قضايا

علي حسين: بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة.. الانسان مقياس الاشياء جميعاً

(لن يتحقق عندي المعنى من تاريخ الفلسفة إذا اكتفيت بالنظر في المادة الموضوعية اللانهائية التي يقدمها إليَّ التراث، أو اقتصرت على إخضاعه لمعايير معرفية محددة . إن ذلك كله لن يكون إلا عملية ذهنية تتعامل مع موضوعات ميتة، دون أن أشارك فيها بنفسي مشاركة أساسية).. كارل ياسبرز

يكاد الكثير منا ألا يتفقوا على شيء اتفاقهم على السخرية من الفلسفة وعن عدم جدواها، البعض يصفها باللغو المضر، والبعض الاخر يعتقد ان العلم تجاوزها، ولم يعد لها مكانا في عالمنا ! ودعونا نطرح سؤالا: هل ماتت الفلسفة حقا؟ هل اصبحت شيئا من الماضي؟ وهذه الاسئلة وغيرها كثير لم تطرح هذا اليوم فقط والعالم يحتفل بالفلسفة التي خصص لها السابع عشر من تشرين الثاني يوما لتكريمها، وإنما طرح هذا السؤال منذ ان تاسست الفلسفة اول مرة وكانت تعني " حب الحكمة "، فكلما تطورت الحياة كان هنالك سؤالا محددا: هل استنفذت الفلسفة اغراضها وماتت؟، وقد اثير هذا السؤال قبل سنوات عندما كتب عالم الفلك الشعير ستيفن هوكنغ في مقدمة كتابه " التصميم العظيم " - ترجمه الى العربية ايمن احمد - أن الفلسفة ماتت، لأنها لم تتمكن من مواكبة التطور في العلوم الحديثة. فالعلماء الآن وليس الفلاسفة حسب قول المرحوم هوكنغ، هم من يحملون المشاعل لاستكشاف ما هو مجهول في الكون:" فلم نعد نحتاج لتأملات الفلاسفة للإجابة عن أسئلة من شاكلة: كيف نشأ الكون؟ وهل يحتاج الكون إلى خالق؟ وما إلى غير ذلك، فلدينا الآن من القدرات النظرية الرياضية والمعدات التجريبية لمقاربة هذه الأسئلة المحيرة، ما يغنينا عن التأملات الفلسفية المحضة "

في كتابه الفلسفة انواعها ومشكلاتها – ترجمه الى العربية فؤاد زكريا – يكتب هنتر ميد:" اذا قال احدهم ان الفلسفة عبارات لا معنى لها، وإنها في حقيقتها لغو، لكان ذلك أسوأ من مجرد إثارة أعصاب "

في كل مرة يحاول البعض ان يقول بان الفلسفة لم يعد لها مكانا في المجتمع الحديث، فالفيلسوف مجرد رجل سفسطائي ثرثار، أو ينظر الى العالم من برجه العاجي، يحلق في الخيال، مثلما وصف ارستوفانيس، غريمه الفيلسوف سقراط في مسرحيته الشهيرة " السحب " عندما وضعه في " سلة " معلقة بين الأرض والسماء! .

قبل حوالي 2500 عاماً تجول في بلاد اليونان رجل اسمه " بروتاغوراس " ولد عام 490 ق.م في ابديرا احدى جزر اليونان، وكانت هذه المدينة مقرا لديمقريطس مؤسس المدرسة الذرية، ويذهب ابيقور الى ان بروتاغوراس نشأ في اسرة فقيرة، وكان في صباه يعمل في جمع الحطب إلى أن التقى ديمقريطس الذي علمه الفلسفة . في كتابه " مشاهير الفلاسفة " – ترجمة امام عبد الفتاح امام – يذكر ديوجينيس ان بروتاجوراس قرأ اول كتاب في بيت الكاتب المسرحي يوربيديس، عاش بروتاجوراس يتجول في المدن اليونانية يلقي الدروس مقابل اجور يدفعها الطلبة، وفي افتتاحية محاورة " بروتاغوراس " لافلاطون – ترجمة عزت قرني – نجد ابوقراط الشاب يخبر سقراط ان بروتاغوراس في اثينا وطلب منه أن يكون وسيطا ليقبله تلميذا في مدرسته، فقال له سقراط:"اذا دفعت له مالا وصادقته لجعلك حكيما كنفسه "، يصفه سقراط بانه:" اعلم واحكم اهل العصر بلا منازع " .

