قضايا

ثامر الحاج امين: عن "العدمية" وأنصارها

العدمية موقف فلسفي من الحياة ووجود الانسان، فهي ترى ان الحياة لامعنى لها وان وجود الانسان عديم القيمة لذا نرى اصحاب هذه الفلسفة لا يأبهون لأهمية وجودهم ويفرطون بأرواحهم دونما أي تردد أو مراجعة، وتتجسد ملامح هذه الفلسفة في سلوك العديد من الأفراد والجماعات البشرية المنضوية تحت لواء الحركات المتطرفة الذين يلقون بأنفسهم الى التهلكة بتأثير عاطفي شديد نتيجة الايمان القاطع بفكرة معينة ويستعدون للموت دفاعا عنها او نتيجة التدله بشخصية يحيطونها بالقدسية ويعتقدون انها تمثل الحقيقة الكاملة، واذا كان البعض يعتقد ان العدمية مذهب حديث ظهرت ملامحه في فلسفة نيتشه التي مضى اكثر من قرن على نشؤها او ينسبون ظهورها الى الصراعات السياسية الحديثة وانتشار الأفكار المتطرفة وعبادة الشخصية فأني أجد في هذا الاعتقاد تجاهل لأحداث اتسمت بالعدمية وقعت قبل زمن نيتشة وفلاسفة اخرين بفترة بعيدة وبالتالي هو مذهب قديم، فقد عٌرف عن الخوارج شغفهم الشديد بالقتال، فكانت غزواتهم وحملاتهم على المخالفين لهم تتوالى غير مبالين بقلة عددهم بالنسبة لأعدائهم، وكانت احدى نسائهم اللائي اشتهرت بالبسالة وتدعى أم حكيم تحمل على الأعداء في ميادين القتال وهي تنشد:

أحمل رأسا قد سئمت حمله

وقد مللت دهنه وغسله

ألا فتى يحمل عني ثقله

قد يفسر البعض ان هذا الاندفاع الأهوج نحو الموت شجاعة وبطولة متناهية، لكنه من جانب آخر يعبر عن اليأس وغياب الأمل والنظرة الى العالم والطبيعة من زاوية مظلمة سبق ان أطل منها الشاعر المعرى في قوله:

ألا إنما الدنيا نحوسٍ لأهلها .. فما من زمانٍ أنتَ فيه سعيد

وقد تسلل هذا المذهب الى الأدب فظهرت كتابات عالمية قامت على تبخيس الذات والوجود والحط من قيمة الحياة من بينها كتابات البيركامو (الغريب) و(اسطورة سيزيف) و(المتمرد) التي قامت احداثها على هذه الفلسفة حيث يرون ابطالها ان وجودهم في الحياة بلا طائل وبلا معنى ويفضي بهم هذا الشعور الى الانتحار، كما ظهرت ملامح هذه الفلسفة في رواية (الآباء والبنون) للكاتب الروسي تورجنيف التي أظهرت الصراع الفكري والاجتماعي بين الشباب والشيوخ في روسيا ويتمثل بمبدأ رفض الابناء لمشاعر واخلاق الاباء الذي يتسم بالعدمية في بعض مواقفه،  كما ان من ابرز الذين تبنوا هذه الفلسفة في القرن الاخير هو الكاتب الروماني (أميل سيوران 1911 ـ 1995)،  الذي يعد من أشهر العدميين المعاصرين، ومن أعماله (لو كان آدم سعيدا) الذي ترجم الى العربية عام 2014 وكذلك كتابه المهم (مثالب الولادة) الذي يسخر فيه من الوجود ويطرح تساؤلات جريئة عن سر الحياة التي مصيرها الموت لامحالة حيث يقول (الولادة، أو قل كارثة الولادة، هي مغامرةٌ عبثيَّةٌ لا جَدوى منها، لأنَّ مصير الإنسانِ مرتبطٌ بنهايةٍ حتميَّةٍ يغيبُ فيها وعيُه ووجودُه، ويكونُ مصيرُه كمصيرِ أيِّ كائنٍ آخر، إذًا لمَ كلُّ هذا النواحِ؟ فإذا كانَ مصيرُ الإنسانِ هو الموتُ، ما قيمةُ الولادةِ أصلاً، هل ولدَ الإنسانُ ليموتَ؟) .

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم