قضايا

العقلانية الإصلاحيًة وموقفها من عقلانية الحداثة والذهنية السلفية

علي رسول الربيعي"يتخذ التجديد في المجتمع شكل العودة الى إلى الماضي: هذه هي الفكرة الأساسية التي تقوم عليها النهضات.. وتستطيع المطالبةُ بالعودة إلى الماضي الأضطلاع بمشروعات جديدة جدًا."

جاك لاغوف/ التاريخ والذاكرة.

الاصلاحية الاسلامية بين راهنية التجديد وسلطة التقليد

أنفتح خطاب الإصلاحية الإسلامية، في نهاية القرن الماضي وبداية القرن العشرين، على المنظومات الفكرية الغربية الحديثة بعيدا دعوات السلفية – التقليدية المكتفية بذاتها بوصف مدونتها التراثية لا تقدم أجوبة فعلية عن سبل ووسائل الإصلاح لتجاوز " حالة الجمود والإنحطاط" التي تحيط بالعالم الإسلامي. مما مكنه من الإقتابس الكثير منها في نسيج منظومته الفكرية التقليدية، من موقع الحاجات المعرفية لمشروعه الإصلاحي والتي عدها. ولقد تعدد مضامين هذا الإقتباس وهي في مجملها تتعلق بالاعتراف بحقائق المعرفة العلمية ذلك عقليا بوصفه لايتناقض مع العقيدة الإسلامية، وكذلك والافكار السياسية الحديثة وتسويغ شرعية المصادر المدنية التي يقوم عليها منطق الدولة الحديثة.

واجهت الاصلاحية الاسلامية في محاولتها للبحث عن شروط النهضة، وصياغة سؤال الاصلاح، وتجاوز حال التأخر التاريخي سلطة السلفية – التقليدية، أي التقليد للسلف من علماء الامة الذين اجتهدوا في سياق التجربة التاريخية للامة الاسلامية وأصبح لاجتهادتهم سلطة دينية – معرفية على عقول المسلمين بوصفها تتطابق والدين القويم؛ فكان على الاصلاحيين مواجهة هذه السلطة وكشف نسبيتها التاريخية من خلال العودة للاصول والينابيع الاولى للاسلام . أذن السوؤال كيف حاول الاصلاحيون التخلص من سلطة السلف وما هو مآل محاولتهم ؟ أي محاولة "تحرير العقل من سلطة النقل، وإعطاؤه صفة الاستقلال في الإدراك والفهم، حيث من مظاهر تخلّف العقل المسلم هو تحجيم العقل بالشريعة (د. حنفي، حسن: "المصادر الفكرية للعقلانية في الفكر العربي المعاصر" المقدم لندوة مركز دراسات الوحدة العربية ذات العنوان: "حصيلة العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر" . ما يريده الدكتور حنفي في نقده لمواقف الإصلاحيين الإسلاميين من موضوعة العقل والنقل، هو تحرير العقل من سلطة النقل، وإعطاؤه صفة الاستقلال في الإدراك والفهم، وهو يعبر عن ذلك بوضوح قائلا:"ومن مظاهر تخلّف العقل المسلم الآن تحجيم العقل بالشريعة."، فحتى يتم تحرير العقل المسلم وتخليصه من مظاهر تخلّفه - وفق رؤية الدكتور حنفي- فلا بد من رفع يد الشريعة عنه، وكأنها هي المكبلة له، المعيقة لانطلاقته، والمعوّقة لإقلاعه، لا تبتعد هذه الرؤية كثيراً عن مفهوم التنوير في الفكر الأوروبي كما بلوره وحدد معالمه الفيلسوف الألماني كانط. .)

كذلك واجهت الاصلاحية الاسلامية دعاة الليبرالية والعلمانية المستندة الى سلطة الغرب متمثلا بمقولات الحداثة ومنطق التحديث في شكل النظام السياسي، وعلاقة الديني بالسياسي (العلمانية)، والاحتكام للعقل ( العلمي) الوضعي ومنجزاته. فكان على الاصلاحيين تجاوز فكي كماشة السلطة من اجل اجتراح نموذج آخر في الاصلاح والتجديد . أي تجاوز تقليد السلف أوالغرب، فهل نجوا في ذلك أم أخفقوا؟

