قضايا

الإرهاب والجنس.. من الحشاشين إلى داعش وبوكو حرام

عصمت نصارليس هناك من شَكِّ في أن الجهل بالمقاصد يصرف المتلقِّي - دومًا - عن بلوغ الحقيقة واستيعاب مضمون الخطاب، لذا نؤكِّد أن تناولَنا بالنقد والتحليل للبُنْيَة العَقَديّة لبعض الفِرق المتأسلمة، لا يهدف إلى نقضها، أو فضح عورات أفكارها، أو النَّيل من سِيَر مؤسسيها، فإننا نوضِّح أن مثل هذا العمل - على بساطته وسهولته - لم نكن من الساعين إليه، في سياق حديثنا عن فلسفة الجنس، فهدفنا هو الكشف عن أثر الرغبة الجنسية في تأسيس وتوجيه الجماعات الجانحة، التي اتَّخذت من الدين ستارًاً لها. فليس هناك أدلُّ على احتلال الرغبة الجنسية موقع المركز - في كتابات هذه الجماعات وبرامجها وأيدولوجياتها وآلياتها - من خطاباتهم، التي ما بَرَحَتْ تردِّد أن ثوراتِهم الدينيةَ ضِدَّ (الفجور والعري والزنا والخلاعة والرقص والدعارة والاختلاط بين الجنسين) وأن قَتْلَهم لرجال الشرطة عقابٌ رادعٌ لما تلاقيه نساؤهم من اغتصابٍ في المعتقلات، وأن خلاص المجتمع من انحطاطه يتلخَّص في عودة المرأة إلى سِتْر البيت والحجاب، وتحرُّرها من غزو الثقافة الغربية الفاجرة، وأن الزواج المُبكِّر للشباب، وإنقاذ الأيامَى والعوانس من الحرمان الجنسي، هو أولى الخطوات لإصلاح أحوالهن.

فتشير عشرات الدراسات المعاصرة، إلى إن أولى الجماعات المتأسلمة التي اتخذت من المتعة الجنسية حافزًا لاجتذاب الأنصار، وتجييشهم بشكل جماعات إرهابية ضد النُّظم الحاكمة (الخلافة، الإمارة، الرئاسة) - وذلك عن طريق الاغتيالات أو حرب العصابات، التفجيرات، الحرق، السلب، النهب، السطو المسلح، قطع الطرق، التنكيل، التمثيل بالضحايا - هى فرقة الحشاشين التي ظهرت في القرن الحادي عشر، في أصفهان ببلاد فارس، على يد الحسن بن الصباح نحو عام 1094م، وقد اتخذت هذه الفِرق من الحصون والقلاع مركزًاً لنشر أفكارها الشيعية، المنتمية إلى طائفة الإسماعيلية النزارية، نسبة إلى نزار المصطفى لدين الله. ولا تختلف الأفكار الرئيسة المشكِّلة لِبُنْيَة هذه الجماعة عن مثيلاتها، وتتمثَّل في : (إمام ملهَم، غايته إصلاح المجتمع، أمره مطاع ونافذ، والخروج عليه كفر وضلال، تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر بالسيف، إنّ الجماعة تمثِّل الفرقة الناجية، ودونها أتباع الشيطان وأرباب الطاغوت، إن مكافأة فدائييهم الشهادة والسعادة وحور العين في جنة الخلد).

