قضايا

الفلاسفة والحرب: روسو: الذات.. المجتمع والحرب

علي رسول الربيعييتواكب الخطاب عن الحرب كظاهرة "طبيعية" مع تلك المفاهيم التي تنظر للحرب بوصفها ظاهرة اجتماعية أو ثقافية. إن القول أن الحرب مصدرها "المجتمع" يعني أولاً، أن مصدرها الجماعة التي يتشكل منها أعضاء هذه الجماعة أكثر من أنها نتاج لأفراد هذه الجماعة كافراد وثانياً، أن تلك العناصر التي تُشكل المجتمع والمؤسسات والقواعد والقيًم متورطة بشكل أو بآخر في توليدالحرب. لذلك فهم العلاقة بين الفردية والعضوية في المجتمع ضرورية لفهمنا الحرب. هل يمكننا تأطير نقاش وجودي لكشف القوى التي تربط الفرد بأفعال الجماعة الأوسع؟ هل يمكن للأفراد أن يكونوا عقلانيين بذاتهم، أم أن وعيهم وبالتالي نمط عقلانيتهم يتشكل من خلال الجماعة التي يعيشون وسطها والنظام السياسي الذي يحكمهم؟ هل هناك ما يدعو إلى القول بأن الفرد والجماعةيرتبطون في علاقة يتبادلون التاثير من خلالها على بعضهم، وإذا كان الأمر كذلك، فما هو مكان الحرب في تاسيس هذه العلاقة؟

يصف روسو الحرب كنتاج للمجتمع. ومع ذلك، فإن الدولة الاجتماعية، التي تظهر بوصفها ضرورة عليها أن تحافظ، في الوقت نفسه، على الحرية والمساواة والسلام الذي ميًز حالة الطبيعة. وأن "العقد الاجتماعي"، الذي هو نتاج العقل يتطلب أن يتنازل كل فرد من ممتلكاته وحقوقه الأساسية للمجتمع الذي يتحول بعد ذلك إلى مجتمع من الأفراد المتساوين حيث يضمن لهم السلام المدني. وأن النظام أو المكون السياسي الذي ينبثق عن طريق العقد الاجتماعي هو مظهر من مظاهر العقل والحرية، وعلى هذا النحو يشكل مجتمعًا أخلاقيًا، أو مجتمع "الإرادة العامة". لا يمكن أن يكون الفرد ككيان معنوي إلا من خلال عضويته في المجتمع حيث أن "العبور من حالة الطبيعة إلى الدولة المدنية ينتج تغيرًا ملحوظًا في أوضاع الإنسان، لأنه سلوكه يحل العدالة بدلاً من الغريزة ويعطي الأفعال الثنائية المتبادلة خاصيًة أخلاقية كانت تفتقر إليها في السابق. وبالتالي يتم تشكيل الفرد ككائن أخلاقي من خلال عضويته الاجتماعية.

ومع ذلك، فبينما يمكن للعقل أن خلق السلام المدني، ألاً أنه لا يؤثر على حالة الطبيعة بين الدول التي هي على هذا المستوى المشترك بين المجتمعات، كما يتم تعريفها من قبل روسو ، تعج بالحرب والدمار. إن حالة الطبيعة بين الدول تختلف عن الحالة الطبيعية المسالمة التي كانت قائمة بين الأفراد قبل العقل لأنها لا تتسم بالوحدة والتعاطف بل بالمنافسة والخوف من الهيمنة. إن مسؤولية الفرد المواطن في هذه الظروف تجاه الدولة التي منحته حريته وسلامته هي ولاءه لها بأستعداده للتضحية من أجلها بوصف هذا التزامًا أخلاقيًا بالعقد الاجتماعي. يخلق العقل البشري العقد الاجتماعي وبذلك يجعل الفرد كيانًا أخلاقيًا عليه واجبات اساسية تجاه الدولة. وفي هذا السياق بينما يتصور هوبز السيادته المطلقة نتيجة للعقد الاجتماعي، فإن تصور روسو للسيادة هو ديمقراطية في شكل "الإرادة العامة".

إن التحول من حالة الطبيعة إلى المجتمع يهيأ الظروف للحرب بوصف الحرب ظاهرة اجتماعية. فبينما يمكن تنظيم المجتمع المدني بموجب القانون لأحلال السلام، فأن "القانون" الوحيد الموجود على المستوى الدولي هو قانون الأقوى، ولا يكون النظام ممكنا على العكس من السلام إلا من خلال توازن القوى. في مشروعه نحو السلام الدائم، يرى روسو أن العقد الاجتماعي بين الدول سيخلق الظروف للسلام. غير أنه يرى ايضا ،في الوقت نفسه، أن الحكام لايتصرفون وفقا للعقل وحسب. فتبقى العقلانية خاصية محتملة، غالبا ما يتم أنتهاكها من قبل المجتمع الفاسد الذي يعيش فيه الفرد.

يتم تشكيل العقل البشري، بالنسبة الى روسو، من قبل المجتمع الذي يولد فيه الفرد، وأن والمجتمع وذلك المكان الذي يولد فيه الفرد هو الذي ينتج أوضاع وظروف الحرب. وهنا نتسائل هل يمكن تعريف الفردية على أنها العقل والإرادة الحرة، وهل يمكن للعقل البشري أن يمد نطاق الأخلاق إلى مجال العالمية بحيث لا يقتصر الواجب والالتزام على حدود الدولة بل يمتد إلى ما وراءها الى بقية البشرية؟ ذلك تفصيل ونقاش آخر.

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

 

في المثقف اليوم