اشتهر بروتاغوراس بمقولته:" الإنسان مقياس الاشياء جميعا، وهو مقياس وجود ما يوجد منها وما لا يوجد " . ويقصد بذلك أن الصح والخطأ، والخير والشر، كلها يجب أن تحدّد حسب حاجات الإنسان. وعندما سُئل ذات يوم هل يؤمن بآلهة الاغريق، أجاب بالقول: " أما فيما يتعلق بالأرباب، فليست لي أدنى معرفة عما إذا كانوا موجودين أو غير موجودين، فهناك أمور كثيرة تحول بيني وبين معرفة هذا الأمر، منها غموض الموضوع ومنها قصر عمر الإنسان "، وبسبب هذه المقولة تم حرق كتبه في ساحة السوق، ومطاردة أي شخص يقتنيها .

كان بروتاغوراس قد كون مجموعة فلسفية اطلق عليها " السفسطائيون " سيسخر منها افلاطون في محاورته " السفسطائي " – ترجمة قؤاد جرجي بربارة - حيث يصورهم في هيئة رجال يتاجرون بتعاليم تتعلق باروح الناس، فهم متموجين، ويحاول افلاطون ان يدحض ادعاء السفسطائي بالمعرفة، ورغم أن أفلاطون يظهر احترامه لعض الفلاسفة للسفسطائيين؛ إلا انه يختلف مع معظم معتقداتهم، ويعارض فكرة دفع مال مقابل تعليم قِيَمٍ وفضائل مثل المواطنة الصالحة والانسان الماهر والفضيلة . ولهذا كان ادِّعاء السفسطائيين تعليم القيم الحياتية هو ما ركَّز عليه أفلاطون هجومه. وفي الحقيقة كان هذا بعيدا كل البُعد عن منهجهم الحقيقي، وهو تدريس البلاغة، والنقد الأدبي، والموسيقى، والقانون، والدين، والأخلاق، والسياسة، وأصل الإنسان والمجتمع، والرياضيات، وبعض العلوم الطبيعية. فقد سعى السفسطائيين الى احتلال مكانة شعراء القصائد الملحمية مثل هوميروس في نشر الحكمة من خلال دروس يومحاضرات تتخللها احاديث عن التاريخ والشعر والفلسفة .

سعى السفسطائيون الى تقديم فلسفة تشمل خبرات الإنسان اليومية، وعلى عكس أفلاطون الذي كان يرى أنّ مهمة الفلسفة هي أن تفتح الطريق إلى ما وراء الطبيعة، كان السفسطائيون يهدفون إلى إعادة صياغة التجربة الإنسانية بكل تعقيداتها كوسيلة للوصول إلى الحياة المنشودة. ويذهب ماركري تايلور الى أن الاصل في نشاة الفلسفة السفسطائية هو الموازنة بين التقاليد وصور الحياة اليومية المختلفة، وان السفسطائية تختلف عن الفلسفة الطبيعية في الموضوع والمنهج والغاية، فالسفسطائية فلسفة موضوعها الانسان وحضارته التي ابدعها، وسعي الفيلسوف السفسطائي الى جمع اكبر قدر من المعرفة في كل نواحي الحياة – تايلور الفلسفة اليونانية ترجمة عبد المجيد عبد الرحيم –، فالوجهة التي وجهها السفسطائيون للفلسفة هدفها اعلاء شأن الحياة الاجتماعية للانسان، حيث كان بوتاغوراس يؤكد على مقدرة الانسان واستقلاله في المجتمع . وقد دعا السفسطائيون إلى معارضة كل تمييز بين الطبقات والطوائف والشرائح الاجتماعية، وكان يبدو لهم الفخر القومي بأنه " حماقة بلا معنى"، وأعلن بروتاغوراس أن دولة إلى جانب القومية هي أشياء بلا أهمية، فيما أصرّ الفيلسوف المتمرد ديوجين أن الإنسان هو مصدر لكل الطموحات.

عاش السفسطائيون في أثينا في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، وشغلوا مناصب معلمين خصوصيين ومستشاري علاقات عامة ومحاضرين وممثلي مسرح وفلاسفة وخطباء وأطباء في آن واحد، وكانوا يستخدمون الفلسفة لتدريس معظم المعارف للشباب، وفي إحدى محاورات أفلاطون يتوجه سقراط بالسؤال إلى بروتاغوراس عمّا يقترحه من موضوعات لتعليم الطلبة فيجيب بروتاغوراس: أعلمه كيفية الاهتمام بكل أموره الشخصية، لكي يحسن إدارة بيته، وأعلمه كذلك الاهتمام بأمور الدولة لكي يصبح قوّة حقيقية في المدينة كمتكلم ورجل أفعال.

يقول كيركغارد عن " بروتاغوراس " إنه أوّل من تفلسف حول الانسان، وأن الفلسفة التي انبثقت عنه هي فلسفة للحياة، الحياة الانسانية الحرة، التي هي الهدف لدى بروتاغوراس .!، ومثلما كانت غاية كيركغارد -الأب الحقيقي للوجوديّة- هو أن يعرف الإنسان نفسه بنفسه، كان بروتاغوراس يدعو الناس إلى معرفة حدودهم وقدراتهم، ولذلك يرى بعض مؤرخي الفلسفة أن الوجوديّة بدأت مع السفسطائيين واكملت توهجها مع سقراط الذي كان هدفه الاساسي العمل على جعل الفلسفة تتّجه إلى الإنسان نفسه، وليس إلى العالم الخارجي، فسقراط ومعه بروتاغوراس رغم اختلافهم في الافكار كانا اول فلاسفة يقرّرون تحويل الفلسفة من النظر إلى الكون والبحث عمّا وراء الطبيعة، وجعلها تتّجه إلى الإنسان وما يحيط به.

يكتب زكي نجيب محمود في مقدمته لمحاورات افلاطون ان السفسطائي بروتاغوراس استطاع رغم مرور كل هذه الاعوام ان يظل الفيلسوف الذي يرافق الانسان في حاضره ومستقبله.تُصبح الفلسفة مع السوفسطائيين مهمة عملية، اسلوب في جعل ان يكون للمرء اسلوب في هذا العالم، فالحديث عن اصل الكون والعالم، حديث لا نفع منه، دعونا من الغيبيات والحجج المنطقية، ولننطلق ونسير شؤون الحياة ونتعامل مع الفلسفة باعتبارها كيانا يستفاد منه الانسان، يصر بروتاغوراس على ان نعتقد بكل ما هو مفيد لنا، انه يطالبنا بنقل اهتماماتنا من الواقع المطلق الى قضايا المعرفة البشرية . حين صرخ السفسطائيون بكلمة " الانسان "كانت تلك الصرخة بمثابة تجربة لتطوير الفلسفة اليونانية من مجالها الطبيعي الى وجودها الانساني وكانت خطوة لتمجيد الذات الانسانية، كانت مهمة الفيلسوف السفسطائي ان يعبر عن الروح الجديدة التي تسعى إلى الحرية، واعلان قوة الانسان والثورة على التفكير الذي يمجد الاساطير والابطال الخارقين، وسيلخص سوفوكليس الذي ولد قبل بروتاغوراس بست سنوات، في مسرحيته انتيغون الفكرة التي طرحتها السفسطائية عن الانسان:" الانسان من بين الاشياء القوية اقواها جميعا.لقد علم نفسه الكلام، والتفكير السريع، وسكنى المدن " - انتيعون ترجمة علي حافظ –، قرر السفسطائيون ان ينشروا هذه الافكار، فالانسان سيد الطبيعة، وله الحق في الحرية والسلطة، ولا بد ان يكون قويا لينتزع حقه . انها النزعة النيتشوية في اعلاء شأن ارادة القوة . ان مصلحة الإنسان فوق القوانين التي تقيد حريته