العقلانية الإصلاحية

تُعد العقلانية الاصلاحية غير ماضوية لأنشغالها بالحاضر أما دعوتها للعودة الى الاصول الاولى للـ "الأسلام المعياري "؛ فْانها تروم زحزحة تصـورات وتقاليد متوارثة وراسخة عبر قرون وأجيال عن الاسلام. العودة الى البـدء- الى الاسلام في مرحلته المبكرة- عند الاصلاحية لاتعني العودة الى لحظة بدء "مثالية" في التاريخ بغرض إعادتها بذاتها واستنساخها لأن ذلك بحكم المستحيل ولكن من أجل ازاحة ماتراكم عليها بفعل المسار التاريخي وما تعرض له من تشوهات ليس من حقيقتها وجوهرها. الإصلاحية ذات موقف توفيقي من الناحية الفكرية في تصورها لحل المشكلات السياسية والإجتماعية والثقافية المتجدد بفعل حركة التاريخ . فكانت ترى أن الوسيلة الأنجع لتجاوز حالة التأخر التاريخي والمشكلات الناتجة عنه يتم من خلال العودة الى الاصول ونبذ البدع والتقليد والجمود، وفي الوقت نفسه الاقتباس من الأفكار الغربية التي كانت أساسا لنهضة أوربا أو الغرب وقوته. وبهذا الموقف التوفيقي من الاصول والغرب يتم، طبقا لأديولجيا الإصلاحية، تجاوز حالة الانحطاط بوصفها حالة طارئة علي الأَمة الإسلامية. كانت من المهام الاساسية للحركة الاصلاحية هي تأسيس سلطتها المرجعية أجتماعيا من خلال الإستجابة للتحديات التاريخية الخارجية والسياسية ؛ إستراتيجيتها " توظيف الدين من أجل السياسة كما فعل الأفغاني، أو توظيف السياسة من أجل الدين كما فعل محمد عبده." (د. الجابري، محمد عابد: في نقد الحاجة الى اﻹصلاح، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2005، ص44). وفكريا عقلانية وظيفية برغماتية من خلال تبني المنهجية التوفيقية في المزاوجة بين المفاهيم "الغربية" والمفاهيم " الإسلامية" أو مايمكن التعبير عنه ﺑ " أقتباس" المفاهيم الغربية من مواقع أسلامية. فيمكن وصف العقلانية الاصلاحية ﺑعقلانية إستيعابية تأويلية من خلال تجديد التأويل.

أذن العقلانية الإصلاحية عقلانية توفيقية، أرادت تقويض منظومة السلفية التقليدية بمفاهيم أخرى أما كانت لامفكر فيها من قبل السلفية التقليدية أو انها مقتبسة من منظومات العقلانية الغربية الاصلاحية عقلانية نفعية لاتنشأ مواضيعها بل تنظمها وتأتي بها الى مجالها .

يأتي التجديد عند الاصلاحية من داخل منظومة الاصول العامة للإسلام، مثل فقه المقاصد وغيره بالتوازي مع طلب الرفادة والاستعارة من فكر أمم أخرى، بأعتبار ذلك لم يكن غريبا على تاريخ الفكر الإسلامي بوصف الحق لايضاد الحق، وقد استعان بالفلسفة والمنطق اليوناني في سياق علم الكلام. فالاصلاحية بهذا المعنى هي دعوة ايديولوجية وهي بهذا لاتكتسب نسقا الا من فسيفساء التوفيق، فهل قيمتها انها ذكلك؟ إن الاصلاحية عقلانية نفعية لاتنشأ مواضيعها بل تنظمها وتأتي بها الى مجالها. أم انها تنطلق من فكرة كونية المعرفة العلمية ونزع قوميتها وأمكان تقبلها وتجنيسها في الفكر الإسلامي. فقد نظر الإصلاحيون الى بعض المفاهيم الأوربية الحديثة مثل العقلانية والدستورية وغيرها بوصفها ذات صلاحية كونية ولاترتبط حصرا بهوية خاصة

العقلانية الإصلاحيًة وعقلانية الحداثة

تقوم نظرة الإصلاحيون على إمكانية إيجاد صيغة من الانسجام بين إسلام عقلاني ومبرأ من الجمود، وبين حداثة ليبرالية، كانت في ذلك الوقت هي الفكر السياسي المهيمن، وتكاد ان ترادف الفكر الأوربي عامة (العروي، عبد الله (2008) مفهوم الحرية، ط4:، بيروت، المركز الثقافي، العربي (2008، ص47 )، فتركز جل جهدهم على أثبات أن جوهر الإسلام لايناقض الليبرالية، وعقلانية فلسفة التنوير، الأمر الذي يظهر واضحاً في تركيز خطابهما على مسألة التقدم والعدالة التي كانت الهاجس الأعظم لديهما، (القيّام، عمر حسين 1997: " التنوير العربي وإرهاصات النقد الذاتي"، صحيفة الرأي (الأردنية) ع: 9972، 26/ 12/، ) فكان جهد الإصلاحيين يتلخص في تأكيد مثل هذا التواؤم بين الإسلام والمدنية الحديثة .

يرى الإصلاحيون أن الإسلام قد حرر العقل من قيود التقليد، والأوهام، ومنحه حرية التفكير، لكن مع الخضوع، في الوقت نفسه، لشريعة الله، فلا حدود له في العمل تحت سقفها، ولا نهاية للتفكير في إطار بنودها . (عبده، محمد 1980 : الاعمال الكاملة للامام محمد عبده، ج 1، دراسة و تحقيق محمد عمارة، ط2، بيروت، المؤسة العربية للدراسات والنشر، 455)، فقد شددوا على أن الإسلام لا يمثل عائقا دون تقدم المدنية الحديثة، بل أكثر من ذلك، يمكن أن يكون عاملا مهما في تهذيبها وتطويرها في الاتجاه الصحيح إذا ما تم هذا اللقاء بينهم، وستكون المدنية من أقوى أنصاره متى عرفته وعرفها أهله، فالإسلام الحقيقي هو على توافق مع العقل، ومع حقائق المدنية الحديثة؛ و الهدف من تأكيد هذا التوافق هو الانتظام فيها من أجل مواصلة المسير من جديد في الاتجاه الذي يمدّ المستقبل الآتي بسند من ذلك الماضي قبل ان تجهضه الانحرافات والجمود والانكسارات. (الجابري، 2005، 54 )

فالإسلام في خطاب الإصلاحيًة الإسلامية هو الإسلام في "عصره الذهبي" الذي شجع على العلم، وأضفى على العقل نفس المكانة التي يتمتع بها في عصر الحداثة، وضمن هذا السياق راح عبده يشيد بالعقل (عبده، ، 1980، 298 ) و يؤكد أن الإسلام لا يتعارض معه، فالعقل هو الذي يؤسس شرعية الإسلام وتماسكه . وعلى هذا الأساس جعل الإصلاحيون من العقل عقيدة، بأعتبار الايمان الحقيقي ينهل شرعيته منه. (عبده، ، 1980، 20)

مما لاشك فيه إن فكرة العودة الى الاصول أو تحويل حقبة من الحقب التاريخية لمنظومة من منظوماتها الفكرية الى حقبة كلاسيكية، تعتبر من الاليات الأساسية للتجديد في كل الأمم والثقافات. وتقع نمذجة الإصلاحيًة الإسلامية لاصولها في صدر الاسلام المثالي في إطار هذه الاليات، لكن على الرغم من أهمية هذه العودة في إعادة تفسير مفاهيم النموذج الاصلي على ضوء معطيات العصر، فأنها لم تتمكن من استكناه ما ينطوي عليه ذلك النموذج من امكانات – على ما ترى – من توظيفه في اطار استمرار المسار التاريخي الحضاري العام الذي يمثله او يندرج فيه ؛ فظل مطلب العودة الى الماضي المبكر النقًي، والتحرر من تراكمات العصور الأخيرة، مطلب لا تاريخي (جعيط، هشام (2004 ) : أزمة الثقافة العربية، ط2، بيروت، دار الطليعة، 75 )

العقلانية الإصلاحية والموقف من الدوغمائية السلفية التقليدية

كان سعي الحركة الاصلاحية الاسلامية، لتحقيق أهداف الاصلاح وغاياته يصطدم دائماً بالسياق التاريخي الحاصل، وبالقيم السياسية والاجتماعية الفعلية، وبوعي الهوية القائم وكان هذا الاصطدام يمثل عائقا مما يستدعي إعادة طرح السؤال دائما عن كيفية تجاوز هذه العوائق يقود إلى فشل المحاولة لكن السلفية التقليدية بوصفها التجلي أو التعبير عن الحالة التاريخية القائمة كانت متشبثة بالإلتزام بتلك المنظورات الأرثوذكسية الفكرية عن تاريخ وحقائق متخيلة أو مفترضة.

من المهام الاساس عند رواد الحركة الاصلاحية هي نقد ودحض سلطة التقليد، بدا في اعادة النظر في مفهوم الاصلاح ذاته، ثم فيما يتعلق بالسياق السياسي الداعم لها، والتقاليد الفكرية القائمة؛ وكل ذلك لتجاوز حالة الانحطاط الحضاري والجمود العقائدي في الفكر الإسلامي من خلال العودة للينابيع الولى وإعادة فتح باب الإجتهاد.

الذهنية السلفية / وأنتاج الأصولية الارثوذكسية

هي تلك النزعة التي تدعوا الى الثبات على كل ماقاله السلف والمحافظة على ما هو متوارث وتبنيه كما هو بدون السؤال عن مطابقته مع الحاضر أو عن تاريخيته بوصفه عابر للتاريخ (الزمان والمكان). أن السلفية- التقليدية "ماضوية"، أي تجعل من الماضي معيارا ونمذجا صالحا لكل زمان ومكان. الذهنية التقليدية لاتهتم بالنسبية والتاريخية بقدر ما تنطلق من معنى قار وحقيقة ثاته ومطلقة. والسلفية سلبا تعني الموروث الديني الفقهي الذي ضم العلوم الدينية أساسا بينما الواقع ينادي على علوم الدنيا ويتطلبها. تعني العقائد والشعائر والواقع يتطلب الإيديولوجيات والمذاهب السياسية والأعمال الوطنية وبرامج التنمية الاجتماعية. كما تعني، طبقا لراي يرى حنفيفي دراسته الموسومة " السلفية والعلمانية الدين والثقافة والسياسة في الوطن العربي، والمقدم للندوة التي عقدها مركز دراسات الوحدة العربية بعنوان"حصيلة العقلانية والتنوير في الفكر العربي المعاصر")، المحافظة والتقليد كما بدت لدى الأشاعرة قديما وإعطاء الأولوية للإرادة الإلهية على الإرادة الإنسانية وقوانين الطبيعة، وجعل النقل أساس العقل، وحصر الإمامة في قريش، وتأجيل العمل على الإيمان

مثل الموقفُ النقدي للإصلاحية الأسلامية من السـلفية التقـليدية طريقة أخرى لتلقي التراث الأسلامي متمثلا في طريقة أستعادتها لفقه المقاصد والمصالح المرسلة؛ وبدايـة أنفتاح أُفقها الفكري الذيً تـَطَور تجاهٌ الأنفتاح على الحداثة الغربية.

يمكن وصف العقلية السلفية- التقليدية بأنهاعقلية ماضويَة، ترجع الى الماضي وتتمسك به لذاته بوصفه عبرعن الحقيقة مكتملة مرة واحدة ونهائية لذا فهي تحكم حركة الحاضر وتقيدها باطر ومقولات الماضي "السلفي، وانً أفكار السلف وسلوكهم يٌعدُ نموذجا صالحا خارج شروط الزمان و المكان، أي أنها ترفع مقولاتهم فوق صيرورة حركة التاريخ. فقد قامت السلفية التقليدية بالأساس على مسلمات العقلية الدوغمائية ومفاهيمها الأرثوذوكسية التي تلغي كل إمكانية لقبول واقع ومبدأ التعددية لأنها تشدد على جوهرية الاختلاف وترفعه الى مستوي الفصل بين اليقين المطلق ولآخر اللايقين المطلق، ولاتكترث لاي محاججة تستند الي البراهين العقلية والحجج المنطقية، انها تزدري كل الوقائع التي تكذب او تناقض منظومتها العقائدية يقينية. تصر قوى التقليد والمحافظة على الصلاحية المطلقة لنصوص فقهية وتفسيرية من التراث الأسلامي وأنً هذه النصوص مستقرة ثابته ولا تلامسه حوادث حركة التاريخ فيتلوث بالنسبي، النسبي الحادث عليه الأنضواء تحت أحكام تلك النصوص وتصنيفاهتا وعليه ان يبرر وجوده أوشرعيته من وجوده وحركته في حدودها ومدارتها. حيث يطابقون بينا وبين العقيدة الدينية، وانه يختزن أمكانية أن يمد المسلمين بكل الاجابات التي تتعلق بمواجهة تحديات الحاضر؛ وعلى تجديد مدونته الفكرية من الداخل دون الحاجة الي الاقتباس والاستعانة بعلوم الآخر، الغربي هنا، بوصف افكاره غير ذات مرجعية إسلامية و تناقض الشريعة .

