تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

قضايا

الكتاب المدرسي للغة العربية بالتعليم الابتدائي

عبد العزيز قريشمشكلة القول العلمي.. (للطرح)

(إذا كانت المعاني في العبارة حقيقية ومحكمة وصريحة، فإنها في الإشارة مجازية أو مشتبهة أو مضمرة )1.

بينما كنت أبحث عما أدرجه علم التأثيل من مقولات فكرية تنير طريق الباحث حتى لا يكرر نفسه أو يسقطها في اللامحدود معرفيا أو يبقيها في المنطقة الرمادية؛ بما ينتفي ومتطلبات إشكاليته المعرفية، والقولية العلمية التي تستدعي العبارة الصريحة والمحكمة والحقيقية، التي تجلي المعاني على حقيقتها لا على ظلالها. وجدتني أقف على قول فيلسوفنا الجليل الدكتور طه عبد الرحمن: (معلوم أن الأصل في القول العلمي هو العبارة؛ فالعالم يحتاج إلى أن يستعمل أقواله في معانيها الحقيقية ويضبط أحكامها المختلفة وأن يصرح بتمام مضامين هذه المعاني والأحكام؛ لذلك، تراه يعمل بغير انقطاع على محو آثار الإشارة من أقواله، حتى إن حد القول العلمي قد يكون هو حفظ العبارة وصرف الإشارة)2.  فتساءلت في إطار اشتغالي على المجال التربوي؛ خاصة منه الابتدائي، في منحى النقد التربوي الذي يدقق في الهندسة التربوية، وما تطرحه من مناهج تربوية، ومن محتوى تعليمي ... عن مدى التزام المؤلف المدرسي بالقول العلمي فيما أدرجه من محتوى تعليمي في وحدات اللغة العربية ذات التيمات العلمية؟

يشكل هذا السؤال الجوهري منطلقا اساسيا لطرح مشكلة القول العلمي في الكتاب المدرسي بصفة عامة، وبصفة خاصة في التيمات العلمية من كتب اللغة العربية المقررة على المتعلمين في الابتدائي. فكثيرا ما تلمس بكل وضوح القول الأدبي في النص العلمي العربي، حيث تحفظ الإشارة وتصرف العبارة؛ بما يفيد الارتكاز على ظلال المعنى ليتستر عن قصور معرفته العلمية في تيمته أو تقصيره في البحث عما يحقق القول العلمي فيها أو لطبيعة تكوينه في مجال معين دون المجال العلمي، وامتلاكه ناصية القول الأدبي لا العلمي ... مما تتعدد معه معطيات العدول عن القول العلمي، وامتطاء صهوة القول الأدبي؛ فيختفي معه ما يجب إظهاره من الحقائق أو تظهر معه ما يجب إخفاؤه. المشكل الذي يجب البحث فيه علميا وعمليا وإجرائيا لكي ندرج نصوصا علمية في مواطنها تمكن المتعلم من اكتساب كفايات القول العلمي والمنهج العلمي فضلا عن المعرفة العلمية التي تشكل المدخل الأساس للتوجه نحو التخصص في المجال العلمي في مستقبل المتعلم.

ويمكن أن نشيد للمشكلة معمارا إشكاليا يستدعي مقاربة متعددة الأبعاد، تدعو مجموعة الباحثين في مجاله استقصاء المشكلة بدراسة الإشكال التالي: " ما موقع القول العلمي في وحدة المجال العلمي في كتاب اللغة العربية للتعليم الابتدائي على تعدده؟ وما انعكاسه على ناتج التعلم عند المتعلم على مستوى المعرفة العلمية وعلى مستوى المنهج العلمي وعلى مستوى الكفايات العلمية المستهدفة ؟ ". ومقاربة هذا الإشكال تتيح دراسة:

- محتوى الوحدات العلمية الواردة في الكتاب المدرسي على تعدده في منحى القول العلمي بناء على شبكة مبادئه وخصائصه بما يحدد موقعه في الكتاب المدرسي.

ـ انعكاس موقع القول العلمي على ناتج التعلم عند المتعلم على المستويات الثلاثة تجريبيا باتخاذ فرضية صفرية وأخرى بديلة ومجموعة ضابطة وأخرى تجريبية، وتوظيف المعطى الإحصائي في تقرير النتائج.

وقد تتخذ المقاربة مناحي بحث مبتكرة في تقصي المشكلة بمنطوق إشكالي آخر، ما يفتح آفاق استثمار نتائجها في التأليف المدرسي العلمي، وتحقيق الغايات المنشودة على المدى البعيد في استنبات الفكر العلمي في تربة التعليم الابتدائي بالقول العلمي الحقيقي، الذي يكسب المتعلم مهارات وقدرات وكفايات هذا الفكر منذ الصغر، ويراكم ويرصد لديه التجربة والخبرة العلمية بما يوجهه لاحقا إلى التخصص العلمي للانخراط في الإنتاج المجتمعي لمخرجات الفكر العلمي التطبيقية والعملية المتمظهرة في مجال الصناعات والتكنولوجيا والرقميات والهندسيات ...

من هنا؛ تجدني أحفز الباحثين بالحضور بكل كفاءاتهم في مجاله، لدراسة هذه القضية المعرفية والتربوية حتى تستهدي بهم الهندسة التربوية في البرمجة التربوية للمناهج الدراسية بالتعليم الابتدائي، ويتخذ التأليف المدرسي من صوى الطريق نحو مؤلفات مدرسي منضبطة للقول العلمي في النصوص العلمية. فهل من همم تستفزها قضايا ومشاكل وإشكاليات التعليم تنبري للبحث والتصحيح والتطوير مهما كانت التحديات كبيرة وعظيمة، فالإرادة الإنسانية أقوى وأمضى منها؟ لك مني أيها المستفز أصدق الدعاء بالتوفيق والتألق والأجر العظيم من رب العالمين.

 

عبد العزيز قريش

 

......................

1- د. طه عبد الرحمن، القول الفلسفي: كتاب المفهوم والتأثيل، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 2008، ط3، ص.:61.

2- نفسه، ص.:61.

 

في المثقف اليوم