قضايا

التفكك الاسري

يعرف التفكك الاسري على انه الاختلال الحاصل في طرفي الاسرة- الابوين - احدهما اوكلاهما، فالتفكك لغة هو تفكيك الشئ اي فصل اجزاءه عن بعضها البعض، اما اصطلاحا فهو انهيار وحدة اجتماعيا واختلال وظائفها سواء اكانت هذه الوحدة فردا ام جماعة.

والتفكك نوعان:

- تفكك مادي وهو غياب احد الابوين بصورة دائمة.

- تفكك معنوي وهو الحضور الغائب لاحدهما.

وهذا الخلل الوظيفي يؤدي الى عجز باداء الواجبات المنوطة بالابوين ومن ثم حدوث شرخ وفراغ وضرر في المظومة العائلية والذي يدفع ثمنه حتما الاطفال.

ان الاسرة المتفككة هي اسرة تعاني من الاضطرابات السلوكية التي تؤدي الى انتاج اطفال مشوهين اجتماعيا، فهي تنتج نوعين من الابناء، احدهما انسان سئ يسئ لنفسه ولاسرته ولمجتمعه كنوع من الثار لذاته، وقد يلجا الى تعاطي الكحول او المخدرات او الاثنين معا للهروب من واقعه المؤلم ، فالمجرمين والساديين وارباب السوابق هم نتاج عوائل مفككة بامتياز، والنوع الثاني انسانا منطويا، مكتئبا معقدا يعاني من امراض نفسية وعلل لاحصر لها ، كالكابة، وعقدة الاضطهاد، وانفصام الشخصية وغيرها.

ان الاسر المفككة تضم اباء وامهات يعانون اصلا من اختلال الوظيفة، وقد يكونون قد تربوا ايضا في اسر مختلة وظيفيا، وهكذا يرث الابناء عن الاباء العلل نفسها، هذه الاختلالات التي يعاني منها احد الابوين وغالبا مايكون الطرف المسيطر الذي يحاول ان ينتزع السلطة الابوية باي شكل من الاشكال ليفرض اختلالاته التعسفية التي تتضمن الغياب المستمر عن الاسرة ، وحتى وان كان موجودا فيكون حضورا غائبا او التملص من اداء الحقوق والتذرع بالعمل خارج البيت وقضاء النهار بطوله بعيدا عن الاسرة- وهذا يشمل الام والاب معا- فلايوجد عملا يقضي فيه المرء النهار بطوله الاماندر، فبعض الاباء تراه يقضي الساعات الطويلة مع الاصدقاء او التسكع باي عمل يبعده عن المسؤولية، كالجلوس في المقهى اوزيارة الجيران باالنسبة للام –الزيارات المبالغ بها- او الذهاب الى التسوق بالرغم من عدم الحاجة لذلك ، واهمال الابناء والتقصير باداء الواجب ، او التعسف بمعاملة الابناء باستخدام العنف والقسوة والتدخل بكل صغيرة وكبيرة ومسخ شخصية الابن وتهميشها والمشاجرات المستمرة بسبب وبدون سبب امام الابناء مع استخدام الالفاظ النابية والمزايدة على حضانة الابناء والضرب المبرح من قبل الاب لزوجته او للابن ينتج عنه شخصيات انتقامية تتحين الفرص للانقضاض على اي شخص قريبا كان ام غريب، شخصيات سايكوباثية عدائية للمجتمع الذي يراه الابن المعنف وسيلة لاسترداد كرامته مهما كان الثمن ، بل قد تنقلب الاية ويبدا الابن بتعنيف والديه بنفس الاسلوب بل انه يضعهم على"كرسي الاعتراف"ليذكرهم بالمعاملة السيئة التي تلقاها منهم في طفولته، ودور العجزة ممتلئة لحد التخمة باباء جحدهم ابناءهم لسبب اولاخر.

ان التفكك الاسري بات ظاهرة تغزو مجتمعاتنا وبقوة، وقد ساعدت عدة عوامل لتنامي هذه الظاهرة التي بدات تدق ناقوس الخطر ، منها صديق السوءو الوجه الاخر للنت وللاسف الشديد ان انشغال الناس بالنت طال كل شرائح المجتمع فالاب يقضي ساعات طويلة على النت يصادق فلان ويتواعد مع فلانة وقد يصل الامر به الى ترك بيته والبحث عن زوجة النت التي ارته اجمل ماعندها من اجل التفريط ببيته واسرته، وكذلك الحال بالنسبة للام التي تقضي ساعات طويلة تتسامر مع صديقاتها تاركة البيت راسا على عقب –مع الاستثناء- في حين ان هذه الساعات انما اقتطعتها من رعاية اطفالها وتعليمهم وزرع قيم الفضيلة فيهم وتاهيلهم للحياة.

او قد تلجا الام العاملة الى ترك الاطفال بيد الخادمة يتربون على يديها ويكتسبون منها ثقافتهم لانها الاقرب، فيما يحل السائق محل الاب في اداء الواجبات المنزلية والحياتية للابناء.

