قضايا

صعوبات تنشئة الطفل العراقي في ظل تحديات الواقع وضبابية المستقبل

تكمن ثروة الشعوب الحقيقية في الجيل الصاعد من أبنائها، في أولى مراحل أعمارهم الغضة، أو ما يسمى بمرحلة الطفولة، وكيفما تعتني بهم، بما من شأنه توفير جميع المستلزمات لبناء عقولهم وتنميتها، ستحصل مقابل ذلك على جيل قادر على بناء مجتمع متقدم حر وسليم. فكيف هو واقع الطفولة في العراق، وكيف يتعامل مجتمعنا مع أبنائه في سنين حياتهم الأولى؟؟؟؟؟

 الطفولة في العراق تعاني  أمراضاً كثيرة، لابد من إيجاد العلاج الفاعل لها، قبل فوات الأوان، ومن المشكلات الجسيمة التي يتعرض لها الاطفال:

1. استغلال الاطفال في التجنيد الارهابي المباشر وغير المباشر.

2. تدهور الصحة النفسية والجسدية بسبب الممارسات غير الشرعية كتعاطي المخدرات والتسكع في الطرقات والتسول الذي اصبح منظرا مالوفا في مفترقات الطرق والاسواق والاماكن العامة ويصل الامر حتى الى الاستغلال الجنسي.

3. اليتم وفقدان الحنان الأبوي، والرعاية الأمومية الذي يؤدي الى وحشية التعامل مما يخلق جيلا عنيفا يولد الجريمة.

4. العمل الشاق الذي لا يتناسب مع اعمار الاطفال الامر الذي يودي الى اضرار جسدية تصل حد الاعاقة تحت الظروف الجوية القاسية كالحر الشديد والبرد القارص وهذا العمل يكون على حساب نصيبه من التعليم في كثير من الاحيان.

5. تعرض الاطفال لعمليات الخطف والقتل والمساومات المادية بمقابل ذويهم كون هذا الطفل ضعيف البنية والعقل ولا يحسن الدفاع عن نفسه فيسهل على المجرمون تنفيذ جرمهم بسهولة لبلوغ غاياتهم.

6. تعرضهم للعديد من اعمال الخطف من قبل عصابات متخصصة بغية المتاجرة باعضائهم الجسدية.

إن مشكلة الطفولة في العراق قديمة، لأن النظرة إلى الطفل تتسم بأنه غير واع ومدرك لما حوله، وإدراكه يبدأ عند البلوغ، لذا فهو يتعرض إلى انتهاكات أخلاقية متعددة ومختلفة. ويساعد على ذلك عدم وعي الآباء والأمهات، بأهمية الطفولة في المجتمع وتأثيرها المستقبلي، وكثير من العوائل تترك الطفل للزمن، فهو كفيل بوجوده وديمومته وتوجيهه. وفي وقتٍ متأخر بدأ الاهتمام بالطفولة، لكنه تزامن مع الحروب والحصار الاقتصادي الذي شهده العراق قبل 2003، ثم العنف الطائفي الذي عصف بالعراق دون رحمة في الأعوام التي تلت التغيير، مما جعل الفرد العراقي، يكون ضحية الحرب والإرهاب، ودفع الطفل ثمناً غالياً في هذه الظروف. ويتعرض الأطفال خلال التفجيرات بالعبوات الناسفة والسيارات المفخخة إلى القتل أو بتر أعضاء من أجسادهم وهذا يجعلهم غير قادرين على ممارسة حياتهم، أو فقدان إحدى حواسهم كالسمع والبصر.

وبسب الظروف الاقتصادية التي تعيشها العوائل العراقية ينخرط الأطفال بالعمل مبكراً، ويشكل العمل المرهق نوعاً آخر من العنف الجسدي، فكثير ما يطلب من الطفل أن يقوم بأعمال تفوق قدراته الجسدية، أو العمل تحت أشعة الشمس الحارقة وقضاء ساعات طويلة في العمل، مما يسبب له التعب والإرهاق، وقد يتعرض الطفل للشتم والإهانة والإذلال.

 يتعرض الطفل إلى العنف النفسي، بحرمانه من كل وسائل الترفيه، ليكتفي بالجلوس لساعات طوال أمام التلفزيون ليشاهد وقائع الحرب المرعبة، ويقدر له أن يشاهد بأم عينيه الانفجارات والجثث، مما جعل الطفل لا يميل إلى الألعاب السلمية، وإنما يفضل أن يلعب أدوار العنف أو يرسم صوراً تمثل الحرب والدمار والقتل، بعد أن كان يرسم شجرة وعصفوراً ونخلة.

وبذلك بات الطفل العراقي، ضحية المجتمع الذي يتجاهل حقوقه، ويدافع عنها، ففي إحصائية

لمنظمة اليونيسيف قدرت في عام 2008 نسبة العمالة بين الأطفال تصل إلى 11% من الأيدي العاملة". وهذه النسبة زادت بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت على الشعب العراقي بعد ذلك التاريخ وظروف الحرب والعنف. إن الأعمال الشاقة التي يقوم بها الأطفال قد تسبب لهم العوق بسبب التعامل مع الآلات الحادة الجارحة وظروف العمل التي لا تناسب هذه الشريحة.

وتشير إحصاءات وزارة التخطيط والتعاون الإنمائي، إلى أن عدد الأطفال الأيتام في العراق بلغ نحو أربعة ملايين ونصف المليون طفل بينهم 500 ألف طفل مشرد في الشوارع.

كما تستغل المنظمات الارهابية الأطفال وتسخرهم لأعمالها العدوانية كالقتل وزرع العبوات الناسفة وتفخيخ السيارات، ونشر النعرات الطائفية، لتترك تأثيراً سلبياً على نفوسهم الغضة الطرية ويصابون بأمراض نفسية، نتيجة الخوف والرعب الذي يتعرضون له.

اكدت دراسة لمنظمة الصحة العالمية عام 2006 لشريحة من 1090 طفلاً أن 30% من الأطفال يعانون اضطرابات نفسية و 47% يعانون  كوابيس واكتئاباً وقلقاً، نتيجة صدمة كبيرة، كما أن حرمانهم من الدراسة ومن ذويهم وأصدقائهم، يجعلهم يعيشون في إحباط شديد، وهؤلاء الأطفال يفتقدون الرعاية للتغلب على الصدمة التي تصيبهم جراء فقدانهم أهاليهم وجيرانهم وبيوتهم.

 

اعداد: م. ايناس صادق حمودي

 

في المثقف اليوم