والذي يعنينا في هذا السياق هو القاعدة الرابعة؛ نعني (المكافأة)، أي الاستمتاع باللذة الجنسية، تلك التي اتخذ منها أئمة الحشاشين أداة لترغيب الشباب في الانضمام إلى عصابتهم، فيروي الكاتب والمؤرخ والرحالة الإيطالي "ماركو باولو" في حديثه عن أسطورة الفردوس، أنَّ سِرَّ اختيار الحشاشين سُكْنَى القِلاع، يرجع إلى مناعتها من الناحية العسكرية، وصلاحيتها كمعسكرات للتدريب، وتربية الأذهان أو تغسيلها وتكفينها، وترسيخ المعتَقد، وأخطر هذه المعتقدات هو مفهوم الجهاد، فالمجاهد الحق في عقيدتهم هو الذي يستجيب بلا نقاش أو جدال لما يؤمر به من تضحية وفداء، من أجل نصرة الله وتطبيق شريعته، والانتقام من أعدائه، وإهلاك خصومه، وسفك دماء المعترِضين والمعاندين، واستحلال أموالهم وأعراضهم، وأن أي تفكير - ولو لبرهة - في طبيعة الأمر؛ يُعَد كُفراً، وخروجاً عن المِلَّة، وعصياناً لله؛ يستوجب القتل، وذلك لأنه يُحيي خطيئة آدم وحواء من جديد.

وقد ابتكر (الحسن الصباح) آلية تربوية رسَّختْ عقيدةَ الاستشهاد بالمعنى السابق في أذهان الصِّبْيَة، وتتمثَّل في أن الإلهامات الإلهية، والتعاليم التي ينطق بها الإمام المهدي، تلك التي لا تُستوعَب بالحِس أو العقل، بل بالمجاهدات الروحيّة، وأكل بعض النباتات، التي تمكِّن الروح من الانطلاق، حيث الأوامر الربانية الناسخة للشريعة والمؤوِّلة لما قبلها من نصوص.

فرُوى أن الصِّبْيَة المُصطَفين للقيام بالأعمال الفدائية، يقدَّم لهم نبات الحشيش مطبوخًاً، أو مبخَّرًاً؛ حتى يغيبوا، ثم يتم نقلهم إلى حدائق - خلف الحِصن -  أشبه بالوصف الذي جاء في القرآن عن الجنان (العسل واللبن والأشجار الوافرة والنبيذ وحور العين والولدان المخلدون.....) ويدَعونهم يمكثون فيها بضعة أشهُر، ثم يُخرجونهم منها بنفس الطريقة، ثم يُعرَضون في ساحة الإمام؛ ليتلَقَّوا الأوامر التي تمكِّنهم - إذا ما أدَّوها على خير وجه - من العودة ثانية إلى أحضان حور العين، اللواتي أُخْتِرْنَ من بين السبايا والعبيد وما ملكت اليمين، وأوكِل أمرُهُن لغانيات محترفات؛ لتدريبهن على فنون الإمتاع والجِماع، وتلقينهن بعض التعاليم، التي تشجِّع الفدائيين الذين حُملوا إليهن على النِّزَال والقتال، وتلبية الأوامر الربَّانية، التي خرجت على لسان المهدي، أو الأمير أو المرشد أو القائد، وقد برعت الحوريات الفاتنات في إغواء من ارتمى في أحضانهن، وإقناعه بأن الكثير من ألوان المتعة والسعادة في انتظاره بعد أداء مهمته الانتحارية.

وقد تأثَّرت معظم الفِرق والجماعات الإرهابية بهذا الدَّرب وبذلك النَّهج، مع بعض التعديلات، تبعًا للثقافة المطروحة، والبيئة التي نشأ وتربَّى فيها الصِّبْية المجاهدون، وإذا ما راجعنا الأفلام التسجيلية، والوثائق المرويَّة، عن التعاليم التي يتلقَّاها الإرهابيون الفدائيون في حركة  حماس بغزة - التي تأسست عام 1987 على يد أحمد يس - وجماعة طالبان بباكستان - التي تأسست عام 1994 على يد المجاهد محمد عمر- وجماعة بوكو حرام بنيجيريا - التي تأسست عام 2002 على يد (أبوبكر الشكوى) - وحركة الشباب الإسلامية في الصومال - التي تأسست عام 2004 على يد "عدن هاشي فرح آيرو"-  وجماعة داعش في العراق - التي تأسست عام 2006 على يد أبو عمر البغدادي- وجماعة النصرة بسوريا - التي تأسست عام 2011؛ فهوس شباب الانتحاريين في حماس بزواجهم من حور العين لا يخفى على أحد؛ فهناك عشرات الأفلام التسجيلية تصوِّر الجهادي الانتحاري في الليلة السابقة على قيامة بالعملية الإرهابية في ثوبٍ أبيض معطَّر يتلقَّى التهاني من رفاقة وكأنه في حفلة عُرس، وقد كتب الكثيرون منهم على مواقع التواصل الاجتماعي رسائل لأصدقائهم يخبرونهم فيها بموعد حفل زفافهم على الحوريات بين الصِّدِّيقين والأبرار.

