قضايا

المناهج الدراسية وسبل مواجهة الازمات الاجتماعية.. المجتمع العراقي انموذجا

ان المنهج لا يقتصر على المقرر الدراسي او المفردات المقتبسة من المصادر والمراجع لتكوين المادة العلمية في مرحلة ما لتخصص ما، فان مفهوم المنهج اوسع واشمل من المادة العلمية.

وما المادة العلمية الا عنصرا اساسيا من عناصر اخرى يتالف منها المنهج، اذن فالمنهج عبارة عن خطة تعليمة شاملة تتضمن عدة عناصر ابتداءا بوضع المفردات الدراسية والانشطة التعليمية والوسائل والاساليب المتبعة في ايصالها وعملية التقويم لمخرجات المنهج وتحقيق اهدافه.

لذا فان المنهج يعرف على انه "خطة يتم عن طريقها تزويد التلاميذ بمجموعة من الفرص التعليمية التي تعمل على تحقيق اهداف عامة عريضة، مرتبطة باهداف جزئية او خاصة بموضوع محدد.

بتعبير اخر، ان المنهج يتضمن المادة الدراسية والغايات والاهداف والخبرات والاساليب التعليمية اذ انها بمجملها عناصر لتكوين مفهوم المنهج.

فالأطفال هم البراعم الصغيرة التي تحتاج منا مزيداً من الاهتمام والعناية، للوصول بهم إلى المستقبل، ليكونوا أكثر قدرة على مواجهة الصعوبات وكيفية التعامل معها وتجاوزها وإيجاد الحلول المثلى لها، وكل هذا لا يتم إلا من خلال عملية تربوية وتعليمية متوازنة لبناء شخصيتهم المستقلة.

الا ان العملية التربوية في العراق وخصوصا تغيير المناهج الدراسية اثارت جدل واسع بين المؤيدين والمعارضين فرغم أن التغيير والتعديل هو ضرورة طبيعية لمواكبة التطورات الإقليمية والدولية في مجال التعليم والتربية إلا أن المعترضين يرون أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن الوزارة لا تأخذ وقتًا كافيُا لدراسة نتائج هذه التغييرات، فلم نجد مثلاً خطة للتقييم، بل على العكس من ذلك فإن التغييرات تحدث بكثرة وبسرعة تربك الطلاب والمدرسين معًا، وبدوره يؤدي الى ارباك العملية التربوية، فضلا عن انها تعطي انطباعًا سيئًا لدى الشارع بأن التغييرات عشوائية وفوضوية، حيث أنها تثير الشكوك بشأن الوزراء وغايتهم من هذه التغييرات. فقد تعاقب خمسة وزراء على وزارة التربية منذ 2003، تمثل إنجازهم الوحيد جميعًا بتغيير المناهج، وطالهم جميعًا اتهام إهدار المال العام.

البدء بتغيير المناهج في العراق كان للمرة الأولى في بداية عام 2003، بعد الحرب على العراق وشمل التغيير في بداية الأمر بمواد قليلة شملت التربية الإسلامية ومعها التاريخ، وطال التغيير بعض المصطلحات، والغاء بعض العبارات التي تخص الحكومة السابقة والحروب التي خاضتها. واللافت للنظر أن مدير المناهج في وقتها أكد أن عملية تغيير المناهج اكتملت بعد ثلاث سنوات من البدء بالتغيير، وأن عام 2012 سيشهد اكتمال المشروع والانتهاء من التحديث المطلوب، الذي سيكون موازيًّا للتطور العالمي. الذي يثير الاستغراب أن بعد كل هذا التغيير والمفترض أن يثبَّتَ المنهجُ الجديد من أجل العمل على تقويمات التغيير الحاصل في الثلاث سنوات، الا اننا نتفاجئ بعد تغيير طاقم وزارة التربية، يأتي الطاقم الجديد ولم يكن منه الا ان جاءنا بمناهج جديدة اثقلت كاهل الاهالي والطلاب على حد سواء ولم تراعي الفروقات الفردية لدى الاطفال فضلا عن التخبط في تغيير المناهج وعدم دراستها بشكل جيد، والدليل على ذلك الاخطاء الكثيرة التي ترد فيها.

في دراسة ميدانية اجريناها على مدارس عدة اوضح فيها المعلمين والمدرسين الى العديد من الاسباب التي تؤدي الى عدم قبول تغيير المناهج الدراسية منها:-

- عدم توافر الوسائل الايضاحية.

- المناهج الدراسية غير مدروسة وغير ممنهجة ولاتلائم عقول الطلبة لاحتواءها على كم هائل من المعلومات يصعب على الطلبة فهمها او استيعابها.

- نقص في الابنية المدرسية واحتواء الصف الواحد على اكثر من 60 طالب.

- قلة الدورات التدريبية للكوادر التدريسية والتي تعد خطوة مهمه جدا لكي يستطيع المعلم فهم المادة والاطلاع عليها وبدوره يتمكن من ايصال المعلومه الى الطلبة.

- عدم تسليم المناهج والكتب المقررة للطلاب مع بدء العام الدراسي مما يضطر بعض الاهالي الى النزول الى الاسواق لشراء الكتب وقد تجاوز سعر الكتاب الواحد اكثر من عشرة الالاف دينار، وبالتالي فأنه يثقل كاهل الاهالي. فضلا عن وجود الكثير من الطلبة المتعففين الذين لايستطيعون شراء الكتب، فيضطر الطلبة انتظار توزيع المناهج عليهم وقد يتاخر توزيعها احيانا الى انتهاء النصف الاول من العام الدراسي، كل هذه الامور تؤدي الى ارباك العملية التربوية والتعليمية في العراق.

اما الاهالي فيعاني العديد منهم في العراق من تغيير المناهج الدراسية مع بدء كل عام دراسي ويرى البعض منهم ان الواقع التربوي في العراق يتعرض الى مؤامرة كبرى وذلك لان القرارات الوزارية بتغيير المناهج الدراسية غير صائبة، فالاهالي يرون ان المناهج الدراسية الجديدة لاتتناسب مع عقلية ابناءهم فضلا عن عدم تناسبها مع طاقة وقدرة الكوادر التدريسية، فالغرض من المناهج الدراسية هو تغذية عقول الطلبة وتحقيق البناء العلمي التخصصي لكن مانراه الان هو ضبابية هذا التغيير الذي ولد نفور كبير للمناهج الدراسية من الطلبة والاهالي على حد سواء. فوجد الاهالي انفسهم امام مناهج دراسية غير عابئة بالعوامل البيئية والاوضاع الصعبة التي يعيشها العراق وغير مراعية الفوارق الفردية لدى الطلبة فضلا عن الظروف الاقتصادية والسياسية الصعبة التي نعيشها في ظل الاوضاع الراهنه.

لذا فنحن نأمل ان تكون عملية تحديث المناهج متواصلة مع التغيرات العصرية المتواكبة لكن عليها ان تظهر الفروقات بين القديم والحديث وتوضح أسباب التحديث. فضلا عن الاخذ بنظر الاعتبار جميع العوامل السابقة الذكر والمعوقات التي تواجه النظام التربوي في بلدنا.

 

م. ايناس صادق حمودي

في المثقف اليوم