قضايا

أيمن عيسى: أثر الفتوحات الإسلامية فى انتشار العربية

كتب الله للدين الجديد الغلبة والظفر، فلما ساد الإسلام فى شبه الجزيرة العربية ولم يعد بها صنمًا يُعبد، كان الاتجاه لنشر الدين خارج حدود شبه الجزيرة، وقبل أى فتوحات وقبل تحرك أى جيش، كان النبى ﷺ يبعث الرسائل إلى الملوك والحكام يدعوهم فيها للإسلام، من شاء قبل ومن شاء رفض، ومنهم من قتل مبعوث النبى ﷺ الذى يحمل رسالته، وهو شرحبيل بن عمرو الغسانى أحد ولاة قيصر على أرض البلقاء، وقد قتل الحارث بن عمير الأزدى مبعوث النبى ﷺ .

ولم يكن لهذه الفتوحات الإسلامية أدنى علاقة قتالية بأهل البلاد المفتوحة، وإنما قتالها كان من جيش الدولة التى تسيطر على هذه البلد، وفى تلك الآونة كانت البلاد خاضعة إما للدولة الرومانية وإما لدولة الفرس، فحرب المسلمين كانت مع الروم أو الفرس الذين يسيطرون على البلد المفتوحة ويسومون أهلها الذل والهوان والضرائب الباهظة، من هنا كانت سعادة أهل هذه البلاد بالفتوحات الإسلامية لأنها كانت الخلاص لهم من الظلم والهوان، وكل واحد على ديانته إلا من أراد باختياره أن يدخل الإسلام، ومن لم يرد فعليه دفع الجزية، وهى ليست من قبيل البلطجة على الضعفاء، وإنما هذه الجزية كانت نظير دفاع المسلمين عنهم، فإن نشبت معركة أو هبَّ هجوم على هذا البلد، فلا علاقة لأهلها بالمعركة، المسلمون هم من يدافعون عنهم وعن أرضهم .

وكما أن هذه الفتوحات كانت العامل الأبرز فى نشر الإسلام خارج حدود شبه الجزيرة، فإنها أيضـًا كانت العامل الأبرز والأول فى نشر اللغة العربية وتخطيها حدود الأطر الجغرافية لشبه الجزيرة، فكانت هذه الفتوحات هى جند من جنود الله لنشر العربية فى أصقاع الأرض، وكما كتب الله للإسلام الغلبة والظفر، فقد كتبهما أيضا للغة العربية .

فمع انتشار الفتوحات شرقـًا وغربًا، انتشرت العربية بالتبعية شرقـًا وغربًا، فمع كل بلد جديد يـُفتح، كان عدد وافر من أهلها يدخلون فى دين الإسلام، فكان لابد من تعلم العربية التى بها تتم شعائر الدين، كان لابد من تعلم العربية لغة القرآن الكريم، وقد حرص الولاة المسلمون على كل بلد من هذه البلاد وكذلك حرص من يتولون فيها القضاء، أن يعلموا أهلها العربية وأحكامها وقواعدها، حتى برع المسلمون الجدد من أهل هذه البلاد براعة مطلقة فى العربية وكأنهم عرب أبًا عن جد، حتى أصبح منهم ومن نسلهم عدد من علماء العربية الأفذاذ، مثل : سيبويه، أبو على الفارسى، ابن خالويه .

ولم تكن تفتح بلد حتى يرسل الخلفاء مع الجيش نفرًا من الصحابة أو التابعين لإرساء تعاليم الشريعة وتعاليم اللغة . ويُضاف إلى ذلك الهجرات التى خرجت من شبه الجزيرة إلى عدد من هذه البلاد المفتوحة، ضربًا فى الأرض، وسعيًا لحياة جديدة، أو مرافقة الأسرة لواحد من أفراد الجيش استقر به المقام فى الحامية العسكرية التى تظل فى البلد المفتوحة دفاعًا عنها، تعددت أسباب الهجرات وقد كانت هذه الهجرات من أبرز العوامل التى عملت على  نشر العربية .

ولذلك يقول المستشرق الألمانى "يوهان فك" فى الصفحة السابعة من كتابه " العربية " (لقد كانت هجرة القبائل عقب وفاة الرسول، إيذانـًا بشروق عصر جديد للعربية) ولم يكن لهذه الهجرات سبيل من التوسع والانتشار  إلا بعد الفتوحات الإسلامية .

ويضاف إلى ذلك أيضـًا أن من بقى على دينه ولم يدخل فى الإسلام، وكان يعمل فى الدواوين والمراسلات والمكاتبات أو جمع الخراج، لم يجد مفرًا من أن يتعلم العربية لكى يتمكن من القيام بعمله، حتى من أرادوا فيما بعد فى عهد الدولة الأموية التقرب من الولاة والحكام، كان لابد لهم من تعلم العربية .

إذن رأينا إلى أى حد، كانت الفتوحات الإسلامية ذات الأثر الأول والأبرز فى نشر العربية شرقـًا وغربًا، وكثير من العوامل الأخرى هى منبثقة وتندرج تحت تداعيات الفتوحات الإسلامية، التى لولاها لما كان لهذه العوامل وجود .

***

د. أيمن عيسى – مصر

في المثقف اليوم