ومن أشهر ما كُتب في هذا السياق، ما نشرَتْه صحيفة (ليدر)، التي تصدر في تورونتو، عن اعترافات أحد الصِّبية المجاهدين المُنتمين إلى طالبان، والتي جاء فيها "أثناء الذهاب لأداء المَهمَّة، كان مدرِّبي يقود السيارة بسرعة جنونية، ويميل بها يمينًاً ويسارًاً دون مبرر، ولمَّا سألتُه عن ذلك؛ أجابني : حتى لا أصدم واحدة من الحوريات اللواتي يلوِّحن بأيديهن ويضحكن لك وهن عرايا فرحات باقتراب لحظة اللقاء والعودة، حيث السعادة الأبدية في جنان المجاهدين". وأضافتْ إحدى الناشطات في كراتشي وتُدعَى "تابندة سروش" (إنّ الفدائيين في طالبان - في فترة الإعداد  يمارسون الجنس بشراهة مع فتيات خُصصت لذلك؛ لتحفيزهم على الانتحار، وتفجير أنفسهم للظَّفر بأحضانهن ثانية في جنَّة الخالدين).

ويحدِّثنا "ناصر الحزيمي" على صحيفة الرياض اليومية عن (زفَّة الشهيد)، وهو الحفل الذي تقيمه الجماعات الإرهابية من أجل الانتحاريين في الليلة السابقة على انطلاقهم، تلك الزَّفَّة التي تؤكِّد كل مظاهرها للمحتفَى به بأن ليلة غده سوف يقضيها في أحضان حور العين، رائعات الجمال المتعطرات بالمسك، والمتزينات بأجمل ثياب العرس.

وقد صرَّح قادة "بوكو حرام" عقب اختطافهم لفتيات المدارس، أن غايتهم من ذلك هو تطبيق التعاليم الإسلامية، فالفتاة البالغة لا مكان لها سوى أحضان وفِرَاش الزوجية، وذلك تبعًاً للسُّنَّة التي خَلَقَ الله حواء من أجلها؛ امتاع الزوج وإنجاب الأطفال.

أمّا في الصومال، فقام المجاهدون بجلد الفتيات، اللواتي يرتدين مشدَّات الصدر؛ بحجة أن في ذلك غِشًّا وتضليلاً، وقد سخرَتْ إحدى الصحفيات من هذا السلوك، وقالت : "أجبرونا على ارتداء الحجاب والآن يأمروننا بهَزِّ صدورنا وأردافنا".

ومن أطرف الحلول المعاصرة لعقدة (حور العين)، التي تغلغلت في أذهان الانتحاريين في الجماعات الإرهابية؛ تصريح إحدى بطلات أفلام البورنو وتدعَى "ستورمي دانيال" في حسابها على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) "أنا على استعداد للتبرُّع بليالٍ حمراءَ ساخنةٍ، عوضًاً عن حور العين، شريطة ألا يقدِم الإرهابيون على تفجير أنفسهم، وأنا جادة في هذا العرض، وسوف أكون لمن يرغب من الانتحاريين حوريّة حقيقية، وليست وهميّة؛ وذلك لإنقاذ عشرات الأبرياء من شرّ الإرهاب".

