قضايا

مريم لطفي: ضعف التقدير الذاتي..

يقول برايان تريسي"جوهر الشخصية هو تقدير الذات وخير تعريف لتقدير الذات هو مقدار حب المرء لنفسه، ان تقديرك لذاتك هو المجموع الاجمالي لمقدار ماتشعر به من أهمية وقيمة تجاه نفسك في أي لحظة".

يعبر تقدير الذات عن الراي الخاص بالنفس، وهذا الراي يعتمد عليه نجاح الشخصية اوفشلها، فان كانت نظرتك ايجابية لقدراتك ومهاراتك الشخصية متقبل لكل صغيرة وكبيرة فيها فانت تمتلك تقديرا صحيا لذاتك ثم للاخرين ونظرتك عن الحياة ايجابية ومشرقة.

اما اذا كانت نظرتك سلبية وتعاني من تقدير متدن لذاتك يتسم بالكثير من المشكلات والعقد والمشاعر السلبية التي تؤثر بشكل كبير على حياتك هذا التاثير الذي يؤدي الى احتقار الذات والشعور الدائم بالنقص والدونية وعدم القدرة على مواجهة ابسط الامور الحياتية، فلابد انك تعاني من ضعف التقدير الذاتي.

جميعنا نمر بلحظات او لنقل محطات عصيبة في حياتنا تجعلنا نخسر او نصارع او نكافح او نظطر الى استبدال المكان او المهنة او الاصدقاء، نتعرض للخسارة والغبن والظلم والهزيمة وتلك كلها امور واردة في معترك الحياة لاننا وببساطة لانعيش في المدينة الفاضلة، وان وجودنا في الحياة يحتم علينا ان نكافح لاثبات وجودنا، وهذا امر طبيعي وعليه يعتمد وجود الانسان في الحياة، لكن ان يصل الامر بالانسان الى احتقار ذاته ومعاقبتها وجلدها وكرههها الى حد انه يكره النظر الى نفسه في المرآة بل ويكره حتى اسمه! فذلك مرض يجب الوقوف عنده ومعرفة اسبابه التي اثمرت عن المشاعر السلبية التي تراكمت في نفسه مسببة له عقدا نفسية لاحصر لها كالقلق والوسواس والانطواء والانعزال عن الاخرين، والتجهم وكره النفس ثم الاخرين، وحب الانتقام، وقد تؤدي هذه الاسباب مجتمعة الى الانتحار!

فلطالما نسمع وبصورة مستمرة اخبارا عن اناس انهوا حياتهم لسبب او لاخر من الجنسين بعد ان تعذرت طاقتهم الذاتية عن دعمهم وامدادهم للتشبث بالحياة!

ان ضعف التقدير الذاتي يعود بالدرجة الاساس الى التربية الخاطئة للطفل في مراحله العمرية وما رسخ في ذهنه من معتقدات وافكار انتقلت اليه من الاهل بصورة مباشرة ثم المحيط، وما ان خرج للحياة حتى واجه انتقادات جعلته عاجزا عن مواجهتها فاضطر الى التراجع او التقهقر ثم الانطواء والانعزال، وهناك امور تتسبب بضعف التقدير الذاتي للنفس نذكر منها على سبيل المثال:

- القسوة المفرطة التي يتربى عليها الطفل من تعنيف جسدي ونفسي، كضربه ومناداته بالقاب دونية تحط من قدره، ومقارنته المستمرة باخوته او اقرانه تلك المقارنة التي تصبح كالكابوس الذي يلاحقه ويذكره بانه فاشل وانه اقل قيمة من غيره.

- الدلال المفرط، وهذا يلغي شخصية الطفل من الاساس لانه يعتمد اعتمادا مباشرا على والديه اللذان يقدمان له كل شئ على طبق من فشل يدفع ثمنه باول مواجهة في الحياة، فما ان يغيب عن ناظريهما لسبب او لاخر حتى يشعر بالانكسار وضعف المواجهةوصعوبة اتخاذ القرار وكانه سياج ايل مستند على دعامة ما ان ترفع الدعامة حتى يسقط السياج برمته!

