قضايا

محمد محفوظ: المسلمون والاندماج الوطني

محمد محفوظمع موجبات الهجرة الإسلامية إلى الغرب، تحول المسلمون في الغرب إلى حقيقة اجتماعية وثقافية واضحة وصريحة، وأضحت هذه الحقيقة الاجتماعية بحاجة إلى المزيد من الاندماج في المجتمعات الغربية.. بمعنى أن الشعوب الغربية تنظر إلى المسلمين بوصفهم مجتمعا جديدا بحاجة إلى المزيد من الجهود إلى الاندماج التام في مجتمعاتهم الجديدة.. وفي الجهة المقابلة ينظر المسلمون أنهم بحاجة أن يعيشوا خصائصهم الدينية والثقافية بمعزل عن التأثيرات الدينية والسلوكية لمجتمعاتهم الجديدة.. ولو تأملنا في طبيعة التجربة الإسلامية في الغرب، لوجدنا أن هذه المسألة من أعقد المسائل الثقافية والحضارية التي تواجه المسلمين في الغرب.. فالمهمة الأساسية التي تنتظر المسلمين هي الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية الجديدة ومن المؤكد أن فعل الاندماج وممارسته، يفرض على المسلمين تحديات وأوضاع جديدة، تتطلب منهم العمل على تحقيق فعل الاندماج، دون التخلي عن خصائصهم الدينية والثقافية..

وبمقدار ما ينجح المسلمون في انجاز هذه المعادلة، بذات القدر يتقدم واقعهم الحياتي والسياسي والاقتصادي.. ومن الطبيعي القول إن " أهم تحد تمثل في غياب مفهوم محدد للاندماج الاجتماعي، فهذا المفهوم الحديث يستخدم دون تحديد واضح للدلالات، كما لا توجد نظرية واضحة تفسر الاندماج وكيفيته والعوامل الأساسية المؤثرة فيه.. وهذا يتطلب دراسة النظريات التي عنت بالعلاقات بين الجماعات من وجهة نظر علم النفس الاجتماعي باعتبار أن المهاجرين أو الأقليات يمثلون جماعات طارئة على النسيج الاجتماعي أو لا تحظى بتعامل عادل أو بظروف مناسبة لاستيعابهم.. ومن خلال نظريات العلاقة بين الجماعات والأساليب النفسية والاجتماعية التي تلجأ إليها المجموعات الصغيرة أو الأقليات للدفاع عن مصالحها ووجودها وخصوصياتها " (ص 10-11، الأقليات المسلمة في الغرب – مشكلة التعايش والاندماج – السويد نموذجا)..

ويبدو من خلال الجماعات البشرية، التي اندمجت وتفاعلت على نحو ايجابي مع مجتمعات أكثر تقدما وتطورا منها.. أن السبيل الوحيد للفاعلية السياسية والاجتماعية لهذه الجماعات تبدأ حينما تندمج في المجتمعات الجديدة، وتتفاعل مع كل قضايا هذا المجتمع الجديدة..

وإن هذا التفاعل الخلاق هو الذي يحول هذه الجماعات إلى فاعل ثقافي وسياسي في مجتمعاتهم الجديدة..

ويحدد الدكتور طارق رمضان في كتابه (المسلمون في ظل العلمانية – واجبات المسلمين وحقوقهم في ظل المجتمعات العلمانية) عناصر الهوية بأربعة مكونات وهي كالتالي :

1- إيمان وروحانية وممارسة تعبدية..

2- إدراك معاني المصادر الإسلامية (الكتاب والسنة) بقدر إدراك السياق الاجتماعي والسياسي والثقافي الذي يعيش فيه المسلم..

3- التربية والتبليغ، فالدين أمانه يشهد عليها المسلم ويتعين عليه تبليغها عن طريق التربية..

4- العمل والمشاركة، فمعنى أن يكون المرء مسلما، أن يكون مؤثرا ومشاركا في الأنشطة الاجتماعية الرامية إلى إقامة العدل والرقي بالإنسان نحو الأحسن.. ويشير مضمون الكتاب الآنف الذكر إلى ضرورة إعمال اجتهاد فقهي يتيح الفرصة أمام الأجيال الشابة لكي تعيش دينها في انسجام داخل كل بلد تقيم فيه، وأن تحترم قوانين البلد وتعيش قيم المواطنة.. ويبدو أن الوصول إلى مستوى أن جميع الوجودات الإسلامية في الغرب يصبحون من المسلمين الأوروبيين، الذين لا يمارسون القطيعة مع أديانهم وثقافتهم،ويعملوا بكل جد واجتهاد للاندماج الكامل في مجتمعاتهم الجديدة..

فلا نريد للجماعات الإسلامية في الغرب أن تعيش العزلة والعجز والاغتراب في مجتمعاتهم الجديدة.. " لأن الاغتراب يقترن بعدم إمكانية الفرد على تحقيق توافقه النفسي وتوافقه مع الآخرين ، ولأن الاغتراب يؤدي إلى خمول وإطفاء حالة التفاعل الاجتماعي عند الفرد مما يجعله غير فعال اجتماعيا، وفاقدا للقدرات التي تحدد مدى مساهمته في البناء والتطور ".. (ص 15 – ابراهيم العبادي – الأقليات المسلمة في الغرب...).. فالذي نريده للجماعات الإسلامية في الغرب، أن تندمج في مجتمعاتها الجديدة، دون الذوبان والتخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية..

الاندماج المطلوب في المجتمعات الجديدة، لا يساوي الذوبان أو إخفاء الخصائص الثقافية، وإنما يعني التماسك والتداخل مع المحيط الاجتماعي والتفاعل مع قضاياه المختلفة.. فكل تداخل يفضي إلى المتانة والوحدة والتماسك والتكاسل يعد اندماجا.. فالاندماج ضد العزلة والانكفاء، كما هو بالضد من التبعثر وكثرة الخلافات والتشظي.. فهو أي الاندماج مشروع للتكامل والتوافق واتحاد الأجزاء مع بعضها البعض..

وعليه فإن الاندماج يعني بناء النسق الاجتماعي والثقافي على قاعدة الوحدة في التنوع، وبناء رؤية واحدة أو متسقة للعيش وفق الخصائص الذاتية دون الانحباس فيها.

 

محمد محفوظ

 

 

في المثقف اليوم