قضايا

سوسيولوجيا الله أو علم اجتماع العالم الآخر

raheem alsaidiربما أعدها مجموعة أسئلة، ولكن الأسئلة هي مفاتيح الفلسفة أو البحث، والمنظومة التي تراود مخيلتي هذه الأيام هي محاولات لاستكشاف أرضية العالم الآخر الفكرية، وقد بدأت بالمقارنة بين منطق أرسطو ومنطق العالم الآخر وما تفاوت بينهما من قواعد، أما الحديث عن علم اجتماع العالم الآخر فهو محاولة لفهم طبيعة ذلك الوجود الثابت بالقياس الى الوجود الاجتماعي المتغير في عالمنا الأرضي .

والإشارة في مقال مختصر لموضوع مهم لا يقلل من أهمية الفكرة، التي يفترض مناقشتها في كتاب منفصل كما هو الحال مع مواضيع أخرى اعتز بها مثل الفلسفة والمخابرات ومنطق أرسطو ومنطق الآخرة والقبض والبسط للحضارات ....الخ .

ولا يأرجح ومضة اللهب أو شعلة الفكرة في ذهني بغية إطفائها إلا الجملة الاعتراضية التي تشير الى ضرورة الاهتمام بعلم الاجتماع الأرضي بدلا من السياحة في العالم الآخر، وهي صورة قاتلة للطموح والبحث العلمي ومحاولة التغيير والتنوع .

والموضوع يحتاج الى تأسيس ودقة، وسأكتفي كعادتي بالتنويه بشكل مختصر ومبسط لأهم الإشارات التي تخص هذا الموضوع . وإذا كانت الأسئلة هي السلاح الأهم في خوض هذه التجربة فان المفكرين في الفلسفة والاجتماع يميلون الى هذا النمط من استنطاق الأفكار من خلال الأسئلة وآخرهم رايت ميلز صاحب كتاب الخيال السوسيولوجي .

ويصبح من البديهي السؤال ما هو نظام المعيشة في العالم الآخر ؟ أو بنحو آخر ما هي مفاهيم العيش من خلال التجمع البشري هل هي الدولة أم هو النظام الآلي الروتيني أم الحكم الديمقراطي، بانتخابات معينة لكل مجتمع من عدد مهول من المجتمعات أم انه نوع من الإدارة المختلفة الجديدة التي لا ندركها إلا في وقتها نظرا لتغير المنظومة المنطقية في تحركات الإنسان واختلاف مقدرته وإمكانياته؟ .

هل تبنى التجمعات البشرية على اختلافها أو على تدرجها في تحصيل درجة الهروب من عقاب سجل باسمها في عالمها التي رحلت مجبرة منه (وهو العالم الأرضي) الى عالمها الجديد، فهل يعتمد ذلك العالم على نوع من النظام الطبقي هناك، مع وجود امتيازات تختلف وفق نتائج فعل إنسان لآخر فيحصل نوع من التمايز في المرتبة التي يصل لها إنسان ما فتختلف عن الآخر .

وعلى هذا كيف يمكننا فهم اجتماع الناس في العالم الأخروي، إذا فهمنا ان نواة بناء المجتمع وهي الأسرة ستخضع لإشكالية التشتيت، تلك النواة التي كانت معتمدة في العالم الأرضي،سوف تقنن أو تتوقف عن التوسع أو إعادة إنتاج العلاقات المختلفة إلا تلك التي تخص ذاكرة المرحلين من العالم الأرضي، وبالتأكيد الأمر يتعلق بما يتبع هذه القضية من المتغيرات القديمة في الحياة الدنيا،والتي سوف تتوقف في العالم الآخر .ويحتاج هذا الأمر واقصد فهم خريطة الفرد والأسرة الى إعادة تشكيل وتحليل، لأهمية النواتين (الفرد - الأسرة القديمة) المتوقفة عن التمدد والتي ستتعرض الى عدد من الثلمات المؤلمة لابتعاد العديد من أفراد تلك الأسر عن بعضها البعض بفعل تقييم أفعالها المقترنة بها والمرحلة من عالم الأرض، فيحال العديد من الأفراد الى أماكن أخرى ينقطع فيها التواصل البشري والأحاسيس والاجتماع الفكري .

