قضايا

علي رسول الربيعي: السـؤال: الدين ودستور الدولة والعلمانية السـؤال (2)

علي رسول الربيعيتمت الإجابة على السؤال المطروح في الحلقة الأولى، من قبل: الدكتور أستاذ محمد مسلم جمعة، نور الدين علوش، والدكتور محمد عبده أبو العلا، وأدناه جواب دكتور علي رسول الربيعي:

أما السؤال: هل يمكنكم تقديم تسويغ لأيً من هذه النماذج كنظام دستوري يمكن أن يكون حلًا حيًاديًا أفضل أو معالجة دستورية تجدونها مناسبة للعلاقة بين الدولة والدين أو حتى نقدًا لكافة هذه الدساتير؟ (النماذج مذكورة في الحلقة الأولى على الرابط أدناه)

https://www.almothaqaf.com/a/qadaya/954253

جواب الدكتور علي رسول الربيعي:

هناك اشكال مختلفة فيما يتعلق بكل من هذه النماذج. فعلى الرغم من أن كل من فرنسا وتركيا تقع ضمن النموذج 1، على سبيل المثال، إلا أن اللائكية الفرنسية تختلف عن نظيرتها التركية. فقد تم تبني اللائكية في فرنسا، في بيئة اجتماعية وسياسية كانت علمانية بالفعل إلى حد كبير،[1]، بينما فرضها كمال أتاتورك على تركيا لتحريك التحول نحو الحداثة في نظام حكم كانت الغالبية الساحقة فيه للدين .[2] ونتيجة لذلك، كما يتضح من حظر فرنسا الحجاب الإسلامي وكما كانت تركيا ايضاً، يتم توجيه اللائكية الفرنسية ضد أديان الأقليات بينما تظل تعمل بالتزامن مع الثقافة المنبثقة عن دين الأغلبية (وعلى أديان الأقليات أن تتوافق مع تلك الثقافة)، في حين كانت اللائكية التركية ضد دين الأغلبية في البلاد.[3] علاوة على ذلك، يوجد خلاف داخل الولايات المتحدة حيث يعمل النموذج 2 ما إذا كانت العلمانية تتطلب "جدار فصل" كامل بين الدولة أو الدين، أو ما إذا كان يمكن للدولة تفضيل الدين على غير الدين طالما أنها لا تفرد معاملة تفضيلية لأيً دين.[4] يمكن أن يكون هناك أشكال مختلفة داخل النموذج 3 أيضًا، من التنظيم العلماني، اعتمادًا، من بين أمور أخرى، على ما إذا كان هناك دين مهيمن واحد في النظام السياسي المقصود، كما هو الحال في إيطاليا، أو ما إذا كان فيه أكثر من دين موجود تقليديًا، كما هو الحال في ألمانيا حيث تسود الكاثوليكية في بعض المناطق والبروتستانتية في مناطق أخرى. يبدو، وفي سياق دين مهيمن واحد، النموذج 3 قريبًا في جوهره تمامًا من النموذج 4، وهو مفتوح بحد ذاته لمجموعة واسعة من المتغيرات. ويبدو أن بعض الأديان، مثل كنيسة إنجلترا، ليس لها سوى حضور احتفالي في المجال العام وتأثيرها على العلمانية أقل من بعض الصيغ المقاربة للفصل في إطار النموذج 2.[5] ويمكن أن يكون للدين على النقيض من ذلك، دور أكثر هيمنة بكثير في حالات أخرى، مثل حالة اليونان، حيث تميل إلى عزل أديان الأقليات ولكن وضعها في موقع يمكن التسامح معها. أخيرًا، هناك العديد من المتغيرات التي يمكن تصوًرها في النموذج 5 أيضًا.

نريد أن نشير الى أنه من الواضح تعاني جميعها من أوجه قصور خطيرة. لا تفشل كل هذه النماذج في الوصول أو الانسجام مع مثال الحيادية أو تصورها فقط، ولكنها تحبط أهداف الأديان أو غير الأديان أو أديان الأقليات، أو في بعض الحالات، أهداف كل هؤلاء الثلاثة معاً أيضًا. يزعم النموذج 1 أنه محايد تجاه الدين، لكن العلمانية المتشددة التي يروج لها العلمانيون الفرنسيون والأتراك تبدو في غالب الأحيان معادية للدين تمامًا. قد يكون النموذج 2 غير الديني في وضع غير مؤات، فعلى الرغم من حياده المعلن بين الأديان، الاُ أنه يميًز أو يفضل الدين السائد على الأديان الأخرى ومنها بالطبع أديان الأقليات. يبدو النموذج 3 إشكاليًا بشكل خاص لأن من المحتمل أن تجده العلمانية "المذهبية" المعترفة بالنظم العقائدية مرغوبة من قبل معظم، إن لم يكن جميع الأديان، داخل النظام السياسي ومن قبل جميع أولئك الملتزمين بصدق بالعلمانية. من المرجح أن يسيء نمط العلمانية "المذهبية" هذه إلى كل من المتدينين الذين يرون أن معتقداتهم الدينية اعتبرت غير مهمة، والعلمانيين الملتزمين الذين سيشعرون بأن موقعهم يتقوض من خلال تشبع الفضاء العام بالرموز والممارسات الدينية التي يتم إعادة تسميتها أو تصنيفها كعلمانية.[6] بالإضافة إلى ذلك، يتجه النموذج 3 والنموذج 4 الى الاستخفاف من أديان الأقليات، وبالتالي فإنهما يبدو انهما يغلقان باب المعاملة المتساوية لجميع الأديان داخل النظام السياسي. أخيرًا، النموذج 5، استنادًا إلى نظام الملل، ليس فقط عرضة للضرر العلماني كما ذكرنا سابقاً، ولكن لتفضيل الجماعة على الفرد وكذلك لتفضيل الأديان المعترف بها وبعض الطوائف داخل الدين بشكل غير ضروري أيضًا. أني أتطلع الى ما يتجاوز كل قصور مذكور أعلاه باتجاه علاقة أخرى ومختلفة عن هذه الترتيبات الدستورية السائدة

 

..........................

[1] Troper, Michel. 2009. Sovereignty and la'icite. Cardozo Law Review 30: 2561.

[2] Borovali, Murat. 2009. Islamic headscarves and slippery slopes. Cardozo Law Review 30:2593·

[3] Mancini, Susanna. 2009.The power of symbols and symbols as power: Secularism and religion as guarantors of cultural convergence. Cardozo Law Review 30: 2629.

[4] Greenawalt, Kent. 2009. Secularism, religion, and liberal democracy in the United States. Cardozo Law Review 30: 2383.

[5] Greenawalt, Kent. 2009. Secularism, religion, and liberal democracy in the United States.2386-7.

[6] Mancini, Susanna. 2009.The power of symbols and symbols as power: Secularism and religion as guarantors of cultural convergence. 2634-5.

 

 

في المثقف اليوم