يكشف التحليل الإبستيمولوجي لبنية العقلانية السلفية- التقليدية تمثيلها لنمط من المعقولية يميل الى الثبات والوحدة المترسخة صوريا والمتجلي في شكل التفسيرات التي تقدمها، وانها عقلانية مثالية، غير تاريخية لابتعادها عن ملامسة التجربة التاريخية للأمة الاسلامية أي لاتضع ماقدمه السلف من أجتهادات وحلول لمشاكل عصرهم في سياقها التاريخي الذي يكشف عن ظروفها وملابساتها والأسباب التي دعت اليها او التي تطلبتها . عقلانية يقينية ذات بنية راسخة ومتجذرة تعود في طريقة تشكلها الى ماتواضع عليه سلف في مايسميً بمرحلة " أغلاق باب الاجتهاد". العقلانية السلفية ليست "عقلانية" متجددة تخضع لمكتشفات العلوم الحديثة وأساليب الدرس الحاضر، ولكنها تلك التي إستقرت منذ تقعيدها وتشكيل بنيتها في قرون الأسلام الأولى. فالخروج عن مايرسمه أو يحدده الخيط الناظم لسلسلة وتراتب مجموعة المفاهيم " الارثوذكسة" يعد خروجا عن الطريق القويم أو " الصراط المستقيم" في فهم مكنون وحقيقة " الدين" ؛ و" بدعة" وفتنة فيما ينبني عليه في الاجتماع السياسي . منهجية هذا النمط من المعقولية السلفية - التقليدية المتوارثة هي طريقـة ومنهج التفكيـر الذي يعتمـد القيـاس، والاستدلال، والمقارنـة، والـرد، والمعارضـة، والتحقيـق، والحـد، كوسائـل يستخدمهـا العقـل لاستخـراج الحقيقـة. لقد كانت السلفية- التقليدية ذات طبيعة تكرارية أجترارية للأفكار الموروثة، و رسمت طرقا في تلقي وأستعادة التراث وحافظت على التفسيرات الموروثة واعتبرت أي خروج عليها بمثابة البدعة والخروج عن الاسلام ذاته. .أنه نمط من المعقولية يقوم على منطق الهوية والاصالة ؛ معقولية أستتباعية محكومة بسلطة التقليد فالمعقولية لا تكمن إلا فيما عمل به عقل "السلف"، أي السند والخبر، فهي معقولية شكلانية ذات نسق تصَوري وتفسيري يقدم في نظر مجموعة من الأشخاص معلومة يعتبرونها شاملة حسب معايير لاترتبط برغبة في التثَبت أو دافع اليه".

وكان مما ذكرنا عن السلفية من اسباب أخفاق الإصلاحية الإسلامية بالإضافىة الى انهم استمروا في مواصلة طريقة القياس الفقهية ويقابلون بين تجارب تاريخية ماضية وتجارب معاصرة فيغيب عندهم نقد الماضي والمعاصر معا." (د. الحداد، محمد:حفريا تاويلية في الخطاب الإصلاحي العربي، دار الطليعة بيروت، 2002، ص70)، علاوة على الأسباب التاريخية العميقة وايضا الظرفية منها كما تجلى افي لتحالف بين بين السلطة السياسية والمؤسسة الدينية التقليدية القوة والتأثير، أذ كان التحالف بين الأزهر والخديوي شاهدا على ذلك. فدعم السلطة السياسية للمؤسسة الدينية التقليدية المحافظة جعالها تتجاوز بكثير موقعها الإجتماعي والسياسي والثقافي وتقف بوجه مشروع الحركة الإصلاحية و مثال ذلك محاولات الإصلاح التي كان يدعو اليها محمد عبده (د. العظمة، عزيز:العلمانية من منظور مختلف، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط2، 1998، ص99) " حاول المشايخ المحافظين دعاة التقليد والجمود ممن حرفوا الإسلام عن مقاصده، وجعلوه دينا لخدمة مصالحهم ومصالح الحكام المستبدين." (اعراب، إبراهيم: الإسلام السياسي والحداثة، افريقيا الشرق، بيروت، 2000، ص31)

 

الدّكتور عليّ رسول الرّبيعيّ

 

 

في المثقف اليوم