كان نيتشه يرى ان سقراط أوّل من تفلسف حول الحياة، وأن جميع الفلسفات التي انبثقت عنه هي فلسفات للحياة؛ الحياة السعيدة والنزيهة، التي هي الهدف لدى سقراط، ويضيف نيتشه أن الفلسفة السقراطية تُناصب العداء لكل معرفة لا تقترن بالإنسان. ويكتب الفيلسوف الوجوديّ الألماني كارل ياسبرز: " ربما كان أنقى وجه في طريق من جازفوا بأنفسهم ليطيعوا مطلباً مطلقاً هو وجه سقراط، هو من كان يعيش في ضياء عقله، بشمولية عقله ( لا أعرف شيئاً)، فقد تابع طريقه دون أن تبلبله أو تضلّه عن سبيله الأهواء العنيفة للناس الذين يغتاظون ويكرهون ويريدون بأي ثمن أن يكون الحق معهم، ولم يقدم أي تنازل، ولم ينتهز فرصة الهرب التي كانت متاحة له، ومات في صفاء وسكينة، متحملاً تلك المجازفة باسم معتقداته التي يؤمن بها- كارل ياسبرز مدخل الى الفلسفة ترجمة محمد فتحي الشنيطي -، في حوار مع سيمون دي بوفوار يقول سارتر إنّه تعلم من سقراط كيف يمكن للفيلسوف أن ينزل الفلسفة من السماء إلى الارض، ويُدخلها إلى الأسواق والبيوت. ومثلما ارتبطت الوجوديّة بالمقاهي الباريسية والنوادي الثقافية الألمانية ومدرجات الطلبة، ارتبطت فلسفة سقراط ومعه السفسطائيين بالناس الذين كانوا يقابلونهم في الأسواق والشوارع، حيث كانت عادته أن يتوجه كل صباح إلى الأسواق حيث يتجمع الناس ليلقون عليهم اسئئلتهم، والخلاف الوحيد بين سقراط والسفسطائيين، انه لم يكن يتقاضى مالاً مقابل أحاديثه ودروسه، حيث اعتبر نفسه منشغلاً برسالة مفروضة عليه، فلا يكاد إنسان يلقي عليه السلام حتى يسأله عن معنى كلمة الشرّ، ولماذا علينا أن نختار الخير. وتدور المناقشات ساعات وساعات، مثلما كانت تدور في المقاهي الفرنسية التي كان من أشهرها مقهى اسمه (لي دو ماغو) حيث كان جان بول سارتر ومعه سيمون دي بوفوار ومجموعة من أصدقائهم يدخلونه صباحاً ويجلسون فيه على موائد صغيرة متجاورة ويدخلون في نقاشات لا تتوقف وهم يحرقون السجائر. تكتب سيمون دي بوفوار: " كنتُ أشعر أن المقهى أصبح جزءاً من العائلة" – قوة الاشياء ترجمة محمد فطومي - .وفي أثينا القديمة كان يمكن أن تصادف رجلاً يتجوّل في الشوارع يحادث المارة، وإن كان ثمة شخص لا يعرفه فلسوف يسأله: من تكون يا هذا؟

- سقراط بن سوفرونيسكوس.

* ما هي اهتماماتك؟

- أن أتحدّث مع الذين يودّون ذلك.

* ولأيّ هدف؟

- لكي أساعد العقول على أن تولّد الحقيقة.

وليس غريباً أن تكون لدى كلٍّ من كيركغارد ونيتشه، مواقف متضاربة تجاه فلسفة سقراط؛ فمن ناحية، كان يُنظر إلى سقراط كمدافع عن نوع من العقلانية يتخطى القيم التقليدية والشخصية الخالصة إلى معايير أخلاقية عالمية، وهو ما أشاد به كيركغارد نفسه وانتقده نيتشه. لكن كليهما أدرك أن سقراط خاطر بتجاوز حدود المعقول كي يعيش الحياة بكلّ معانيها. وكما علق كيركغارد حول أهمية القناعة الشخصية التي يكون فيها الشخص مستعدّاً للتضحية بحياته من أجلها مثلما فعل سقراط وهو يتجرع السمّ.

هكذا نجد أن الأساس في فلسفة سقراط وبرتاغوراس هو معرفة الإنسان لنفسه. إن موضوع الفلسفة ودورها الأساسي وهدفها الرئيس، يكمن في معرفة طبيعة الإنسان للمصدر الأول لأعماله وسلوكه، لطريقته في العيش والتفكير، وان المعرفة المعرفة لا تتحقق إلّا من خلال معرفة النفس، وأن الفيلسوف الحقّ هو من يمارس فلسفة الحياة، وأن يكون منهجه الحقيقي هو الحوار والمحادثة الحية، ودراسة المسائل التي تنشأ من السؤال والجواب.

في محاورة المادبة يصف ألقيبيادس ما فعلته في نفسه حواراته مع سقراط:" تركني في حالة ذهنية شعرت فيها انني، ببساطة، لا استطيع أن امضي في العيش بالطريقة التي كنت عليها .. جعلني اعترف انني بينما اقضي وقتي في السياسة فأنا اهمل كل الاشياء التي تهيب بي ان انتبه اليها في نفسي " – افلاطون محاورة المأدبة ترجمة وليم الميري -

عندما يقول برتاغوراس: " الإنسان مقياس الأشياء جميعًا"، فإنه يتحدث عن الإنسان بوصفه نوعا، لا عن الناس بوصفهم أفرادًا. وعندما يقول: " إننا وجدنا في عالم غير مكترث"، فإنه يعني أيضًا الجنس البشري في عمومه، وهو يضيف إلى ذلك على الفور الفكرة الإيجابية المتفائلة القائلة إن الناس من حيث هم أفراد ليسوا وحدهم، وإنما هم بطبيعتهم كائنات اجتماعية قادرة على المشاركة مع أقرانهم من البشر والتعاون معهم من أجل تحقيق مصالحهم الفردية ومصالح الجنس البشري بأكمله. فصاحب النزعة الإنسانية يرى في وحدة الجنس البشري قوة فاعلة يمكن استغلالها في نشر مزيد من الوعي الاجتماعي وروح المساعدة المتبادلة بين الأفراد. وهو على هذا النحو يحول ما يرى معظم الناس أنه جانب مؤسف من جوانب الموقف الإنساني، أعني عزلة الإنسان في الكون، إلى مصدر ممكن للخير البشري.

ينسب إلى بروتاغوراس ما يقارب عشرة أعمال، من بينها: " في الموجود"، و" في العلم"، و" في الآلهة"، و" الجدل أو فن الحوار"، و" الحقيقة"، ولم يبق من هذه الكتب شيئا بسبب ما تعرضت له من مصادرة او حرق، وقد وصلت منها شذرات في كتب تاريخ الفلسفة وايضا في محاورات افلاطون التي كان بروتاغوراس احد شخصياتها مثل محاورة " بروتاغوراس" ومحاورة " الثئيتتس" .

في معظم شذراته التي وصلتنا نجد ان بروتاغوراس يسخر من الميتافيزيقيا وينظر الى الوجود الطبيعي من خلال الوجود الانساني، مناديا بانسانية الانسان ووجود ذاته، وعلى هذا الاساس رقض السفسطائيون وفي مقدمتهم بروتاغوراس القوانين التي تحد من حرية الانسان، فالانسان في نظرهم مزود بطبيعة حرة متمردة متفوقة .فالانسان كما يقول الفيسوف السفسطائي أنطيفون " اعظم الحيوانات الوهية "، فالفرد هو كل شيء هو المقياس، هو الحقيقية .. والذي يريد السعادة ويحرص عليها يجب ان يقتنيها في ذاته .فالطبيعة البشرية في راي السفسطائيين هي طبيعة الذات القوية التي لا تخضع ولا تسمح باستعبادها . هسي طيسعة متمردة تنشد الفرادة والتميز والتفوق . هي طبيعة تكره الضعف وتنادي بـ " إرادة القوة "

لم يتزوج بروتاغوراس طوال حياته، حتى يتجنب كما يقول في محاورة افلاطون " عبئا ثقيلا يقع عليه " عاش حياته متجولا، يهتم بالجدال مع الناس، وينسب اليه انه اول من ابتكر ذلك تانوع تاذي سمي " الجدل السقراطي "، ووفقا لما يقوله افلاطون فان بروتاغوراس اول من اوضح الكيفية التي يتسنى بها للمحاور ان يدحض القضايا المطروحة امامه للنقاش . يحبرنا ديوجينيس في كتابه مشاهير الفلاسفة ان بروتاغوراس توفي بعد ان غرقت سفينته عندما كان يقوم باحدى رحلاته البحرية، وقد كان عمرة قد قارب التسعين عاما.وقد القيت في رثاءه قصيدة جاء فيها:

" إي بروتاغوراس

لقد سمعت عنك قولا

مؤداه أنك قضيت نحبك

وانت رجل هرم " .

اليوم ونحن نحتفل بالفلسفة، نتساءل: هل الفلسفة تقف في مواجهة مشكلة التعايش السلمي بين البشر في العالم كله؟ . وهل لا يزال الفيلسوف يساهم في السؤال المطروح دوما عن معنى ان ننحترم حق الاخر في الحياة؟ .. لعل موقف بعض كبار فلاسفة الغرب من الحرب الهمجية التي تشنها اسرائيل على الفلسطينيين يجيب على بعض الاسئلة التي تراودنا عن موقف الفلسفة تجاه ما يجري في العالم . في الايام الاخيرة وصفت الفيلسوفة الامريكية جوديث بتلر ما يجري في غزة بالابادة الجماعية التي يريد من خلالها جيش الاحتلال الاسرائيلي القضاء على شعب باكمله ومنعه من الحصول على حقع في اقامة بلد يعيش فيه بامان .فيما عبر الفيلسوف السلوفيني سلافوي جيجك عن ادانته لاسرائيل التي وصفها بالكيان المتشدد الذي يسعى الى الغاء الاخر، فيما عبر الفيلسوف الايطالي جورجيو اغاميين عن خيبة امله من الحكومات الغربية التي تتفرج على المحازر ولا تحرك شيئا . في الوقت الذي اصدر فيه اكثر من " 80 " فيلسوفا واستاذا للفلسفة بيانا اعلنوا فيه تضامنهم مع الشعب الفلسطيني وإدانتهم المذبحة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ولم يكتفوا بذلك بل وجهوا ادانة شديدة لحكومات بلدانهم لكونها تقف مع اسرائيل وطالبوهم بموقف انساني واضح امام ما يحدث من انتهاكات للانسانية، ونجد مفكرا كبيرا مثل الامريكي نعوم تشومسكي يصف ما يجري في عزة بانه تطهير عرقي، مطالبا العالم بان يقفوا مع الانسانية المضطهدة، فلا شيْ اهم من الانسان وحريته وحقه في العيش بامان واستقرار وكرامة .

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

في المثقف اليوم