قضايا

قاسم محمد الياسري: واقع الإنسان وإرتفاع نسبة الأنا والذات المتوحشة في مجتمعنا

قاسم محمد الياسريفي واقعنا الاجتماعي اليوم ظواهرمتعددة كالقتل والإغتيالات والإرهاب والترهيب والسرقة والاغتصاب والاعتداء بجميع انواعه ترافقها إنهيارات في العلاقات بشكل عام كالابوية والاخوية والزوجية والصداقة وهذه الانهيارات تاتي بسبب اشياء تافهه احيانا او من اجل مصالح انانية ضيقة أرتفعت نسبها خلافا لكل المجتمعات وهذا كله يعني ان البشر ذات سلوكيات حيوانية لا يردعها دين ولا اخلاق ولا حتى القوانين .. وكما يشهد التاريخ القديم والحديث على هذه الصراعات التي تكون دموية احيانا مثلما بدئها قابيل بقتل أخيه هابيل وكما فعلو أخوة يوسف بشقيقهم يوسف.. فبات واضحا اليوم الانسان عدو اخيه الانسان فاصبحت العلاقات الاجتماعية سلبية وبنسبة عالية جدا في مجتمعنا عكس مجتمعات العالم المتطور ففي مجتمعنا تسوده علاقات دائمة التوتروالخوف وعدم الامان مع الغيرالذي يشكل مصدرازعاج وضيق وقلق وخوف يصاحبها الترهيب والحد من الحرية والعفوية الم يقل (نيتشية..ان معنى ان نعيش جوهريا هو ان ننهب ونجرح ونعتدي على الضعيف وعلى الغريب ونفرض عليهما بقساوة مقولاتنا الخاصة)... صدق نيتشيه في مقولته التي تصور الواقع البشري كالغابة التي يسيطر فيها القوي على الضعيف ويخضعه ويستعمله كوسيلة واداة من اجل تحقيق مصالحه الانانية الخاصة دون مراعات للانسانية والكرامة فالانسان كائنا انانيا شريرا يعشق الشر والعدوانية والحروب ويهوى الصراع والمواجهة بجبروت الأنا والغيرالى جهنم..ومطبوع على حب الذات نتيجة فساد تكويني طبيعي فيه ولد معه ويرافقه منذ الطفولة وينمو مع نموه عبرالزمن ولذلك فأفعال الانسان مدفوعة بمصلحته الشخصية وبالتالي فالإنسان يميل نحو حياة الأنانية لأنه في طبعة شريرمتوحش مع الغير .. أي أنه مطبوع على الشرالجذري بحسب توصيف كانط للحالة الطبيعية للإنسان ..فانثربولوجيا الانسان ماهي إلا حرب الكل ضد الكل .فالتعاون والتماسك الاجتماعي بين الناس منعدم ولاوجود لهما اليوم .بل هناك تبادل منفعة للأنا فقط  وليس لهما أصل وجودي في العالم .بل الحالة الطبيعية الانانية هي ذاتها الاساس الوجودي لكل انسان  وهي فعلا كما قال الفيلسوف الانكليزي توماس هوبزصاحب المقولة المشهورة (الإنسان ذئب أخيه الإنسان) فعلا حيث أن طبيعة حياة الإنسان تمضي بمقتظى غريزة حب الذات والسلوك المتوحش ومن المستحيل إيجاد قاعدة اخلاقية عامة يلتزم بها سلوك الانسان فالقوة هي الغالبة على الاخلاق. وكما مانراه اليوم في مجتمعنا بات لا يردعه دين ولا عقيدة ولا حتى القوانين وهذا ما ورد باعتقاد عالم النفس فرويد وتأكيده ..أن الانسان حيوانا فسيولوجيا يملك ثلاث دوافع اولية تتمحور حوله اغلب انشطة الحياة وهي دافعية اللذه ودافعية الحفاظ على الذات ودافعية العدوان ... وهذه الأخيرة هي المحرك الرئيسي لاغلب الانشطه السلوكية للانسان تحركها مظاهرنفسية يؤسس من خلالها للعدوانية والشراللذان يسابقان وعي الانسان وأفكاره ..وطبقا لما ورد في رؤية فرويد ..أن الروح العدوانية في بيلوجيا الانسان ملاصقة لنزعة الجنس والحب يستحيل القضاء عليها ..من هنا يكون هذا السلوك دائما في تعارض مع منظومة المجتمع في جميع محدداته القائمه سواء كانت دينية اخلاقية او القانونية التي تعمل على تحجيم رغبات وغرائز الفرد لصالح المبادئ والقيم العقلانية التي تشكل العقد الاجتماعي الضامن لحماية المجتمع من توحش الانسان وغرائزه وشهواته التي تمثل المحركات لذاته وروحه العدوانية كموضوع تعويض يدفع الانسان لاشباع حاجاته من خلال العدوان كما هوحالة التحرش الجنسي لاشباع حاجة الانسان والحاق الاذى والالم بالاخر حتى قهره ان لزم الامر.. لأن بدون اشباع هذه الرغبه ربما يشعر الانسان بنقص في احاسيسه ..وان حاجات الاشباع عند البشركما ذكرها فرويد عدة انواع منها  النزعات . ومنها اشباع الحاجة للجنس واشباع الحاجة للعدوان معا .. وهذا يعيدنا الى ما استشهد به هوبزلاثبات صحة مذهبه في انانية النفس البشرية وسلوكها الفاسد كما أكدت ذالك شواهد التاريخ بقتل قابيل لاخيه هابيل بسبب الحسد وبعدها ما ذكره لنا التاريخ عن البرابرة (الأباطرة) وحروبهم الدموية والدسائس الاجتماعية والسياسية التي سلكها الانسان كما يحدث الان في مجتمعاتنا على الصعيد الفردي او بين الدول على الصعيد السياسي بغية تحقيق اهداف تروج لها لتحقيق مكاسبها كما هو اليوم رفع شعارالاصلاح لذر الرماد في العيون والتشويش على العقول التي تعرف الواقع ..من هنا نستنتج من رؤية هوبزالانكليزي وفرويد أن العقل ليس مقودا بمقولات السلام بل بمنطق الضرورة للسلام – اي بضرورة الخروج من طبيعة الأنا البشرية الشريرة والكف عن السلوك المتوحش للارتقاء الى السلوك الانساني. والعودة الى المنطق والعقل لا الغريزة لانهاء واتلاع مسببات ومسببين هذه الفوضى والصراع بين البشر رغم ان العقل وفق رؤية هوبز ليس مقودا بمقولات سلام بل بمنطق ضرورة السلام –فلا ينفعنا الاصلاح الا بضرورة الخروج من طبيعة الأنا البشرية الشريرة والكف عن السلوك المتوحش. والانتقال لتخليص الانسان من نوازعه الشريرة. لقد بات اليوم مجتمعنا فريسة سهلة للوصول لمرحلة أخلاقية دنيا أسوأ وأقرب الى الفوضى والفناء بتسلط الأنا الشريرة المتوحشة وخضوع الغير لسلطة الوحوش واجبار الغير على التنازل عن حريتهم وحقوقهم الطبيعية وفق مبدأ اما معي فانت رفيقي واما مع غيري فتصبح عدوي ..

 

د. قاسم محمد الياسري

 

في المثقف اليوم