملحوظة:

كنا نشرنا مقالا في جريدة الصباح (2 ايار 2015) بعنوان (في سيكولوجيا الشائعة)..نعيد نشره لقراءة ما فيه من افكار ومقترحات .

 

في سيكولوجيا الشائعة .. تحليل لما حدث ويحدث

أ.د.قاسم حسين صالح

 

ثمة حقيقة هي ان الحرب النفسية تحسم النصر لمن يجيد استخدامها، بمعنى ان الكلمة تكون احيانا اقوى من البندقية في حسم المعركة، وان الاشاعة اصبحت الآن اكثر انتشارا واقوى تأثيرا بفعل الانترنت ومواقع الاتصال الاجتماعي، فضلا عن وسائل الاعلام التقليدية.

نختار لكم واقعتين، الاولى حدثت قبل سنة والثانية تحدث الان..في الاولى:اصاب العراقيون ذهول صباح سماعهم سقوط الموصل بيد مسلّحي (داعش) وهروب قوات الجيش العراقي تاركة اسلحتها ومعداتها..واختفاء الشرطة المحلية من شوارع المدينة، وفرّار الناس من المدينة مذعورين.وتحول الذهول الى هلع حين توالت الاخبار بأن المسلحين استولوا ايضا على مدينة تكريت..وأنهم في طريقهم الى بغداد..وكان للأشاعة الدور الأكبر فيما احرزه المسلحون من انتصارات وما اصاب الناس من انكسارات.

والثانية:واقعة الثرثار (ناظم التقسيم)..فقد تناقلت مواقع الاتصال الاجتماعي (الفيسبوك) تحديدا عن مقتل ما بين 140 الى 150 ضابطا وجنديا في هجوم لداعش، وان هذه القوات كانت محاصرة وطلبت النجدة وارسال المساعدات من الحكومة ووزارة الدفاع ولم يستجب احد.وقد نقل لي مسؤول اعلامي بان قناته تلقت رسائل استغاثة من قادة عسكريين كبار، وان فضائيته بثتها باصواتهم..ولم يستجب احد.وعلى اثرها ادان مسؤول لجنة الامن والدفاع في البرلمان هذه الجريمة البشعة وطالب بمحاسبة المسؤولين عنها، وحصلت تظاهرات في جامعات (ذي قار مثلا) تطالب باقالة وزير الدفاع ووصفوه وقادة اخرين بانهم (مجرمون) لم يكترثوا بارواح (150)ضابطا وجنديا، فيما صرح السيد رئيس الوزراء حيدر العبادي(مساء 27 نيسان) بان العدد لا يتجاوز (13) ضابطا وجنديا(وان قصة ذبح 140 مقاتلا مفبركة بالكامل )، وان منطقة الثرثار بيد القوات العراقية وان ما يجري هو تهويل اعلامي..الذي هو في المنطق العلمي..حرب نفسية..اداتها الاشاعة.ولكي لا تتكرر في واقعة ثالثة ورابعة..ومن اجل الوطن والناس تأتي هذه المقالة العلمية المتخصصة بسيكولوجيا الدعاية والاشاعة.

 

 

بعيدا عن تفاصيل انواع الدعاية والاشاعة، وبهدف حصر الموضوع بالحدث الأخطر الذي يواجهه العراقيون فان الدعاية تعني معلومات، او معتقدات، أو التبشير بمشروع او: اثارة، ايحاء، تحريض، مناورة، تضليل..تستخدم للتأثير في الناس لتحقيق ثلاثة اهداف عبر ثلاث مراحل:تغيير الاتجاهات، وحصول الاقناع، وصولا الى تغيير موقف يتبدى في سلوك عملي.

ذلك هو الهدف النهائي للدعاية في اوقات الحروب والازمات:تغيير السلوك الفعلي للناس الناجم عن تأثير الدعاية في تغيير اتجاهاتهم وحصول اقتناع لديهم بما تحمله تلك الدعاية من مضامين وافكار وتوقعات وخطط ومشاريع..يعتمد نجاحها على جودة صياغتها علميا وواقعية اجراءاتها عمليا.

اما الاشاعة فهي خبر او حدث يجري تداوله شفاها بين الناس، قد يكون مختلقا وقد يتضمن حقيقة او جزءا منها(واقعة ناظم التقسيم مثلا)، يجري تضخيمه بطريقة تشبه رسم فأر صغير يتحول عبر سلسلة من الرسامين الى بعير كبير..هدفها الرئيس خلق فوضى معلوماتية وتشوش فكري تفضي سيكولوجيا الى شعور المتلقي بالخوف او الرعب الناجم عن توقع الشرّ، او تضخيم الادانة.ويمتد تأثيرها من خفض المعنويات وتفريق الناس بين مصدّقين مرعوبين، وخائفين، ومحبطين، ومتذمرين من نظام سياسي او حكومة مسؤولة عن امنهم..الى انعكاس تأثيرتها السلبية (الخوف، الهلع، كيل التهم، الفتنة....)، كما جرى في نزوح اهالي الانبار.

يتحكم في انتشار الاشاعة ثلاثة قوانين هي :اهمية الحدث، وصدمة المفاجأة، والغموض..بمعنى:كلما كان الحدث كبيرا، ووقوعه مفاجئا، واكتنفه الغموض..انتشرت الاشاعة في علاقة طردية بها..وهذا ما جرى في الواقعتين..ففي سقوط الموصل(10 حزيران 2014) وما تبعه من احداث:هروب قوات مسلحة وشرطة وسقوط مدن وفرار ناس..تحققت فيها قوانين الاشاعة الثلاثة بشكل مثالى لم يحصل في تاريخ حروب العراق من عام 1980 رغم كارثيتها. نقول ذلك بوصفنا عاصرنا تلك الحروب وكتبنا عنها.فالحدث (سقوط الموصل) كان مهما جدا لدرجة ان المحللين السياسيين وصفوه بأنه شكّل بوابة الدخول الى شرق اوسط جديد، والخطوة العملية الأولى نحو تقسيم العراق. والحدث حقق صدمة مفاجأة غير مسبوقة، ليس فقط بتساؤل الناس بذهول:كيف حصل هذا؟..بل وايضا في صعوبة تصديق هروب خمسين الف ضابط وجندي وخمسين الف شرطي امام ثلاثة آلاف مسلّح. وبتوفير الحكومة (السابقة) القانون الثالث لانتشار الاشاعة (الغموض)..بقول رئيسها، في حينها، بان الذي جرى في الموصل كان (خدعة ومؤامرة)..تكون القوانين الثلاثة لانتشار الاشاعة قد توافرت بحالة نموذجية غير مسبوقة في تاريخ الاشاعات التي رافقت حروب العراق الكارثية، بعهديه..الدكتاتوري والديمقراطي..وأليها يعزى الدور الرئيس في صنع مسرحية من نوع (اللامعقول) في مشاهد متلاحقة لانكسارات مهينة للجيش العراقي أمام مسلحين قد يهزمون شرطة في شوارع مدينة ولكن ليس جيشا في ساحات الحرب.

والحال نفسه تكرر في واقعة (ناظم التقسيم)..اذ وفرت الحكومة الحالية قوانين الاشاعة ولم تسارع الى ازالة (الغموض)الذي اكتنف حدثا مهما شكّل لهم صدمة مفاجأة..عنونتها وسائل الدعاية باسم (مجزرة الثرثار)..ثم (مجزرة طربيل)..وفي هذا زخم سيكلوجي يغذي الاشاعة ويساعد على انتشارها بسرعة..بتوظيفها على انه سيحقق ثلاثة اهداف كبيرة:منع الحركة التجارية عن بغداد، وتأمين الامدادات للمسلحين، وادامة زخم تقدمهم نحو مناطق اخرى، فضلا عن رفع معنويات المسلحين بتصوير ان ما كانوا يحلمون به، ويقاتلون من اجله قد تحقق جغرافيا على الارض بربط ارض الشام بأرض العراق وقيام دولتهم الاسلامية..بل انهم سيمضون اكثر في توظيف اشاعة نفسية ستثير رعب الناس حقا..هو انهم سيقطعون المياه عن العراقيين بسيطرتهم عمليا على نهر الفرات!..وانهم سيغرقون الضفة التي فيها القوات العراقية لكونها منخفضة فيما هم قبالتهم في الضفة العليا.

اذكر أن االقيادة العسكرية قالت قبل سنة ما عدّه الناس تضليلا واعترافا ضمنيا بانهيار نفسي عسكري على لسان المتحدث باسمها السيد قاسم عطا بأن (انسحاب الجيش عن بلدات غربية كان تكتيكيا)، تبعه قول رئيس الحكومة بان الجيش سيشن هجوما كاسحا لاخراج داعش من الموصل.يضاف الى ذلك استحضار الناس لما كان يبثه الاعلام العراقي في السنتين الاخيرتين، اذ ما كانت تمر ليلة لم يكن فيها خبر عن قتل او اعتقال ارهابيين، والاستيلاء على اسلحة ومعدات..لو تم جمعهما بطريقة حسابية لكان المجموع يساوي جيشا لاكبر دولة!..ما جعل العراقي حائرا بين أمرين:اما ان يكون الارهابيون كائنات من الجن، وهذا غير معقول، او ان الاعلام العراقي كان يبالغ ويفبرك في تصوير الاحداث، وهو المعقول.

والواقع ان الحكومة الحالية لها الموقف نفسه، فمع تشخيص السيد العبادي (27 نيسان 2015) بان (هناك حربا نفسية موجهة ضد العراق)، فانه مرّ عليها بما يكفي الاشارة لها، مع ان الحرب النفسية يمكن لها ان تجلب الكارثة بفتح جبهتي حرب..طائفية ومناطقية.

لم يتعلم الاعلام العراقي بعد ان الدعاية والاشاعة في زمن الحرب يجب ان تفنّد الخبر بصورة او بشهادة متحدث يتمتع بالمصداقية..لا بكلام معظمه فائض معنى.وأنه مايزال يمارس دور (تقبيح) وجه العدو و(تجميل) وجه الحاكم..وما يزال يكثر من اظهار المتحدثين الذين يقولون ما يرضي الحاكم والسلطة التي ينتفع منها.وما يزال يعتمد في دعايته على وجوه مستهلكة (مكروهة)، لدى الناس انطباع عنها بانها تكذب.فشتان بين ان يظهر في وسائل اعلام السلطة من هو محسوب عليها وآخر مفكّر مستقل يعرف كيف يحلل بموضوعية وكيف يبطل مفعول الاشاعة التي اصابت الناس بالانكسار والخوف..ويسكنها الآن توقع الشر.

نعم ان داعش مسكت مساحات من الأرض..لكنها بالنتيجة لن تستطيع الاحتفاظ بها لمدة طويلة لان المجتمع العراقي بكافة مكوناته يرفضها، وان المسلحين، وان بدوا الآن متحدين، فانهم مجاميع متقاطعة ايديولجيا وعقائديا وسلوكيا، وان القتال فيما بينها سيكون حتميا، فضلا عن ان الكثيرين بينهم من جنسيات مختلفة لا مستقبل لهم في العراق.

ان الاعلام العراقي بحاجة الان الى دعاية من نوع جديد.وكما تشكل غرفة عمليات عسكرية يجب ان تشكل غرفة دعاية اعلامية يجيد صناعتها عقول متخصصة في الاعلام وعلم النفس والاجتماع من المستقلين سياسيا وغير المحسوبين على السلطة..تمتد نشاطها الى اجراء بحوث ميدانية سريعة تستقرأ الحالة النفسية للشارع العراقي والجندي العراقي، وتنتقي وجوها جديدة تتمتع بالرصانة والمصداقية والحب الصادق للعراق وأهله، وتتعامل مع الحدث بما يبطل قوانين الاشاعة في لحظتها..سيما وان المزاج العراقي صارت لديه شهية للأشاعة والنيل من الآخر..اشاعها بينهم سياسيون..شهيتهم للثروة وقضم السمعة مثل جهنم..يسألونها هل امتلأت..تقول هل من مزيد!

 

*رئيس الجمعية النفسية العراقية ومؤسسها(2003)

في المثقف اليوم