- المثالية الكاملة او هوس الكمال وهذا احد اهم الامور المدمرة التي تساهم في تدني تقدير الذات، ذلك لان الانسان هنا قد تعلم ومنذ طفولته الاولى ان عليه القيام بالعمل على اتم وجه والا فانه يشعر بالفشل مهما كان اداؤه ناجحا ومميزا فمثلا انه اخذ تسعة من عشرة في درس ما فجوبه بالتوبيخ او العقاب، مع ان الدرجة الواحدة ليست معيارا للتفوق، وهذا كفيل بان يولد في نفسه ردة فعل تجاه الفشل، فهوسه بالكمال يشعره بالفشل الدائم، فهو مهووس بكل صغيرة وكبيرة، بل انه لايهمل اي شئ مهما كان صغيرا وهذا الهوس يجعله يتخبط بدوامة الفشل.

- استعداد الشخصية نفسها وتقبلها لهذا النوع الدوني من الاداء التقديري وعدم رفضها او التمرد على ذلك لسبب او لاخر.

ان لكل انسان شخصية تختلف عن الاخر، فلايوجد شخص يشبه اخر مئة بالمئة ولاحتى بين التوائم لان الشخصية الانسانية تتميز بقدرتها او بضعفها عن الاستقبال او التعلم كسمة موجودة اصلا بالشخصية تصقل بالتربية والتثقيف الاسري، ومايتقبله فلان يرفضه اخاه الذي يعيش في نفس البيت و بنفس الظروف، لذا فالتربية عامل اساسي ومهم في تكوين شخصية الطفل –الانسان- الذي سيصبح غدا جيلا واعدا او فاشلا!

ومن الاخطاء الشائعة التي يقع فيها المربين- الاهل- بالغالب هو التمييز بين الابناء، فعملية انتزاع اللعبة من الطفل الهادئ من اجل اسكات اخيه المشاكس هي الخطوة الاولى واول مسمار يدق في نعش الذات الضعيفة التي ستتعود على الاستغناء عن حقها بكل سهولة من اجل ارضاء الاخرين، اوالرفض الكبتي الذي يبث سمومه و يحول الشخصية الى اتون مستعر من مشاعر الحقد والانتقام، فليس من العدل والانصاف ان ناخذ مقتنيات الطفل الهادئ لنرضي بها الطفل المشاكس، وبدلا من مكافأة الهادئ على هدوءه فاننا نكسره نفسيا ونمكن المشاكس ليتمادى اكثر..

واذا نظرنا نظرة عامة الى سمات ضعف التقدير الذاتي سنجد الاتي:

- مشاعر الغضب التي تتولد نتيجة لاحتقار النفس والاحساس بالدونية، وذلك بسبب التربية الخاطئة للطفل او المعاملة السيئة من قبل الشريك او الاخوة او الاصدقاء حيث يترسخ هذا الشعور في النفس ويسيطر على الاداء النفسي والسلوكي للانسان.

- عدم قدرة الشخص على الرفض وتكون كلمة"لا" ثقيلة عليه جدا، لانه اعتاد على ارضاء الاخرين باي طريقة فهو دائم المجاملة والاعجاب بالاخرين.

- الحرص المفرط على مشاعر الاخرين والخوف من البوح باي شئ يؤدي الى زعلهم.

- الاعتماد على الدعم الخارجي من الاخرين بالتقدير والثناء وعدم استمداد ذلك الدعم من الذات الداخلية، وفي حال غياب ذلك الدعم فذلك يؤدي الى الشعور بالتوتر والنقص.

- الشعور الدائم بالذنب في اي عمل او فعل او قول، بل ان الاخرين اعتادوا على توجيه اصبع الاتهام اليه بسبب او دونما سبب .

- الاذعان الدائم لرغبات الاخرين وتفضيلهم على النفس، فلو طلب احدهم منه شيئا فهو على استعداد ان يترك كل شئ في سبيل تحقيق ماطلب منه ولو على حساب نفسه.

- التزام الصمت كخط دفاعي لعدم الاعتراض وجعل الاخرين يزعلون من صراحته مثلا، فهو مستعد ان يتخلى عن مبادئه في سبيل ارضاء الاخر.

- الحساسية المفرطة تجاه اي قول او فعل او حتى اشارة او ايماءة و هي احد الامور الاكثر وجعا وايلاما، فتاثير الانتقاد مهما يكن ينزل كالصاعقة على النفس وكأن العالم قد انتهى .

- الشعور الدائم بان الاخرين يتآمرون عليه ويحاولون النيل منه باي شكل من الاشكال.