ولا يخلو هذا السياق من الأفكار المبتَكرة، فقد نجح المعنيّون بوضع برامج تأهيل الانتحاريين من اختراع قصة مستنسخة من أكاذيب فرقة الحشاشين، وذلك بعد تجنيدهم للكثير من الفتيات للقيام بالعمليات الانتحارية، وخلاصتها أن الانتحاريات سوف يصبحن حوريات للنبي وصحابته، وأكابر الصديقين والتابعين والأئمة. الأمر الذي يستوجب إعدادهن لليلة الزفاف بإقامة حفل (ليلة الحنة والجلوة) قبل قيامهن بما كُلِّفن به. وقد زاعت هذه القصة بين أفراد جماعة النصرة وداعش وحماس.

أما أشهر أدبيات هذا المعتقد الإرهابي، فيتمثَّل في كتابَين أولهما بعنوان (عشق الحور العين بالأذُن قبل العين) بقلم يوسف بن إبراهيم الساجر، وقد تناول معنى حور العين، وذِكرهن في القرآن، ووصفهن وطاهرتهن وروائحهن ونضارتهن وكلامهن، وغنائهن ولباسهن وتفاصيل رسمهن، وثانيهما كتاب (مطالع البدور مع منازل السرور في وصف الحور العين) تأليف الشيخ : مجدي فتحي السيد، وقد أضاف على ما جاء في سابقه أحاديثَ السلف عن حور العين، ومهورهن، وطبيعة نكاحهن في الجنة، وأوضاع الحياة هناك.

وقد اعتمد قادة الجهاديين - في شتى الجماعات المعاصرة - على ما جاء في هذَين الكتابَين من معارف، وأضافوا عليها ما يؤكد أن السبيل للوصول إلى ذلك العُرس الرباني؛ هو طاعة الإمام أو المرشد والجهاد لنصرة الحاكمية الإسلامية، وتخليص البلاد والعباد من كل مظاهر الشِّرك والكُفر !

ولا يخلو هذا السياق أيضًاً من البِدَع الشرعيّة، وأشهرها ما أطلقوا عليه (جهاد النكاح)، وخلاصته دعوة النساء إلى جِماع المجاهدين؛ لإمتاعهم، وتشجيعهم على ممارسة القتال، وعلى الرغم من نفي قادة الجماعات الإرهابية لهذه البدعة، إلا أن الفتيات المتبرِّعات قد صرَّحن بأنهن قد مارسن الجنسَ مع المجاهدين في سوريا من عام  2013، ثم في بغداد مع إرهابي داعش.

وعلى شاشات التليفزيون المصري (قناة صدى البلد)، رَوَى العديدُ من الفتيات الإخوانيات ما كان يحدث على منصة اعتصام رابعة والنهضة، وجاء في حديثهن أن قادة الاعتصام استشهدوا بما كان يحدث في عصر النبي من أمر المجاهدين، وكيف كانوا يستمتعون بممارسة الجنس (زواج المتعة) أثناء الحرب؛ الأمر الذي يبيح لهم إشهار من تريد أن تتزوَّج على هذا النظام داخل الاعتصام.

وصرَّحتْ إحداهن على صفحات المصري اليوم (بتاريخ 13-9-2013) بأنها قد شاهدت الكثير من الزيجات في اعتصام رابعة العدوية، وأن أحد الأزهريين المنتمين للجماعة كان يقوم بمراسم العقد شفاهة، وبرَّر ما يفعل، بأن الشيعة الإثنَى عشرية - في إيران - مازالت تمارس هذا الشكل من أشكال الزواج حتى الآن.

كما صرَّحت السيدة صباح السقارى، القيادية بحزب الحرية والعدالة، على صفحات جريدة أخبار اليوم "إن جهاد النكاح ليس حلالاً إلا بوجوده في أرض الجهاد كرابعة العدوية أو النهضة، وهو يوجد بسوريا، وفرْض على كل مسلمة هناك، والآن أصبح بمصر؛ لأن مصر مغتصبة، ولابد أن ترجع لحِضن الإخوان مرة أخرى، وعلى المسلمات الذهاب لرابعة لجهاد المناكحة؛ لأنه أصبح فرْضًا. كما أكَّدتْ وجود حمَّامات، وشُقق، وجراجات مخصَّصة للمعتصمين؛ لممارسة جهاد النكاح، وعن توافر سيدات سوريات لعرض أنفسهن على من يرغب في ذلك  بـسعر50 جنيه في الساعة".

تلك كانت أهم أركان البناء السردي لأفكار الجماعات الإرهابية، وقد بيَّنَّا فيه موقع اللذة الجنسية منه، الذي تحوَّل من كونه رغبة أو متعة إلى أيدولوجية تحفِّز الانتحاريين من جهة، وآثامَ ترتكبها المجتمعات الكافرة التي تعاديهم من جهة أخرى.

وإذا كانت الموضوعية تقتضي الاعترافَ بوجود بعض مواطن الرَّيْبة والشك فيما أوردناه من أخبار، مثل جنة الحشاشين، وجهاد النكاح، فإننا نؤكِّد - مع ذلك - أن قياس الشاهد على الغائب؛ يجعلنا نسلِّم بصحة ما ارتبنا فيه؛ فالمشكِّكون في رواية "ماركو باولو" عن الجِنَان التي كان الحشاشون يعدُّونها خلف القلاع؛ ليتنعَّمَ فيها شبيبة الانتحاريين، فإننا نرى أن معظم اعتراضاتهم على مصداقية وجود تلك الجِنَان - ومنهم البحَّاثة صديقنا محمد عثمان الخشت - هو تلك الطبيعة الطبوغرافية في "قلعة ألموت" الوعرة التي يستحيل معها وجود جِنَان على النحو الذي ذُكِر في القرآن، فإننا نرُدُّ ببساطة أنه ليس من الصعب على عصابات الحشاشين أن يشيِّدوا نموذجًا مصغَّرًا للجنان خلف القلعة، فالصبي تحت تأثير المخدِّر ليس في إمكانه إدراك الأزمان والأماكن على حقيقتها، كما أن المحفِّز الأول ليس العسل أو اللبن أو الفاكهة، بل هو الجنس، وحور العين والعذارى الكواعب، الأمر الذي يتَّفق مع صفات المختارين للأعمال الفدائية، التي وردت في كتابات الحشاشين أنفسهم : (حديثو السن، يعانون الحرمان والعَوَز، والإحباط واليأس، والتمرُّد على الواقع، والطامعون في الخلاص من عذابات الحياة الدنيوية) بالإضافة إلى تأثُّر حسن الصباح بعالم المُثل الأفلاطوني، والفِكر الغنوصي الإيراني، ونظرية الفيض الأفلاطونية، وطبقات إخوان الصفا التربوية، وكلها تحدَّثت عن عالم الفردوس؛ حيث الكمال والجمال والجلال، ولم يكن في مقدور قادة وأئمة الحشاشين - كما ذكرنا -  إقناع أولئك الصِّبية بالمعاني المجرَّدة، بل بلذَّة قوية، تجعلهم يُقْبِلون على الموت من أجلها، وهم في زِيِّ العُرس وأخيراً إذا كانت "قلعة ألموت" غير صالحة لتشييد الجِنَان فيها، فإن قلاع الشام تختلف في طبيعتها عن تلك، ولعل مارك باولو رأى هذه الجِنَان في قلاع العراق وسوريا وتركيا، وليس في "ألموت" التي دمرها التتار.

أضف إلى ذلك كله، أن المكافأة الكُبرَى لأبرار الطبقة الأولى في عقيدة الحشاشين هى الجِماع في جنان الخُلد. فالأمير وزوجُه بعد ارتشفاهما عصير الفواكه المثلَّجة، قد انتشَيا بطعمها؛ فأقبلا على ممارسة الجنس، لتحبَلَ حوريةُ الإمام بإمام وليد، تقوم برعايته الكواكب والنجوم المتلألئة. وما يصدُق على الإمام يصدُق بطبيعة الحال على معيَّته بدرجات متفاوتة.

