قضايا

خرائط اللذّة في الرواية العراقية المعاصرة

عادةً ما يخرج الأديب عن السائد والمألوف اجتماعيا وهو ينتج لنا أدباً، وهذا مقدور له ومقدر عليه؛ ذلك أنه فنان وهذا يكسر العادي الرتمي ليعيد بناء العالم وفق رؤيته الخاصة، وهذا ما نلتمسه في الملفوظات السردية لروائيينا المعاصرين، وتجسد هذا التمرد في استنطاقهم المقموع والمسكوت عنه، وتجاوزه بمسافات كبيرة ولم يكن هذا من ديدن الرجل وحده، بل حتى المرأة أصبحت تسرد جسدها وتعريه على صحائفها لتعرضه على القارئ دون أي احترام لهذا الأخير!

على مدى العامين الماضيين وأنا أحث النظر وأعمل الفكر في النص الروائي العراقي ملاحقةً لثيمة معينة،لكن وأنا في خضم البحث استفزتني الايروتيكية المقززة التي طفح بها قسم كبير من النصوص، ولا سيما المنتجة منها ما بعد 2003، مثيرة في النفس تساؤلات عدة من أهمها : هل مراودتها تمثل محاولة لتفكيك النص المحرم؟ بمعنى آخر هل تمثل هذه الثيمة النافذة التي يلج من خلالها الكاتب الى المقموع والمسكوت عنه بفعل عوامل ضغط وسلطات قمع داخلية وخارجية أثرت تأثيراً فعالاً على بنية الوعي وعلى حركية الاحداث الروائية ومن ثم على صياغة البنية السردية وعلى فاعلية الخطاب الروائي في مرحلة متقدمة؟ أم أنها المَعبَر الشبِقُ المتمسح بالتحرر الذي يستفز القارئ ويستثير غرائزه ومن ثم جذبه الى شباك التذاكر؟ أم أنها مجرد أفراغ لمكبوتات السارد؟ ومن ثم فهي رواية أم مجرد سيرة ذاتية؟ ما موطن الجمال في هذه النصوص لو جردناها من المشاهد الجنسية؟

تعد الكتابة فعل التمرد الأول وممارسة الأنا، لهذا لا ينبغي أن يكون في الكتابة الابداعية أي تابوهات، ومن حق الكاتب أن يكتب ما يشاء . لكن هناك فرق شاسع بين الابتذال والفن، وموضوع الجنس مثل أي موضوع حيوي آخر لتجربة إنسانية يرغب المبدع بتوظيفه في أدبه،أو فنه ويرتفع به إلى مستوى الابداع الفني، لكن على أن لايكون غاية في حد ذاته، مثلما تناوله كثير من الكتاب اليوم لإثارة الحواس واستفزاز القارئ المكبوت والذي يعاني الافلاس العاطفي ؛ كتب (ايفان يونين) قصصا رائعة عن الحب بكل تنويعاته وأشكاله حتى أطلق النقاد على مجموعته القصصية (المماشي الظليلة) إسم "موسوعة الحب "، لكن لغته ظلت ناصعة وجميلة، يلمح ولا يصرح ويترك للقارئ التأويل والتفسير، والامثلة في ذلك كثيرة . أما تناول العلاقات الحميمة بين الجنسين بلغة مباشرة وهابطة تحول دون الارتقاء بالنص كي يكون خطاباً ثقافيا حضاريا .

ان الجسد الانثوي وطريقة عرضه أصبحا موظة متدولة بين الروائيين من كلا الجنسين، بعدما كان الروائي يوظف الجنس للتعبير عن أوضاع اجتماعية وسياسية واقتصادية أفرزته وأخرجته الى السطح . بات الجنس موضوعاً يحضر في الرواية لاشباع الرغبات وتحقيق النزوات. ولا قى بذلك مثل أي ظاهرة جديدة في المجتمع الترحيب من جهة بوصفه يعبر عن مكبوتات الفرد أو يساعد في معرفة الخلل في حياة الفرد ومساعدته على تخطي الأزمة ومنحه فسحة من الحرية بتصوير عالم خيالي يعوض النقص العاطفي، ومن ناحية أخرى جذب القراء بحثا عن الربح الوفير والشهرة السريعة وإرضاء الآخر.

 

م.م مسار غازي

 

في المثقف اليوم