- ضعف او انعدام الثقة بالنفس الذي يقود للشعور بضعف القيمة الذاتية وتدنيها مقابل الاخرين.

هذه الامور وغيرها كفيلة بان تجعل الانسان يشعر بعجزه وفشله ثم ضعف او انعدام تقديره لذاته الذي سينعكس حتما على تقدير الاخرين له، ولعلاج ضعف تقدير الذات على الانسان ان يلجأ للاتي:

- اتخاذ القرار بالتغيير هو الخطوة الاولى للتغلب على ضعف التقدير الذاتي، عن طريق تغيير الحوار الداخلي من خلال ترديد جملة ايجابية كرد مناسب لكل نقد سلبي توجهه لذاتك.

- سامح نفسك عن الاخطاء التي حدثت معك راغبا اوراهبا فكلنا بشر وقد جبل الانسان على الخطا والصواب مادام هناك باب فتحها الله اسمها التوبة والمغفرة فكن مطمئنا.

- تحدي الافكار والمعتقدات السلبية التي وصلت اليك عن طريق التربية الخاطئة او الايحاء ، وراقب افعالك واقوالك واعمل مقارنة لكن هذه المرة بين منجزاتك واخفاقات الاخرين.

- لاتدع للفشل طريقا وتذكر ان الفشل بامر ما لايعني انك فاشلا فلاتخلط الاوراق لان كل امر بالحياة قابل للفشل والنجاح وتذكر ان الفشل اساس النجاح والتجربة اساس الانجاز.

- فكر بواقعية واستثمر ظروفك وتذكر ان الكمال صفة الهية ولايوجد انسان كامل، بل اقتنع بماموجود لديك واسع الى تطويره.

- اجعل لنفسك عالما خاصا وان كان افتراضيا تلجا اليه عند شعورك باي مشاعرسلبية كممارسة هواية معينة اوالقيام بعمل يجعلك فخورا بذاتك.

- ردد عبارات ايجابية مثل، انا متفاءل، غدا يوم جديد، الشمس مشرقة، الصباح اليوم رائع، انا احب الصباح، الحياة جميلة، وهكذا هذه العبارات هي بالحقيقة المفتاح الذي سيغير شيفرة عقلك الباطن ليبدأبالتغيير.

- استمع الى اراء الاخرين من باب حب الاستطلاع ولاتاخذ الا بالذي تراه مناسبا والا فهو مجرد راي لا اكثر.

- نوّع مصادر ثقافتك واختلط بالاصدقاء الجيدين ولاتجعل نفسك حكرا لمصدر واحد يوجهك كيفما يشاء.

- الاهتمام بالمظهر الخارجي، يجعل الانسان يشعر بالرضا عن نفسه، فهناك امور صغيرة لكن وقعها بالنفس كبير.

- احرص على التواصل البصري، فعندما تتحدث كن واثقا من حديثك بان تنظر بعيون الشخص المقابل فهذا يعزز اداؤك وثقتك بنفسك، وتحدث بضمير المتكلم"انا" للتدريب على التعبير عن المشاعر بكل حرية.

- احرص على ادارة مشاعرك بطريقة ايجابية تجلب لك السعادة وتحبب الاخرين بك.

- لاتبرر لاحد اي عمل قمت به وانت مقتنع تماما بوجهة نظرك، لانك لست مضطرا للتبرير مادامت سلوكياتك صحيحة.

- تغاضى عن الامور الصغيرة والاقاويل التافهة ولاتعر لها اهمية لانك لو فعلت ستجعلها مهمة، بل فكر بالاهم ثم المهم واحرص على ان تكون نظرتك للامور شمولية.

ونخلص الى القول بان احترام وتقدير الذات يشير الى نظرتنا الداخلية لانفسنا التي تترجم افعالنا وسلوكياتنا وتجاربنا الحياتية وهو ماينعكس على الاداء الاجتماعي والمهني، لذا على الانسان ان يقدر ذاته ومايملك من قدرات ومواهب وميزات مهما كانت، فلا احد يقدم لك التقدير والاحترام مالم تقدمه انت لنفسك"رحم الله امرئ عرف قدر نفسه".

واخيرا اقول: كن راضيا عن نفسك وتقبلها بقبول حسن فلكل زهرة لون وعطر ولكل طير شكل وصوت والحياة مواسم كما الفصول، وعلى هذا جعلنا الله مختلفين.

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم