قضايا

ماذا لو اغتيل السيد حيدر العبادي

qassim salihyبصرف النظر عما اذا كانت الصدفة، الحاجة، الكفاءة .. قد جاءت بالسيد العبادي لرئاسة مجلس الوزراء العراقي، او ان اميركا اعتمدت استراتيجية استبعاد الصقور (نوري المالكي، اسامة النجيفي ..) والمجيء بـ(الحمائم): فؤاد معصوم، الذي لم يوافق تسعة من اعضاء مكتبه السياسي على ترشيحه لرئاسة الجمهورية، وسليم الجبوري الذي لا يؤهله تاريخه السياسي وخبرته لمنصب رئاسة البرلمان العراقي .. فان حيدر العبادي حسب على الحمائم ومنحته اميركا تاييدها، وانعم عليه اوباما في (20) ايار الجاري لقب (المخلص والملتزم بدولة عراقية تشمل الجميع). والواقع ان الرجل حقق حضورا دوليا لافتا، وطرح بنود اتفاق سياسي حظي بموافقة كل الاطراف .. اسرع في تنفيذ عدد منها ثم تباطأ وتعثر لتعقد الوضع السياسي في العراق .. لكن الانطباع العام عن الرجل انه عمل ويريد ان يعمل من اجل العراق رغم الملاحظات السلبية عليه.

في الشهر الاول من توليه السلطة عاش السيد العبادي حالة مازقية .. فأمين حزبه (المالكي) وقف بالضد منه يوم جرى ترشيحه لرئاسة الوزراء، ووصف العبادي بأنه يمثل نفسه .. بل ان الأمر وصل الى (تجييش) حزب الدعوة ضد ترشيح العبادي .. ولنا ان نتذكر تهديدات ما اطلق عليهن (حريم السلطان) .. وقول احداهن: "ستكون شوارع بغداد دمايات ان ترشح احد غير المالكي".

وكان للمأزق بعدان، سيكولوجي سياسي .. خلاصته ان السيد المالكي رأى أن صاحبه (العبادي) غدر به واطاح بطموحاته التي صورت له انه زعيم من نوع فريد، وشعر بحيف او حقد سيولّد لديه دافع انتقام، لاسيما اذا نجح العبادي فيما لم ينجح هو فيه .. وهذه حقيقة ادركها العبادي نفسه حين شعر يومها بمخاوفه التي دفعته الى اعلانها صراحة في كربلاء: (يريدون يقتلوني .. ما يهمني).

هذا يعني ان امر اغتياله وارد، وانه لا السنة سيفعلونها ولا من عادة الكرد اغتيال خصومهم السياسيين العرب، انما اللغط يدور حول دولة القانون وحزب الدعوة تحديدا، وان الشخص الذي ستحوم حوله الشبهات، ان حصل الاغتيال، هو السيد نوري المالكي، حتى لو ان المحاولة قامت بها جهة اخرى تريد ايقاع الفتنة بين القوى السياسية الشيعية، او ان المالكي او من يوعز له، يدبر له مكيدة ينسبها الى جهة سنية، كردية، داعشية، اسرائلية .. تعيده ثالثة الى رئاسة الوزراء .. وهنالك ما يشير الى ان نشاطه السياسي الحالي وتصريحاته النارية الأخيرة .. (ستكون بحورا من الدم) بخصوص نوايا امريكا بتسليح السنة والبيشمركة .. يسير بهذا الاتجاه.

وبرغم ما اشيع من ان العبادي سيستقيل من حزبه وانه سيشكل حزبا جديدا، فان الحقيقة المؤكدة هي ان حزب الدعوة يمر الان بحالة استقطاب بين المالكي والعبادي، اوصلت الاخير الى نهاية مرحلة اشكالية عاشها مع السيد المالكي بوصفه امين حزبه وان عليه ان يأتمر بأمره .. فيما هو يريد تحقيق اجراءات تعارض رغبة المالكي .. كان ابرزها ما قام به من اصلاحات في اخطر مؤسستين بالدولة، الدفاع والداخلية .. اضطره مأزقه الى ان يعتمد اجراء الآعفاء في تلك الاصلاحات وليس مبدأ العقاب والثواب .. في رسالة تحمل معنى ضمنيا للمالكي بأنه (متفضل) عليه .. وان هذا سيكون (مسك الختام) .. وفاتحة الخصام.

والواقع ان ما يجري الآن من احداث متسارعة هو في صالح خصمه السيد المالكي. فسيناريو سقوط مدينة الرمادي هو (كوبي بيست) لسيناريو سقوط مدينة الموصل، باستثناء ان سقوط الموصل حدث في ساعات فيما سقوط الرمادي حدث في دقائق .. ما يعني ان المالكي سيوظف سقوط الرمادي في رسالتين: الاولى، تأنيب للناس ولخصومه الذين حملّوه سقوط الموصل، والثانية للعبادي .. بانك ما كنت الخيار الافضل، بل الافشل لأن الحاكم الناجح عليه، في الأقل، ان يتعلم من تجارب سلفه.

وحقيقة سيكولوجية اخرى هي ان العامل الحاسم في انتصارات داعش انها اجادت استخدام الشائعة وعرفت كيف توظف (الصدمة) في اثارة الرعب والخوف والفزع بين القادة العسكريين والجنود الذين تركوا شرفهم العسكري في الشوارع وهربوا.ففي سقوط الموصل تحققت قوانين الشائعة الثلاثة (اهمية الحدث، وصدمة المفاجأة، والغموض) بحالة نموذجية غير مسبوقة في تاريخ الشائعات التي رافقت حروب العراق الكارثية، وها هي تتكرر في سقوط الرمادي .. ما يعني ان دولة القانون ورجلها المالكي سيستغلان الموقف ويوظفان ما قاله نوري شاويس في البحر الميت من (ان داعش على ابواب بغداد)، ووصف عمار الحكيم لمقاتلي داعش (بانهم قوم أشدّاء واصحاب عقيدة)، وما قاله العامري مساء (24) الجاري بان (الرمادي خاصرة بغداد .. واذا سقطت بغداد سقطت كل المحافظات) .. وتصريح كارتر بان القوات العراقية لا تمتلك الارادة لمقاتلة داعش، وطلب (مكين) ارسال عشرة آلاف جندي امريكي الى العراق .. سيروجانها في اشاعة سيكولوجية تثير الفزع في الناس المفزوعين اصلا .. توصل الشيعة الى وجوب ان يستقيل العبادي قبل ان يفنى غالبيتهم، والا فان مبدأ (الضرورات تبيح المحظورات) يجب ان يطبّق في عرف دولة القانون .. بالخلاص من الذي كانوا يظنون الخلاص على يديه .. والاقتناع بأن لا وجود للشيعة الا بوجود المالكي.

ما قلناه ليس نسج خيال بل هو ما يدور في الغرف السرية، والواقع يشير الى ان دوافع اغتيال السيد العبادي متوافرة، فترويج قوى شيعية لخطر داعش بانها صارت على مرمى حجر من كربلاء وان الأمر يستدعي وجود رجل قوي يحميها، فضلا عن ان سيكولوجيا السلطة في العراق وحب الثروة والجاه وما احدثه الفساد من تهروء للضمير والاخلاق التي اوصلت العراقي السياسي الى استسهال تصفية الخصوم .. خلقت الان اجواءا مثالية لجهات تخطط او خططت فعلا لاغتيال العبادي وتنتظر ساعة الصفر لتنفيذه، فما الذي سيحصل ان حدث الاغتيال؟

الحقيقة التي خبرها العراقيون في نيسان (2003) تفيد بان السلطة ستكون للشارع .. فلا وجود سيكون للجيش ولا للشرطة بل للقوة الأقوى. هذا يعني ان القوة التي ستفرض نفسها هي المليشيات التي يزيد عددها الان على الاربعين، وان ايران ستدعم القوة الاكبر وستأتي بدكتاتوري ترى فيه انه سيوحّد العراقيين ويؤمن لها تحقيق هدفها بجعل العراق جسرا للسيطرة على المنطقة، فيما سيكون الحدث، ان حصل، هو الصفحة الأولى في كتاب: تاريخ ثلاث دول كانت تسمى العراق!

في المثقف اليوم