ومع اختلاف منطق الآخرة عن الدنيا سيما في المقولات الأرسطية من الطول والعرض والإضافة والمكان والزمان ...الخ،وقواعد المنطق الأرسطي الأرضي من عدم التناقض والثالث المرفوع وثبات الهوية، سوف يتغير فهم قواعد الاجتماع البشري، لأنه يبنى على قواعد أرضية مؤقتة (مع أهميتها).

ويلاحظ ان ما ينتج في ذلك العالم الجديد هو انهيار قيم القبيلة والعشيرة الأرضيتين المعتمدتين في عالمنا اليوم، فلا انساب بينهم يومئذ، كما يصرح القران الكريم .

بالإضافة الى اضمحلال طبقات الفلاحين والعمال والعسكر والعبيد والساسة وبقية الطبقات باستثناء طبقة العلماء، وكأنها الصورة التي كان يلمح لها أفلاطون في المدينة الفاضلة واليوتوبيا التي صاغها .

ويصار الى إعادة هيكلة نظام الزواج والبناء الاجتماعي على ما ينتج من هذه القواعد الجديدة التي تتغير جذريا في العالم الأرضي، و تتغير صورة التربية والتعليم المعتمدة في الأرض، بناءا على تغير مفهوم الغرائز الإنسانية التي تكون أشبه بالمسلوبة بسبب أو بآخر، فهم أخوان على سرر متقابلين .وعلى هذا فان نظريات علم النفس الذي يدخل ضمن نفس آلية علم الاجتماع الآخرة، ويمكننا الحديث عنه مستقبلا باسم علم نفس الآخرة، هذه النظريات تتغير أيضا لاختلاف مفهوم البيئة وإلغاء آلية الوراثة ....الخ .

ومن الأسئلة التي تستيقظ في هذا البحث هي تلك التي تسال عن عامل توحد التجمع الإنساني هناك في العالم الثاني، وما هي خارطة بناء المدينة أو الإقليم أو القارة أو العوالم أو الكوكب أو السماء الخاصة وما تأثيرات الاقتصاد والفكر والفن والعلاقات الاجتماعية الجديدة .

وكيف يمكن تقييم الفعل الإنساني الذي هو الوحدة الثانية بعد النوايا وفق كونه نتاج اجتماعي يرتبط بغيره من العلاقات، وهل يتوقف صدام نتاجات الأفعال الإنسانية فإذا كانت هذه الآلية مطروحة للفهم، فما هو مصير الأفعال الإنسانية المرتبطة بالسياق الاجتماعي وهل ان بعض الأفعال توصف ببعض الشر، وهل ستخمد مفاهيم الأعراق تماما سيما انها ترتبط باتصال وذاكرة العالم الأرضي، وما حجم ترحيل الذاكرة الأرضية الى الذاكرة الأخروية .

يضاف الى ذلك ما هي قواعد الجنس وفق كونها من الأسس المعتمدة في النظام الجديد هناك وما اختلافها عن القواعد الأرضية ويشمل ذلك بالطبع تبعاتها من الإرث والمواريث وما هي طبيعة النظام الحياتي هل هو الريفي أم المدني أم المشترك .

وأيضا ما حجم التكيف مع تغيرات الزمكان والبيئة وقواعد العيش وهل هناك وجود في العالم الأخروي لعلم اجتماع تربوي أو حضري أو جنائي أو ديني أو سياسي أو قانوني .

وانا اعلم ان هذه الأسئلة قد لا تعني البعض، لكن أهميتها تكمن في الاستكشاف والتحضير للغد أو المستقبل، كما انها قد تصبح علما في المستقبل (وهو أمر مؤكد لدي) بالإضافة الى علوم أخرى مثل علم نفس الآخرة والاقتصاد والبيئة وعلوم الرياضيات والفيزياء وسواها ....الخ، واقصد من زاوية دراستها الأرضية لفهمها باعتبارها من العوالم التي أشير إليها في النصوص الدينية المختلفة .

والحديث عن علم اجتماع الآخرة يحتاج الى بحث مستقل وإحاطة بخيوط العالم الذي يتحدث عنه النص الديني باعتباره الواقع القادم الجديد.

 

د. رحيم الساعدي

 

 

في المثقف اليوم