وقد ربط الباحث اليهودي "موشيه آمون" - في كتابه "الدين والإرهاب نموذجًا للغنوصية" - بين الأفكار الأسطورية والمدن الفاضلة بكل ما فيها من نماذج للكمال والجمال، والتحريض على الثورة لإزاحة السلطات القائمة، عن طريق العنف المُسلَّح وسفك الدماء، الذي يُعِدُّونه قربانًا من أجل الخلاص، فجُلُّ العصابات الدينية الإرهابية تستمدُّ تعاليمَها من الاعتقاد الغنوصي، الذي يصوِّر الثائرين والمتمردين على الواقع المادي بأنهم أقربُ إلى الملائكة في طهارتهم، وإلى الأنبياء والقدِّيسين في معارفهم وامتلاكهم الحقيقة المطلقة، ولمَّا كان من العسير - على قادة الفِرق الإرهابية - كما بيَّنَّا - تعليمُ الصِّبية هذه الأفكار، كان لزامًا عليهم تبسيطها في صُوَر حِسِّيَّة مباشِرة، تقْبَلها أذهانُهم، وتتناسب مع عواطفهم الملتهِبة؛ فنموذج حور العين كان الأقرب والأنسب.

أما هوس كل الجماعات الإرهابية بأيدولوجية الجنس؛ فقد أصبح جليًا، لا يمكن إنكاره، فها هي التصريحات الأخيرة لجماعة الإخوان المسلمين تؤكِّد على قنواتها التليفزيونية على ثلاث مسائل : أولها أن ما يمارسونه من جهاد ما هو إلا تجديدًا لثورة إسلامية إصلاحية وأخلاقية، قد سُلِبَتْ منهم على يد العسكر، تلك الثورة التي أرادت تخليص المجتمع من الفُحش (ولن يكون هناك أيُّ تنازلات أو رحمة، لأن الجميع تسابق في انتهاك العِرض والمال والجسد، وتعاونوا على قتل الأبرياء، واغتصاب النساء، وهتك الأعراض، واعتقال الآلاف، وتشريد ملايين الأُسَر، ونهب أموال الشعب بدون وجه حق).

وثانيها : قصة تُروَى على لسان إحدى السجينات تحرِّض فيها شبيبةَ الإخوان على الثورة والانتقام من العسكر؛ لتخليصها من السجن الذي تُغتَصَب فيه أربع مرَّات يوميًا، منذ اعتقالها في إحدى مظاهرات الحرائر.

وثالثها : تحذير المجتمع من بدعة تجنيد الفتيات؛ لأنها تهدف في المقام الأول إلى إمتاع العسكر بأجساد الفتيات أثناء عملهم في قتل المجاهدين في سيناء.

أمّا انتهاكات داعش، فحدِّث ولا حرج، بداية من اغتصاب نساء اليزيديين والكلدانيين والمسيحيين في العراق، ومرورًا بممارسة الجنس الجماعي مع الغانيات التُّركيات، اللواتي تطوَّعن لهذا الغرض، وأخيرًا جهاد النكاح الذي تحدَّثتْ عنه معظم الدوائر الغربية، وجماعات حقوق الإنسان على أنه ظاهرة.

ونخلص من ذلك، إلى أن الأيدولوجية الجنسية في الجماعات الإرهابية قد كشفَتْ عن زَيْفِ معتَقدها، وهمجية سلوك أربابها.

أمّا أوجه الشبه بين فرقة الحشاشين - باعتبارها الجماعة المؤسسة للأيدولوجية الجنسية - والعصابات الإرهابية المعاصرة فهذا لا يغفله أحد، ولا يمكن إنكاره.

والسؤال الذي يطرح نفسه هل هناك قوة مخططة لهذه الأيدولوجية التي تفشّت في معظم الجماعات الراديكالية المتدينة؟ هذا ما سنحاول الكشف عنه في المقالات التالية.

 

بقلم : د. عصمت نصار

 

 

في المثقف اليوم