من جانب اخر نرى تبادل الادوار وهذه كارثة اخرى فالام تقوم بكل الادوار تعمل داخل وخارج البيت ، تتسوق، تامن مستلزمات البيت، تاخذ الابناء الى الطبيب، تتابعهم في المدرسة، في غياب جسدي ونفسي للاب الذي اما تراه مهملا ، متقاعسا، لامباليا بالحياة الزوجية ، مستسهلا الامور التي رماها على زوجته، او انه قد غاب اصلا وكون حياة اخرى تاركا الجمل بما حمل، او تراه متعسفا ، متحكما، يدس انفه بكل صغيرة وكبيرة ليشبع امراضا نفسية يعاني منها، زارعا الرعب والخوف والنفور بقلوب ابناءه وزوجته، ناهيك عن صراع الثقافات وهو اختلاف المستوى الثقافي والاجتماعي بين الابوين الذي يصنع هوة كبيرة يقع فيها الاطفال ، خصوصا ان الابوين في هذه الحالة كل يجر الحبل لجهته محاولا ابراز نفسه على حساب الاخر، الامر الذي يجعل الصورة مشوهة وضبابية للطفل الذي يجب ان يختار شاء ام ابى وفي نفس الوقت يحاول ارضاء الطرفين ، وهذا يكلفه جهدا وسخطا هو في غنى عنه.

وبكل الاحوال فالابناء ينشئوون ببيئة غير صحية ، حاملين عقدهم معهم للكبر وناقليها بكل امانة لابنائهم ، رافدين المجتمع بعاهات اجتماعية تسهم بهدمه وافشاء ثقافة العنف والاستهتار والتخلف، وقد يصل الامر الى هروب الابناء من المنزل الى الشارع الذي يفتح ذراعيه لتغذيتهم بالرذيلة.

ان الظواهر التي تغزو المجتمع الان جلها نتاج التفكك الاسري وانفصال الزوجين او بقائهما في اتون مستعر من المشاكل التي تاتي ا’كلها على حساب الابناء الاكثر تضررا من هذا الموضوع.

من كل هذا نخلص الى مجموعة من الاراء السليمة الصحية لحياة امنة:

1- ان الاسر والبيوت الامنة يجب ان تقوم دعائمها على الاحترام المتبادل بين الابوين، لكي يشعر الاطفال بهذه العلاقة الحميمة التي تنطبع ايجابا على تصرفاتهم فيما بعد.

2- عدم اثارة المشاكل امام الاطفال ومناقشتها وحلها بعيدا عنهم كي لايدخل الطفل في دوامة القلق والخوف والبحث عن الحضن الامن الذي قد يجده في صديق السوء او في موقع من المواقع الضالة.

3- اشعار الطفل بقيمته كفرد مهم بالاسرة واعطائه الحق بابداء رايه بكل حرية مما يعزز الثقة بنفسه وبمحيطه.

4- تقوية الوازع الاخلاقي بتقوية الوازع الديني لدى الابناء لان "راس الحكمة مخافة الله"، وذلك سيكون له رادعا يبعده عن مسارات الرذيلة.

5- التثقيف التوعوي الذي تتباه المدرسة والاعلام له الاثر القوي والفاعل في تقويم الطفل.

6- استخدام عبارات الشكر والثناء عند القيام بعمل جيد يثاب عليه الطفل.

7- عدم التفريق بين الابناء بذريعة هذا كبير وذاك صغير ، هذا مريض وذاك متعاف، فتربية الابناء يجب ان تاخذ مسارا واحدا ثابتا كي لايشعر الطفل بالغبن والغيرة من اخيه الاصغر او الاكبر ، مايجعله يكره اخاه ويكن له مشاعر الحقد والانتقام، والمجتمع الان ملئ بظاهرة الاخوة الاعداء وللاسف الشديد.

8- حسن اختيار الشريك واخذ الوقت اللازم لذلك لان الزواج قبل كل منظومة اجتماعية يقوم عليها المجتمع.

9- الابتعاد عن ظاهرة الزواج المبكر التي تؤسس اسر غير مكتملة النضج ، غير مسؤولة عن ادارة شؤون الاسرة، لان الابوين في هذه الحالة يفتقدان الوعي والثقافة الاجتماعية لتاسيس الاسرة.

10- الحث على التعليم لان الانسان المتعلم خيرا من الانسان الجاهل، فالثقافة سلاح حصين ضد الجهل الذي هو اس البلاء، والامة المتعلمة خيرا من الامة الجاهلة.

لنربي انفسنا اولا قبل ان نربي ابناءنا لان المربي يجب ان يتحلى بالخلق الكريم والادراك الحسي والوعي اللازم الذي يؤهله لياخذ هذا الدور.

يقول ميتش البوم"يضربعض الاباء عائلاتهم واطفالهم، الشباب كالزجاج النقي يؤثر عليه اي طبع ويعكر صفوه، ويدمر بعض الاباء اطفالهم بطريقة جنونية كالزجاج المحطم الى قطع صغيرة لايمكن اصلاحها".

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم