قضايا

محمد تقي جون: تفسير (اقرأ)

قال تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ *  اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق: 1- 5).

تعود المفسرون أن يختلقوا أقاصيص لتفسير بعض الآيات، ومن ذلك ما وضعوه في تفسير (اقرأ) فقالوا (جاءه الملك فقال: اقرأ قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: أقرأ، قلت: ما أنا بقارئ... فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني. فقال: اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم). فتصور كيف ان جبريل الملك كان (يغط) النبي كما تغط أنت شخصا في ماء النهر، فهل جاء مبلغا ام (غاطا)!!!!!

فهذه الرواية وضعت لتأويل أن الرسول الاكرم أمي لا يقرأ ولا يكتب فقال (ما أنا بقارئ) ولكن جبريل (عليه السلام) كما يبدو في الرواية لم يأبه له فظل يكرر عليه (اقرأ) و(يغطه). وهذا خلل واضح في (الرواية / التأويل). وذهب المفسرون بعد ان اعتُرض عليهم بأن (جبريل لم يكن يحمل صحيفة ليطلب قراءتها!!) فقالوا (القراءة اما عن صحيفة او عن ظهر غيب) وهذا عيب اخر في (الرواية/ التأويل) فالرسول لم يكن يحفظ السورة مسبقا لانها نزلت عليه اول مرة فلا توجد في حافظته ليطلب منه الملك قراءتها. والدليل الدامغ الذي لم ينتبه عليه المفسرون هو ان الله سبحانه وتعالى طلب من النبي عدم قراءة القرآن وعدم تأويله لانه سبحانه تكفل بهما (القراءة والتأويل) في قوله تعالى من سورة القيامة (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (القيامة 16- 19)

اضف الى ذلك ان اول سورة نزلت هي (الفاتحة) وليس العلق. ويقال اول سورة محصورة بين (الفاتحة والمدثر والعلق) ولكن الاغلب يستبعد العلق. وبهذا تنتفي الحاجة الى وضع هذه المقدمة من المفسرين لتفسير (اقرأ) ولعلها من الاسرائيليات فقد جاء في التوراة (سفر إشعياء – الاصحاح التاسع والعشرين – السطر 12) (واذ يُدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة) ورواية التوراة توجد فيها صحيفة بينما رواية المفسرين لا توجد صحيفة! وكيف تطلب انت من شخص ان يقرأ ولا يوجد شيء يقرأ أمامه.

والصحيح في تفسير معنى (اقرأ) في الآية كما هو في كل القرآن المجيد هو (طلب الله سبحانه من النبي أن يقرأ القرآن - بعد قراءته عليه وليس بداية – على الناس الى يوم الساعة، أي (تبليغه بالقراءة والتأويل الذي بلغ به) كما انه طلب من الله سبحانه لكل مسلم أن يقرأه بالقراءة والتأويل الصحيح فـ(اقرأ) طلبٌ من النبي الاكرم ومن كل مسلم، لان الرسول مبلغ وحامل القرآن الى الناس دون تدخل فيه. وقد جاء ذلك في قوله (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (الاسراء: 106).

(وغير هذا كثير من عمل المفسرين) ويحضرني قول أستاذي الجليل (خشان خشان) (القرآن سيّد عبَّدته التفاسير)

***

أ. د. محمد تقي جون

(من كتابي قيد العمل)

 

في المثقف اليوم