قضايا

الجيل الثالث بين جيل علي الوردي وجيل مدني صالح لنقد مفهوم ازدواج الشخصية عند الفرد العراقي

raheem alsaidiاحتفظ بأعداد كثيرة لمجلة ألف باء قبل الثمانين من القرن الماضي، وقد دفعتني قراتي لموضوع في بداية الثمانينيات الى البحث عنه وإيجاده في كم كبير من المجلات. وهو ما أثار غبطتي لسببين أولاهما انني كنت اهتم بالمواضيع الفكرية في بداية صباي والأخرى وقبل دخولي للفلسفة والثاني انني انتصرت ولازلت لرأي أستاذي مدني صالح، ولم اغير موقفي منذ رؤيتي للمقال في المرة الأولى منذ 23 سنة، في نقده لفكر علي الوردي المنظر لتطبيق جزئي في موضوعة ازدواج الشخصية .

كان نقد مدني صالح لعلي الوردي في موضوعة ازدواج الشخصية موقفا بين جيلين، بين التلميذ وأستاذه علي الوردي، في مساجلة جميلة ادعى فيها كاتب هذه الأسطر انه الجيل الثالث الذي يكمل النقد العلمي الموضوعي .

لقد أراد الوردي تسجيل إصابة في هدف المجتمع العراقي بنقده، ونجح نوعا ما بطريقة مغلوطة مع إمكانيته الكبيرة والمهمة فهو مؤسس علم الاجتماع العربي المعاصر بتعبير مدني صالح (وقد سمعت ذلك منه).  الا ان نقد النقد لا يفسد للفكر قضية . والحقيقة فان القضية لا تخص المجتمع العراقي بل لها اتصال بتصور لقاعدة عامة وثابتة وهي قاعدة خاطئة يمكن ان يبنى عليها الخطأ .

كان مدني صالح قد تتلمذ على يد الوردي وقد ذكر ذلك الوردي في مقاله في تلك المجلة التي صدرت في 1979، فبعد ما يقارب 19 سنة على تدريس الوردي لمدني صالح جاء صالح ناقدا لموضوعة مهمة هي ازدواج الشخصية . وقد عنون الوردي المقال بكلمة بارزة هي الى تلميذي مدني صالح، على ان أسلوب الخطاب بشكل عام  من قبل الوردي كان مؤنقا بلفظة الأستاذ مدني صالح  .

ان مجمل ما قدمه الطرفان كان سردا تبريريا لكل منها لأدواته وأفكاره، فالوردي يعقب انه لم يرد الانتقاص من الفرد العراقي، بل رد ذلك الى الظروف المحيطة بالفرد العراقي، وكان ذلك في معرض الرد على مدني صالح الذي أشار الى ان ازدواج الشخصية يوجد في المجتمعات الغربية أيضا كما في أمريكا .

وعندما يشير صالح الى حضور الجانب الاقتصادي في إيجاد نوع من التناقض بين أفراد الشعب فان الوردي يحيل هذه القضية الى انه ليس تناقضا في الجانب الاقتصادي بل في الاجتماعي، فهو ينشا من ازدواج في العادات والتقاليد والقيم المحيطة بالمجتمع، وإنها تأتي نتيجة تناقض ثقافتين في المجتمع متناقضتين ينمو المجتمع وفقها ويكبر، والازدواج لدى الوردي هو القديم والحديث أو المعاصر فالأول ساد في العصر العثماني ومصاديقه العصبية والثار والدخالة والوساطة والنخوة والسطو والشقاوة والغلبة والإتاوة بالتوازي مع وجود الحلم والتقوى والورع والخوف من الله .

اما الازدواج الحديث فهو ما أصاب الأفندية الذين يؤمنون بمبادئ الديمقراطية والمساواة والعدالة وتحرر المرأة، ولكنه في سلوكه اليومي لا يختلف عن الصنف الأول .

إن السجال الجميل الذي دار بين الجيلين المفكرين يحيلني الى تبني ادعائي لمفهوم الجيل الثالث الذي يتدخل في نقد النقد لإبداء الرأي في موضوعة مهمة مثل ازدواج الشخصية، وعليه يمكن القول في نقد رأي المفكر علي الوردي :

1. إن أصل الوجود الإنساني يبنى على ثنائية الذات والموضوع (الأنا والآخر) وما يتعلق بالا (انا) فهو يتكون أيضا من ثنائية الخير والشر أو بتعبير القران (فجورها وتقواها) وهي مسلمة لدى الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو والفلسفة الإسلامية والديانات وديكارت وكانت وغيرهم .وحاصل جمع ثنائيات الخير والشر القادمة من فرد واحد يعني حاصل جمع الذوات التي تؤدي الى صناعة المجتمع . فقاعدة المجتمع هي مجموع قواعد  أو ثنائية بداخل كل فرد .

2. في  كل مجتمع تعامل نفعي وأناني نسبي يقوده حب الذات، فإذا كانت أصل الخلقة الإنسانية في أمريكا أو الصومال أو اليابان أو العراق أو مصر فهو يعني النظام العالمي الذي له له أسسه ويقوم على تقديم الخير أو الشر بحسب المزاج والموقف لكل شخص، لذا لا يمكن لنا تعميمه على العراق فقط .وانا اعتقد ان الوردي فيما يتعلق بازدواج الشخصية تأثر بكتابات الروائي نجيب محفوظ في معالجته لثلاثيته سيما شخصية (السيد) في ثلاثيته بين القصرين والسكرية وقصر الشوق التي كتبها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.

3. إذا تكون الإنسان من الثنائية المتداخلة الخير والشر فإننا من الخطأ وصفه بالمريض النفسي أو المريض اجتماعيا إلا إذا تغلب احد الطرفين على الآخر  بشكل واضح ونهائي، ومع ان الوردي بعيد عن اختصاص المرض النفسي، فانه أيضا غاب عنه ان العيش ببعض التناقض داخل التكوين الإنساني هو ما يجعله ويصفه بالإنسان، وما لم ينقلب الأمر الى الغلبة التامة لأحد الطرفين فإننا نعد تلك الثنائية تكاملا وفعلا طبيعيا يمثل تحديا للبيئة الجارفة ويتعايش معها وفق تصميمه وتشكيله .

4. كما نسبة وجود التناقضات من إنسان الى آخر تتفاوت والعلامة الفارقة هو في كيفية ضبطها وتنميتها، وليس في طريقة عدها مرضا نفسيا أو اجتماعيا لأمة أو لشعب ما، وبالتالي العمل على زيادة غرس أقدامهم في وحل الخطيئة واليأس وهذا خلاف التنمية البشرية التي تزرع الأمل، فالنسبة التي تجعل الإنسان يرضى بالظلم لغيره لا الى نفسه تختلف من فرد الى آخر ومن عائلة الى أخرى ومن قبيلة ومدينة ودولة الى أخرى .

5. لا يمكن لنا استخدام لفظ ازدواج الشخصية لأنها تنتمي الى المرض النفسي (وان تفاوت ولكن علينا إدراج لفظ ازدواج العادات والتقاليد أو لفظ ازدواج الفعل الإنساني وهو يخص نسبة ضئيلة جدا، أو فعل محدد أساسه  النفع العام للشخص وهو ميل طبيعي وليس مرضيا فسائق التكسي يستنكر علاء المواد أو يستنكر غش أصحاب المطاعم أو سماجة الزبائن لكنه قد يرتكب نفس الذنوب والأخطاء بطريقة أخرى وفي مجالات مختلفة وهو سلوك أساسه الأنانية (محبة النفس) وهو فعل إذا أخذناه من زاوية الكم، ستكون كميته اليومية نسبية واقل من أفعال كثيرة جد الا تنتمي الى الأنانية او الذاتية ويقوم به الفرد مع عائلته عندما يوفر المال والأكل والخدمات لعائلته وهو فعل مطول وثابت وأساسي وسوي ويستهلك اغلب أفعال الإنسان .

إن أفعال مجتمع ما تسير بنسق يشبه تماما حصيلة أفعال الفرد الواحد وبالتالي فالمجتمع المريض نفسيا أو ذلك الذي لديه ازدواج في شخصيته لا يوجد بصورته المرضية الواضحة، فالمرض النفسي عند الأمم القديمة وهو ما يغفل عن مقارنته الوردي، إنما هو مرض الحجاج والجدال بالباطل والوهم والعناد والتمرد والتمادي، فالأمم القديمة كانت احادية (بمعنى انها متطرفة (كافرة بالكثير من المصلحين من الأنبياء) ولو كانت مريضة نفسيا بمرض ازدواج الشخصية (إي التعاطي مع الهداية او عدم التعاطي) بروح موضوعية لكان خيرا لها .وهو ما نطلق عليه ازدواج الشخصية، تلك الصفة التي تشير الى قالب عام ثابت لا يتغير يلبس الإنسان ويلبسه الإنسان كمبدأ، اما خلاف هذا فهو أمر مؤقت، آني، روتيني، وليس بالمرض النفسي المطلق، الا اذا تحول الى طبيعة ثابتة تتوارثها الأمم وأظن بان بعض الأمراض النفسية لدى الأمم وجدت لدى اليهود مثل الجحود والنكران، فأصبحت (سيستما) ونظاما ثابتا في نواة  تلك الأمة لسيرهم على منهج واحد .

 

رحيم الساعدي

 

 

في المثقف اليوم