قضايا

العاقل والأحمق وإعادة تأصيل الأفعال

محسن الاكرمينالعاقل والأحمق هما وجهان لعملة واحدة.. فكل منا يعتريه الحمق ثم يمتلكه التعقل .. فمعايير التنصيص على العقل والتعقل هي عملية تدجين اجتماعي / انسياقي بتفكير القطيع الذي جبلنا عليه منذ البدء الأول بقوة التعايش والتناقل .. فمتى أكون عاقلا ؟ إنه حكم قيمة الذي نبحث عنه، وهو الأسهل على الإطلاق بالنيل والاكتساب . فعند الاستنجاد به تتم عملية النقل من حالة اللاعقل إلى العقل .. فعندما أفكر مع التيار الجارف وبنفس الآليات والمنهج فإنني أصنف نفسي ضمن خانة صفوة العقلاء، وأمتلك معرفة وقدرات ومهارات سطرها السلف للخلف بالتواتر والنقل والتناقل .. فلا يرفع القلم علي وأحاسب وفق حالات تموقعاتي في ” اللاعقل ” التي يمكن أن تمسني بمتقطع المرات .. حينها أصنف خارجيا بالمارق المتشيع..

وحتى لا أخاصم اللاعقل، فمتى أكون أحمقا؟ لا أريد استعمال مصطلح ” المجنون ” لأنه يحمل حمولة المس الجني .. والمس الجني فترته متقطعة وفيه اختلاف الآراء بين فقهاء الحياة السفلية..المهم لدي الآن هو تحديد المقاطع التي أكون فيها أحمقا بحجية المنظور الاجتماعي السائد .. إن لحظات حمقي كثيرة بفعل العوامل الخارجية الضاربة على تفكيرنا بالتحدي .. فعندما أرى أبناء الشعب ” وأنا بينهم ” كرامتهم تداس عنوة بمتوالية غير منتهية ..أجن وأفقد عقلي ... عندما يحكمنا الماضي بقوانينه ويخطط لنا مسار الحاضر،عقلي ينتكس إلى الحمق غير المنطقي ويتيه في أحلام اليقظة الحاضر الضائعة .. عندما أرى العدل فسادا .. يسكنني الحمق وأعلن الرفض ب ” لا ” النافية للعقل والذات ..

إذا هي كثيرة مواقف “الأحمقية “..التي تنتابني وتمسني، ولكن لا خوف من حمقي فهو يصرف حروفا لا حجرا .. لما نعيب على الأحمق حمقه ؟ إنه يمتلك حريته بيده ولا يقنن حريته بمساحة الضبط والكبح ..انه يسير نفسه ” ذاته ” بدون عقد اجتماعية مستوية بالانبطاح التام ..انه لا يحاسب والقلم العلوي لا يدون أفعاله فهو فوق منطق العادة .. ومسلكه طيع نحو الجنة بمرتبة العدالة الإلهية ..

 فإذا كان العاقل هو الذي يسعى أن يغير نفسه / ذاته ليتلاءم مع العالم المحيط ويتباهى بفعله .. فبئس العقل والتعقل في هذا الموضع .. أما إذا كان الأحمق هو من يريد أن يغير العالم المحيط به ليتلاءم معه بالتفكير والتخطيط المستقبلي .. فنعم الحمق وقد حقق نقط الاستحقاق التامة .. وبه نعمل.. والشعب يمكن أن يستنجد بالحمق التطوعي كبوابة فسيحة للولوج نحو حرية العقل ..

هذه معادلة بسيطة بين الأحمق والعاقل .. فأيهما نريد ونرتضي لأنفسنا ؟ الأحمق الذي يسعى إلى تغيير العالم ..أم العاقل الذي يستبيح ذاته بالتغيير والتلون بألوان طيف يوميات الحرباء، بغية الاستلاب التام أو الانبطاح والهرولة الوصولية .. لا تخافوا سادتي الكرام من الأمر .. فمن هذا الموقع ..أعلن حمقي التام .. وأقر به علانية وأنا في كامل قوايا العقلية .. لأنني لا أريد أن أعيش تحت جلباب تاريخ أبي الماضي (رحمة الله عليه).. لا أريد شرب وأكل التقليد حتى التخمة التامة .. لا أريد أن أكون نسخة ” كربونية ” لغيري لا من الداخل أو الخارج .. إنها حياتي وتشخيصها بدور الأحمق أو العاقل لا يعفيني من إبراز ذاتي كأولوية تتميز بالتفكير والرأي سواء في صوابه أو في عدوله التام عن الأخطاء ..

إنها مواقفي في معاكسة التيار الجارف في خفة رياحه ولو بالصياح ب ” لا ” كأضعف الإيمان .. فعندما أفكر بسلطة العقل أموقع ذاتي وفق كثلة اجتماعية بالتأثير فيها ولو بالإنصات والتعبير الحر .. وصلة الخيط الرابط بين الأحمق / والعاقل شعرته أكثر رقة من شعرة ” معاوية ” ..وسحبها بالقوة تميل كفة على أخرى ..

إننا نعيش ” عقل القطيع ” الطيع في مواقفه وقدرته السريعة على النسيان والتناسي والإنسياق .. فرغم أن الذئب موضعه أعلى النبع فهو يدعي بأن الحمل هو من أفسد صفاء الماء وعكره وعليه عقابه .. فلا أنا مع الحمل في ضعفه ومواقفه المتصلة بالسلبية الطوعية، ولا أنا ضد الذئب في ظلمه وزوره واستبداده السلطوي، بل ضد من يبارك استبداد الذئب.. بل يجب أن أمثل الحق العادل / العقلي الذي يحكمنا جميعا ليس في نوايانا الدفينة والمبيتة وإنما في أعمالنا بمرجعية الفارقية بين الأحمق والعاقل.

 

محسن الأكرمين

 

في المثقف اليوم